عمر حاج حسين
تمهيد
في وداع كل عام يحلم السوريون في مناطق سيطرة سلطة الأسد منذ سنوات بقدوم عامٍ أفضل من المنصرم، لكنهم يُصدمون منذ أكثر من 7 سنوات، بعامٍ مُحملٍ بالأزمات والتبعات الاقتصادية وسوء في الحال المعيشي، كل ذلك يترافق مع مساعٍ لرأس سلطة الأسد “بشار” بترسيخ نفوذه على حساب قوت السوريين عبر إصدار قوانين من شأنها أن تزيد اقتصاد البلاد تهالكاً.
ومع كل مرسوم اقتصادي صادر عن سلطة الأسد من شأنه تحسين رواتب الموظفين، تعمل وزارات الأسد ومديرياته على تحميل المواطن تكاليف معيشية إضافية، من خلال رفع أسعار المحروقات ومواد أساسية أخرى.
ومع حلول 2024 تدهورت قيمة الليرة السورية أمام العملات الأجنبية إلى نحو غير مسبوق، ووصل سعر الصرف في السوق السوداء إلى ما يقارب الـ15 ألف ليرة سورية للدولار الواحد بعد أن كانت في نهاية 2023 تترنح بين 13 ألف و14 ألف ليرة، ممّا زاد من معاناة السوريين في مختلف المحافظات السورية الخاضعة لسلطة الأسد، في وقت تعاني مناطق نفوذه من تردي الأوضاع المعيشية والاقتصادية.
ماذا جاء في المرسومين 5 و 6؟
مع حلول الثلث الأخير لشهر كانون الثاني الماضي، أصدر رأس سلطة الأسد “بشار”، مرسوما تشريعيا أسماه المرسوم رقم “5”، منع من خلاله التعامل بغير الليرة السورية كوسيلة للدفع أو لأي نوع من أنواع التداول التجاري، وحافَظ على العقوبات المتعلقة بالحبس أو السجن، ولكنه أتاح للمدعى عليهم التسوية أمام القضاء بدفع مبلغ يساوي قيمة المدفوعات والمبالغ المتعامل بها أو السجن سبع سنوات، منوّهاً إلى أن القانون لايسري على الأجنبي غير المقيم أو المستثمر الأجنبي في سوريا.
أعقب المرسوم المذكور بآخر رقمه 6 إذ أظهر المرسوم تشدداً في عقوبات من يزاول مهنة الصرافة دون ترخيص، ومن يقوم بنقل أو تحويل العملات الأجنبية أو الوطنية بين سوريا والخارج دون ترخيص، وعاقب من يزاول المهنة بالسجن المؤقت من خمس سنوات إلى 15 سنة، وبغرامة مقدارها ثلاثة أمثال المبالغ المصادرة على ألّا تقل الغرامة عن 25.000.000 ليرة سورية، ومصادرة المبالغ المضبوطة نقدا، وأي مبالغ مدونة في القيود الورقية أو الإلكترونية، وفق وكالة أنباء سلطة الأسد “سانا”.
ما وراء هذه القوانين؟
وصف المستشار الاقتصادي ورئيس مجموعة عمل اقتصاد سوريا الدكتور “أسامة القاضي” في حديث خاص لـ”حلب اليوم” أن المرسوم رقم 5 هو عملية ابتزاز للتجار المتعاملين بغير الليرة، وذلك لأن سلطة الأسد سمحت فعلياً بما أسمته بـ “التسوية” في القضاء عبر مبالغ مالية تدفع للخزينة، وذلك لحاجة سلطة الأسد الماسة للقطع الأجنبية.
وأوضح أن المرسوم رقم 5 خفّف من تبعات المرسوم الصادر لعام 2020 والذي حمل رقم 3 الذي كان يقتصر على معاقبة المتعاملين بالسجن دون تسوية، قائلاً: “في الحقيقة المرسوم الجديد خفّف تبعات المرسوم رقم ثلاثة وذلك لحاجة سلطة الأسد للأموال”، لافتاً إلى أن المرسوم سهّل على المتعاملين والصرافين التعامل بغير الليرة السورية، بسبب حاجته للقطع الأجنبية وعدم حظر عملهم، مشيراً إلى أن سلطة الأسد فشلت فشلاً ذريعاً في إلغاء فكرة منع التعامل بغير الليرة السورية، وإغلاق مراكز الصرافة عموماً في مناطق سيطرته.
وتابع قائلاً: “لو نظرنا إلى سعر صرف الليرة قبل صدور القرار رقم 3 الذي عاقب التعامل بالقطع الأجنبية، فقد كان سعر الصرف ألف ليرة للدولار الواحد، ولكن بعد صدوره بدأت الليرة بالانهيار السريع ووصل اليوم إلى ما يزيد عن 14 ألف ليرة.
وقال: “هنالك من ورط رأس سلطة الأسد “بشار” في إصدار هذه المراسيم القاتلة”.
وحول العوامل الإضافية التي ساهمت في تسارع انهيار الليرة السورية، أوضح “القاضي” أن أبرزها هي بناء إمبراطورية أسماء الأسد في السنوات الماضية على حساب رامي مخلوف، التي أسفرت عن حجز أمواله وأموال المستثمرين بصفه، ممن كان لديهم استثمارات ضخمة في مناطق سلطة الأسد، الأمر الذي حدّ بشكل كبير من الحصول على القطع الأجنبية وحصرها في تجارة الممنوعات وعلى رأسها الكبتاغون.
