عمر حاج حسين
أسفر الفراغ الأمني الذي أنتجته الحرب على مدار السنوات الماضية في سوريا، إلى بروز العديد من الظواهر السلبية في المجتمع السوري على اختلاف توزعه بين مناطق النفوذ ابتداءً من مناطق سلطة الأسد إلى الإدراة الذاتية وانتهاءً بالشمال السوري المُحرر، وعلى رأسها انتشار المخدرات وكثرة المتعاطين، حتى باتت “ظاهرة” مرعبة تشكل خطراً حقيقياً على الأفراد والمجتمعات.
ففي بعض الأجزاء من مناطق الشمال السوري، بات تفشي المخدرات يستفحل في صفوف الشباب، ممّا صعّد موجة الانتقاد للسلطات المعنية والجهات المسؤولة لفشلها في اتخاذ تدابير لمكافحة الآفة، في ظل شح مراكز العلاج وإعادة التأهيل للمدمنين، وسرعة انتشار بيع وترويج وتعاطي المخدرات بين الشباب، حتى وصلت إلى تهديد صريح يُنذر بانهيار مجتمعي شبه كامل.
ويؤكد مراقبون أن هذه الظاهرة باتت تستفحل في مناطق شمال سوريا، منذ الأشهر الأولى لإعلان وقف إطلاق النار في أيلول من عام 2019 والذي أوقف زحف عناصر الأسد نحو منطقة إدلب تحديداً، إذ لجأ الأسد وبالتعاون مع حلفائه إلى إغراق مناطق نفوذ المعارضة السورية بالحبوب المخدرة، من أجل تدمير ما عجزت عنه أسلحته العسكرية.
مدمنون
خلال إعداد هذا التقرير التقينا بعدد من الشبان الذين يدمنون على تناول الحبوب المخدرة منذ سنوات، وتحديداً “الكبتاغون – والترامادول”، واستمعنا إلى أبرز الأسباب التي دفعت معظمهم على التعاطي، إذ تركزت معظم الإجابات إلى غياب فرص العمل، وسوء وضعهم المعيشي والأمني، واستحالة تحقيق أحلامهم المقتصرة على الاستقرار.
“محمد.ف” (إسم مستعار) وهو شاب يبلغ من العمر (32 عاماً)، يروي لـ”حلب اليوم” قصة صديقه الذي وجد نفسه مدمناً دون أن يشعر بالأمر، وقام بسرقة والده وضربه وفر من منطقة إدلب إلى مناطق الجيش الوطني السوري في منطقة “درع الفرات”.
كما حدثنا “محمد” عن قصة صديق آخر يُدعى “إسماعيل.ن” وهو شاب لم يتجاوز سن الـ20 عاماً، وكيف أصبح يُدمن رسمياً على تعاطي الحبوب المخدرة من نوع “ترامادول” منذ قرابة السنتين، والتي كان يحصل عليها من إحدى الصيدليات بطريقة غير شرعية، بعد دفع ضعف ثمن الظرف الواحد مقابل الحصول عليه.
يُكمل الشاب حديثه مع “حلب اليوم” بقوله؛ إن إسماعيل يعاني اليوم من مشاكل عقلية وعصبية، كما كلفه إدمانه على التعاطي وفقاً لـ”محمد” إلى ضياع مستقبله ودراسته وخمود عنفوان شبابه المتقد وفاعليته.
ولم يكتفِ مِمّن التقينا بهم بالحديث عن المتعاطين، بل أكد معظمهم أن الأشخاص الذي يعملون على ترويج الحبوب المخدرة يتحركون بحرية تامة في شمال سوريا، حتى أن بعضهم أكّدوا أن المخدرات باتت “تُباع علناً” في السنوات الثلاث الماضية، لافتين إلى أنه منذ مطلع العام الحالي، باتوا تقريباً يخشون من السلطات، والتي تحركت بعد أن سُجلت حالات تعاطي في أوساط النساء.
