ياسر العلاوي
كثر الحديث عن الرد الإيراني على اغتيال إسماعيل هنية في طهران، وكثر التحليل والتفصيل في الأمر وفي نوع الأسلحة التي ستستخدمها إيران في ردها، وما هي نتائجها على إسرائيل والمنطقة، هل هي صواريخ أم طائرات مسيّرة يطلقها الحرس الثوري من إيران أو من العراق، هل هي قذائف من جنوبي لبنان أم من سوريا. هل الرد الإيراني سيكون فعلاً بتوجيه ضربة لإسرائيل أم أن الرد سيكون عبر الأذرع الطويلة لإيران في المنطقة.
أسئلة يبحث المتابعون عن إجابات لها، وتتناقلها وسائل إعلام عربية ودولية، دون تأكيد أي جهة مسؤولية إسرائيل عن عملية الاغتيال التي تمت داخل طهران، العملية التي تعددت السيناريوهات المعلنة عنها بين صاروخ أطلق من خارج إيران وقنبلة موضوعة قبل شهرين، فلماذا هذا الرد إذاً.
مدير شبكة الجيوستراتيجي للدراسات – ألمانيا إبراهيم كابان قال لموقع حلب اليوم إن “العمليات الإسرائيلية بالداخل الإيراني معروفة جداً، وطالت أساتذة وعلماء يعملون في مجال صناعة وتطوير الأسلحة الكيماوية والمفاعل النووي، ومثل هذه العمليات تُتهم فيها إسرائيل بشكل مباشر، ودائماً إسرائيل لا تنفي التهم الموجهة لها بتنفيذ هذه العمليات، ولكن هذا أيضاً دليل على اختراق كبير في المنظومة الأمنية والمؤسسة العسكرية الإيرانية”.
فيما يرى الباحث في الشأن الإيراني مصطفى النعيمي تحميل إيران إسرائيل مسؤولية اغتيال هنية يتيح لها التوجه لأنصارها والمنتمين لمحورها بأنها ضمن مواجهة حقيقية مع إسرائيل، وقال لموقع حلب اليوم “أعتقد أن إيران تحاول من خلال استخدام هذه التكتيكات، إيصال رسالة بأنها ما زالت موجودة وفاعلة وممسكة بملف الحرب والسلم، بالتالي تسويقها للملف يتطلب مسك كافة خيوط اللعبة، من خلال التلويح بالرد العسكري واسع النطاق إعلاميا، مع عدم وجود تحرك ميداني يشير إلى إمكانية الرد كما تهدد إيران، لكن تستثمر المناخ لتسويق ذاتها على صعيد حاضنتها الاجتماعية وعلى صعيد بقاء الإرهاصات في مناطق خصومها بأنها ربما قد تتعرض في أي لحظة لضربات موجعة”.
بعد أن وصف كثيرون رد طهران على استهداف سفارتها بدمشق وقتل عدد من قادة الحرس الثوري الإيراني البارزين فيها بالمسرحية، حيث أطلقت دفعة صواريخ وطائرات مسيرة لم يصل كثير منها إلى إسرائيل، ولم تحقق أياً من الأهداف التي تحدث عنها خامنئي والمسؤولون الإيرانيون، فإن الرد الإيراني المنتظر وفق كثير من المعطيات سيكون على شكل تحرك إيراني خارج الحدود، متمثلاً بالحرس الثوري والميليشيات التابعة له إن كان في لبنان أو العراق أو سوريا، وبهذا الصدد قال مدير شبكة الجيوستراتيجي للدراسات إبراهيم كابان “الوجود الإيراني المباشر وغير المباشر في سوريا ولبنان والعراق واليمن، يجعل منها أساساً للردود الإيرانية سواء على إيران، أو على حلفائها، وأيضاً الهجمات الإسرائيلية تستهدف القوات الإيرانية وما يتبع لها داخل الأراضي السورية والعراقية، وليس في إيران، وهذا ليس جديداً على المواجهات بين الطرفين”
وأضاف كابان “هناك سر بعدم رد إيران على الاستهداف الإسرائيلي المتكرر لمنشآت وشخصيات قيادية إيرانية داخل سوريا ولبنان، أما في هذه الحالة إذا كانت تفكر إيران برد شامل فإنه سيكون من جميع النقاط التي توجد فيها قوات إيرانية أو قوات تابعة لها داخل وخارج إيران، وهذا غير ممكن بالوضع الراهن، لأن الرد سيكون ضمن إطارات محددة، فإيران تعلم تماماً القدرات العسكرية الأمريكية في الشرق الأوسط وما يحوي من قوات أمريكية مدعومة بأسلحة مدمرة”.