وأضاف أن سلطة الأسد تعيش اليوم في حالة عدم توازن وتخبط تشريعي، إذ تحاول ترقيع حلول تتحاشى علاج السبب الأصلي في انهيار الاقتصاد السوري، وكلما حاول الابتعاد عن الحل السياسي الحقيقي الذي يفضي إلى وضع سوريا على السكة السياسية والاقتصادية الصحيحة كلما كرس الانهيار الاقتصادي وعمقه، وسط طفح للتواجد الإيراني والروسي والهيمنة على الأصول السيادية السورية.
واختتم حديثه مع “حلب اليوم” بأن المرسومين الصادرين عكسا فعلياً إفلاس إدارة سلطة الأسد الاقتصادية وتخبطها، وحاجتها الملحّة للقطع الأجنبية، وخاصة في هذه الظروف التي يعيشها حلفائها من “روسيا وإيران” وصراعاتهم مع العالم، والعقوبات التي تُفرض عليهم ووضعهم الاقتصادي المتردي العاجز عن دعم الأسد واقتصاده.
لا تغني ولا تسمن من جوع
ولكن من وجهة نظر الباحث الاقتصادي “مرشد النايف” فإن مجمل المراسيم الصادرة عن سلطة الأسد ليس لديها أي تأثيرات إيجابية على واقع مستقبل الليرة السورية، معتبراً أن الليرة تحتاج إلى أكثر من قانون حتى تستعيد جزء عافيتها.
وأشار إلى أن الليرة يمكن أن تتعافى إذا توفرت أسباب عدّة تساعدها على ذلك، أبرزها: “إنتاج صناعي محلي يدعمها وصلاحية لسلطة الأسد على استجلاب واردات وتصدير الصناعات، بالإضافة إلى السياحة والاستثمارات الخارجية” منوّهاً إلى أن كل هذه العوامل تفتقرها سلطة الأسد اليوم، ولذلك المراسيم 5 و 6 ماهي إلا مراسيم لا تغني ولا تسمن من جوع.
وزاد حديثه بالتأكيد على أن أحد أهم العوامل الذي تسبّبت في انهيار صرف الليرة السورية، هو “فشل السياسات النقدية”، إذ فشل مصرف سوريا المركزي في وضع سياسات من شأنها أن تؤمن بيئة مستقرة لسعر صرف الليرة خلال السنوات الماضية، بسبب غياب الكفاءات، بالإضافة إلى تركيز موارد الأسد المالية لخدمة الدبابة في قتل السوريين.
المرسومين “7 و 8”.. كيف أجهزا على السوريين؟
بعد مضي 15 يوماً على صدور المرسومين 5 و 6 اللذين ساهما في تراجع الليرة، ألحقهم رأس سلطة الأسد “بشار” بمرسومين آخرين أجهزا على السوريين وحملا رقم “7 و 8” القاضيين بإضافة نسبة 50 بالمئة إلى الرواتب والأجور المقطوعة، ولكن الصدمة التي اعتاد عليها السوريين بأن قرار الزيادة ترافق برفع كامل أسعار المواد وعلى رأسها رغيف الخبز.
إذ تبع المرسومين قرار صادر عن وزارة التجارة التابعة لسلطة الأسد بارتفاع تكلفة تأمين الرغيف يوميا إلى معدلات غير مسبوقة، والتي عزّتها بفعل جملة من الظروف منها ما هو عالمي ومحلي، بالإضافة إلى رفع أسعار المحروقات بأكملها.
حتى لقمة عيشنا عينن فيها!
وبحسب مراسلة حلب اليوم في دمشق، فإن سعر ربطة الخبز المدعوم عبر البطاقة الذكية وزن 1100 غرام لـ 400 ليرة سورية بدلاً من 200 ليرة في الأفران العامة والخاصة، في حين وصل سعر الربطة الغير مدعومة إلى 7800 ألف ليرة للربطة الواحدة، بينما ارتفع سعر لتر المازوت للأفران العامة والخاصة إلى 700 ليرة، في حين ارتفع سعر بنزين أوكتان 95 من 12680 ليرة إلى 13825، وسعر بنزين أوكتان 90 إلى 10500 ليرة لليتر الواحد بدلاً من 10000، كما رفعت سعر المازوت الحر من 11675 ليرة إلى 12425 ليرة، وسعر طن الفيول بـ7 ملايين و479 ألفاً و550 إلى 2000 ليرة سورية.
يصف موظف في إحدى مؤسسات سلطة الأسد لـ”حلب اليوم”، -رفض الكشف عن اسمه- الوضع المعيشي والاقتصادي بأنه يزداد سوءاً بسبب الارتفاعات المتكررة خلال هذا الشهر (شباط)، وخاصّة ارتفاع سعر الخبز، إذ قال في صريح عبارته؛(حتى لقمة عيشنا عينن فيها.. الله يفرج على الجميع).
ونقلت مراسلتنا عن ربة منزل تدعى “أم حسام” وتسكن مدينة داريا، قولها: “إن أغلبية أقاربها توجهوا إلى عادة قديمة، وهي أن يخبزوا في المنازل للتوفير، واصفةً بأنها تحمل بركة أكثر من شرائه من الأفران وأكثر رخصاً”.
ويعيش 9 من كل 10 سوريين تحت خط الفقر، وفقاً لما أكّده الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، في حزيران الماضي، الذي أوضح أن أكثر من 15 مليون سوري، أي ما يعادل 70 بالمئة من إجمالي عدد السكان، يحتاجون إلى المساعدات الإنسانية.
وبحلول أيلول الماضي، قفز وسطي تكاليف المعيشية لأسرة سورية مكونة من خمسة أفراد إلى 9.5 مليون ليرة (673 دولار)، بعد أن كان في تموز/ يوليو 6.5 مليون ليرة (460 دولاراً)، وقفز الحد الأدنى من 4.1 مليون ليرة إلى 5.9 مليون ليرة (290 إلى 418 دولاراً).