وتتشابه الروايات التي استمعنا إليها خلال إعداد هذا التقرير، ولكن إحدى القصص التي رواها أحد أقرباء شاب يُدعى “زكريا.ع”، والذي يقبع اليوم في سجون الجيش الوطني السوري بعد أن تم القبض عليه وهو يُطلق الرصاص بشكل عشوائي في إحدى القرى التابعة لمدينة إعزاز شمالي حلب، بعد أن فقد عقله نتيجة تعاطيه جرعة كبيرة من مخدر يُطلق عليه إسم “أتش بوز”.
الأسباب
يؤكد مدير وحدة الدعم النفسي في المركز السوري لمكافحة المخدران المخدرات (SCDC)، الطبيب “محمد العمر” أن التعاطي بين فئة الشباب وانتشار الحبوب مخدرات في مناطق الشمال السوري منتشر بشكل كبير جداً.
وعزا مدير المركز في حديثه لـ”حلب اليوم” ذلك إلى غياب الرقابة من قبل المؤسسات الأمنية والإدارية من جهة، وغياب فرص العمل، وكثرة البطالة بين الشباب المتزوجين الذين يمتلكون عائلة، وعجزوا عن تلبية احتياجات أسرهم، ما أدخلهم في اضطرابات نفسية كـ”الاكتئاب الحاد”.
وبخصوص أنواع المخدرات المنتشرة بكثرة في شمال سوريا، أوضح “العمر” أن أبرزها هي “الأتش بوز والكبتاغون والترامادول والحشيش”، بالإضافة إلى ظهور مادة جديدة يُطلق عليها إسم “MTD” والتي تؤخذ عبر الحقن بالإبر، إذ تم تسجيل حالات لأشخاص يحقنون أنفسهم من 40 إلى 50 إبرة يومياً، ما جعلنا في المركز السوري أن نصنفها بالمادة “الأخطر على الإطلاق”.
وأمّا بالنسبة لإنشاء فكرة المصح المركزي أو جمعية الهلال الأخضر السوري، فقد تم افتتاحهما بسبب شدة الاحتياج ورغبة من القائمين عليهما في التخفيف من نسبة التعاطي شمال سوريا، وعلاج الحالات التي تم تسجيها.
ونفى “العمر” خلال حديثه لـ”حلب اليوم” الأنباء التي تحدثت عن انتشار ظاهرة تناول الحبوب المخدرة من قبل طلاب الجامعات والمدارس، واصفاً نسبة تسجيل هذه الحالات بـ”القليلة جداً”، وأن المركز السوري لم يُسجل إلى اليوم أي حالة من هذا النوع.
وأوضح أن غالبية الحالات المرضية يصابون بنوبات تجعلهم يخرجون عن الواقع تماماً، وأن غالبية هذه الحالات تُسجل عند الذكور أكثر من الاناث، منوّهاً إلى تسجيل قرابة 4 حالات فقط بين النساء، إذ تم رصدهم من قبل منظمة أطباء عبر القارات والتي بدورها افتتحت مركزاً لهن، وعيّنت أخصائية نفسية للتعامل معهن.
آثار التعاطي وكيفيه التأهيل
يعكس تعاطي المخدرات تأثيرات كبيرة على الأسرة السورية من النواحي عدّة منها “الاقتصادية، الاجتماعية، والصحية”، وفقاً لما أكّده “مصطفى سليمان” العامل في مركز الهلال الأخضر السوري.
وفنّد المرشد النفسي “سليمان” أهم الجوانب التي قد تظهر تأثيرات سلبية، أبرزها “انهيار الهيكل الاجتماعي للأسرة”، إذ يمكن أن يتسبب الإدمان في التفكك الأسري وفقدان التواصل بين أفراد الأسرة، كما يمكن أن يتسبب في زيادة النفقات المالية على الأسرة، سواء كان ذلك بسبب تكاليف العلاج أو فقدان فرص العمل للفرد المتورط.
يسترسل سليمان حديثه مع “حلب اليوم” بالتأكيد على أن تعاطي المخدرات قد يتسبب في انشغال المدمن عن احتياجات الأسرة، مما يؤدي إلى انعدام الرعاية العائلية والدعم، مشيراً إلى أن أفراد أسرة المتعاطي قد يعانون من تأثيرات نفسية عاطفية، مثل “القلق، والاكتئاب، والغضب”.