الباحث في الشأن الإيراني مصطفى النعيمي يرى أن “طبيعة الرد إن حصل سيقتصر على تحريك الفصائل الموالية لها، وذلك لاستهداف الخواصر الرخوة والتي تبدأ من الساحة العراقية متمثلة بقاعدة عين الأسد أو الساحة السورية المتمثلة بحقلي كونيكو والعمر، إضافةً إلى قاعدتي خراب الجير والتنف”.
وعن مسألة وحدة الساحات، قال النعيمي: “أرى أن الهدف المراد تحقيقه من تلك التكتيكات المستخدمة لا يرقى إلى حجم يورط إيران بتوسيع نطاق الاشتباك، وإطلاق صواريخ من داخل أراضيها باتجاه خصومها، نظراً لأنها تدرك تماماً مدى وحجم القدرات الأمريكية الموجودة في المنطقة، والمجهزة للرد المباشر فيما لو أقدمت طهران على تجاوز الخطوط الحمر وقواعد الاشتباك التي رسمت سابقاً، وربما قد تضطر الولايات المتحدة إلى تنفيذ ضربات استباقية لبعض منصات إطلاق الصواريخ المحددة، سواء كانت في سوريا أو العراق، أو في بعض الأحيان تنفيذ ضربات وقائية لمنع وصول السلاح بشقيه المسيرات والصواريخ باتجاه منصات إطلاقها”.
ومع ارتفاع وتيرة التهديدات بين الإسرائيليين والإيرانيين، والحرب الإعلامية الكبيرة التي تتحدث عن استقدام الولايات المتحدة لقطع عسكرية ثقيلة كالبوارج المدمرة وحاملات الطائرات، كما تحدثت عن تحركات للحرس الثوري وما يتبع له من ميليشيات وإرسال شحنات أسلحة تحوي صواريخ ومسيرات إلى نقاط التماس مع فلسطين، فإن السؤال المطروح هو أين سوريا من هذا؟
يجيب إبراهيم كابان “في حال ردت إسرائيل من سوريا، فإن طبيعة الحرب هناك ستتغير، من حرب بين النظام والمعارضة إلى حرب مفتوحة بين إيران وإسرائيل، ولكن على الأرض السورية، أو بين قوات التحالف التي تقودها الولايات المتحدة وإيران وما يتبع لها من ميليشيات في سوريا والعراق، هناك قواعد إيرانية في ريف دمشق والمناطق الجنوبية في سوريا، كما أن هناك وجوداً قوياً للحرس الثوري الإيراني في حلب ودير الزور، كما أستبعد أي تحرك مؤثر من دير الزور والمنطقة شرقي سوريا؛ بسبب وجود القوات الأمريكية والقوات الروسية هناك”.
مصطفى النعيمي الباحث في الشأن الإيراني ووجودها في سوريا قال “أعتقد أن موقف النظام هو الغائب دوماً في هذه الصراعات، رغم أنها تجري على الأرض السورية، هذا الغياب يأتي نظراً لأن من يتحكم بالقرار السياسي السوري هو إيران وروسيا، ولم يعد هنالك في حقيقة الأمر أي تأثير للنظام في المعادلة الدولية، فبالتالي النظام يحاول إيصال رسائل مطمئنة إلى المنظومة الدولية، مفادها أنه غير معني بأي تصعيد ما بين إيران وإسرائيل، وأنه يرفض استخدام أراضيه منطلقاً لتنفيذ أي عمليات عسكرية سواء من قبل إيران أو إسرائيل، وبالتالي هذا سينجم عنه هشاشة في الموقف ربما قد يتيح مزيداً من التحركات على المستويين البري والجوي الإسرائيلي تجاه أهداف إيرانية في سوريا، مع لفت الانتباه إلى أن الموقف الروسي غائب هذه المرة، وهذا ما يثير الاستغراب بشكل كبير”.
الرد الإيراني المنتظر يراه البعض يدخل في إطار الجعجعة دون طحين، مئات التصريحات وكثير من حديث المسؤولين الإيرانيين للصحافة، وتقارير وسائل الإعلام الإيرانية وغير الإيرانية، تدفع بشكل كبير نحو تهويل الحدث، حدث وإن وقع لن يؤثر على إسرائيل بطبيعة الحال كما كان سابقه، ولن يؤثر على إيران أيضاً لأنها ليست ساحته، وهنا نعود لقول وتكرار جملة.. الخاسر الأكبر هو سوريا والبلاد العربية.