وشدّد المتحدث على ضرورة التعامل مع مشكلة تعاطي المخدرات بشكل شامل ومتعدد الأوجه، مفضلاً البحث عن الدعم والمساعدة الطبية والنفسية للمتورطين وأفراد عائلتهم.
من أين تأتي المخدرات؟
تُجمع التقارير ومراكز الدراسات وجّل الدول العربية والأوروبية على أن سلطة الأسد هي المصدر الأول عالمياً لصناعة الكبتاغون، والدليل على ذلك وفقاً لموقع “رويترز” أن كبح تجارة الكبتاجون أصبح مطلباً رئيسياً خلال السنوات الماضية لعدة دول عربية لإعادة العلاقات مع رأس سلطة الأسد “بشار”.
وتؤكد أجهزة المخابرات في دول المنطقة على أن الكبتاغون لا يزال يُنتج في مصانع صغيرة على طول الحدود السورية اللبنانية، وكذلك في مصانع أكبر حجماً بالقرب من الحدود السورية مع الأردن، ويُديرها شخصيات مقربة من سلطة الأسد وإيران وحزب الله.
وتُلقي الولايات المتحدة وبريطانيا والاتحاد الأوروبي باللوم على سلطة الأسد في إنتاج الكبتاغون والمواد المخدرة الأخرى والعمل على تصديره، كما وتتهم ماهر الأسد شقيق “بشار”، قائد الفرقة الرابعة، بأنه أحد الأشخاص الرئيسيين المتورطين في هذه التجارة.
وإلى اليوم تعجز الدراسات عن تحديد قيمة هذه التجارة لكن مصادر دبلوماسية تقول إنها تجلب عدة مليارات من الدولارات سنوياً.
يذكر أن تجارة الحبوب المخدرة وعلى رأسها “الكبتاغون” توسعت في الشرق الأوسط إلى حد كبير خلال عام 2021 لتتجاوز قيمتها 5 مليارات دولار، وفقاً لتقرير صادر عن المعهد الأمريكي “نيو لاينز”.
ويؤكد التقرير على أن سلطة الأسد تستخدم هذه التجارة كوسيلة للبقاء سياسيا واقتصاديا إثر العقوبات المفروضة عليها، لتصنف كأبرز جهة مُنتِجة ومصدرة لهذه الحبوب.
وفي آذار الماضي، أدرجت وزارة الخزانة الأميركية شخصيات مقربة من عائلة الأسد ضمن قائمة العقوبات، على خلفية دورهم في إنتاج وتهريب “الكبتاغون”.
وكان الرئيس الأميركي جو بايدن قد وقّع في أواخر عام 2022، عقب إقرار الكونغرس، مشروع قانون لمكافحة إنتاج الكبتاغون التي تصنعه سلطة الأسد.
ما هو الكبتاغون؟
يُعرف هذا الصنف باسم “كوكايين الفقراء”، ويُعتقد أنه مصنوع من مزيج من الفينيثايلين والكافيين ومواد أخرى، ويولّد الكبتاجون قدرة على مقاومة النوم والجوع.
وفي حقيقة الأمر فإن “الكبتاغون” هو إسم لمادة تجارية منبهة جرى إنتاجها لأول مرة في ألمانيا في ستينيات القرن الماضي للمساعدة في علاج اضطرابات نقص الانتباه، والخدار وهو خلل عصبي يؤثر على قدرة المخ على التحكم في دورات النوم واليقظة، وحالات مرضية أخرى.
وتوقف العمل به بعد ذلك، لكن استمر إنتاج صنف منه بشكل غير قانوني في شرق أوروبا ثم في المنطقة العربية لاحقا، وأصبح ذائع الصيت في الصراع السوري الذي اندلع في أعقاب احتجاجات مناهضة لسلطة الأسد في 2011.
ماهو الأتش بوز؟
يُعتبر هذا النوع من أخطر أنواع المخدرات لما له من تأثير على صحة المتعاطي، بينما يعرّف على أنه “مخدر الأغنياء”، ومصدره الرئيسي “إيران”.
ويتراوح سعرُه ما بين 12 إلى 20 دولاراً أميركياً للغرام الواحد، وتعد مناطق سيطرة سلطة الأسد والميليشيات المساندة له، المكان الذي تصنع فيه هذه المادة بعد وصول مادتها الأساسية من إيران.