سلّط تقرير جديد لوكالة “فرانس برس” الضوء على تجارة “الكبتاغون” في سوريا، واستفادة نظام اﻷسد منها، إلى جانب عدّة قوى في الساحة السورية، حيث “تتخطّى حبوب الكبتاغون الانقسامات”، مؤكدة أن دورة إنتاج وتهريب هذه الحبوب المخدرة تشمل عشائر المنطقة، وتساهم فيها عدة جهات منها معامل صناعة اﻷدوية.
ووفقاً للتقرير تُعد حبوب “الكبتاغون” اليوم “أبرز الصادرات السورية، وتفوق قيمتها كل قيمة صادرات البلاد القانونية”، وفق تقديرات مبنية على إحصاءات جمعتها الوكالة.
كما باتت سوريا – بحسب المصدر نفسه – مركزاً أساسياً لشبكة تمتد إلى لبنان والعراق وتركيا وصولاً إلى دول الخليج مروراً بدول إفريقية وأوروبية، و”تُعتبر السعودية السوق الأول للكبتاغون”.
العشائر لها الدور اﻷبرز
أجرت الوكالة مقابلات مع أكثر من 30 شخصاً من مهربين ومسؤولين أمنيين حاليين وسابقين في سوريا ودول أخرى، فضلاً عن ناشطين ومسؤولين محليين على دراية بصناعة “الكبتاغون”، حيث “طلب معظمهم عدم الكشف عن أسمائهم”.
وأوضحت أن علاقات تجارية وعشائرية وقبلية ومصالح تتداخل بين خطوط تهريب وتجارة “الكبتاغون”، التي تتميز بأن “رأسمالها خفيف وأرباحها كبيرة”.
ويقول شخص في منطقة نائية في البقاع اللبناني، لديه علاقات مع عدد من التجار مكنته من الاطلاع والتوسّط في صفقات كبيرة: “يتقاسم أربعة أو خمسة تجار كبار، شحنة واحدة ميزانيتها عشرة ملايين دولار تغطّي المواد الأولية وطرق التهريب التي تُعرف بـ”السكة”، و”الرشاوى”، وتعود بربح قدره 180 مليون دولار”.
ويضيف: “إذا خسروا أول عشرة ملايين، وثاني عشرة ملايين، وحتى ثالث عشرة، بمجرّد أن تنجح شحنة واحدة في المرور، يكون التاجر رابحاً”، موضحاً أنها “شبكة واحدة، سورية سعودية لبنانية عراقية أردنية”.
كما أشار إلى وجود رابط عشائري غالباً يجمع بين المناطق والبلدان، مؤكداً إلى جانب “مصادر أمنية” في المنطقة أن العشيرة الأكثر نفوذاً هي “بني خالد” التي “تعدّ الأكبر وتمتد بين سوريا ولبنان والأردن والعراق والسعودية، وتتحدّر منها قبائل متنوعة”.
ومن مصدرها في سوريا إلى وجهتها في السعودية، قد تبقى شحنة “الكبتاغون” في يد العشيرة نفسها ما يمنحها ضمانات أكثر ويُسهّل عملية الدفع ويجعل ملاحقتها أكثر صعوبة، وفقاً للتقرير.
وأوضح أنه “يتمّ إجمالا تهريب الكبتاغون في أكياس بلاستيكية صغيرة، ويطلق على كل كيس من مئتي حبة عبارة “الشدّ”، ويوضع أحياناً خمسة من أكياس “الشد” في كيس أكبر”.
ويترواح سعر حبة “الكبتاغون” بين دولار و 25 دولاراً، واذا احتُسب سعر الحبة بخمسة دولارات، ووصلت أربع من أصل خمس شحنات إلى وجهتها، تتخطّى قيمة تجارة “الكبتاغون” السنوية عشرة مليارات دولار، بحسب تقرير الوكالة الذي أكد أن ذلك يُعدّ أقل تقدير لتلك التجارة الضخمة.
ولفت التقرير إلى أن 80 في المئة من تلك التجارة مركزها سوريا، وفق “مسؤولين أمنيين”، وبذلك “يكون الكبتاغون أبرز صادرات تلك الدولة، ويعود عليها بأرباح تفوق حجم ميزانيتها بثلاثة أضعاف”.
ويستفيد “نظام الأسد ودائرون في فلكه وشبكة تجار الحرب بشكل هائل من تجارة الكبتاغون”، ويقول مستشار سابق للنظام، لـ”وكالة فرانس برس” من خارج سوريا: “لا توجد محرّمات في الحروب، والبلاد كانت ولا تزال في حاجة ماسة للنقد الأجنبي من أجل رفد اقتصاد الدولة”.
ويضيف: “استطاعت صناعة الكبتاغون أن ترفد الخزينة ولو بجزء من العملة الأجنبية من خلال اقتصاد ظل متكاملاً، يبدأ من استيراد المواد الأولية، وصولاً للتصنيع وأخيراً التصدير”.
الفرقة الرابعة
تتورّط أجهزة أمنية وعسكرية عدة في تلك التجارة، قد تكون أبرزها الفرقة الرابعة التي تتبع “ماهر الأسد”، وفق ما أفادت مصادر عدة بينها أمنيون سابقون في سوريا ومهربون وخبراء.
وتقول “كارولين روز” من “معهد نيولاينز” الذي نشر تحقيقاً حول صناعة “الكبتاغون” قبل أشهر: “لعبت الفرقة دوراً أساسياً في حماية وتسهيل وتهريب الكبتاغون في حمص واللاذقية، وفي نقل الشحنات إلى مرفأي طرطوس واللاذقية”.
ويقول ناشط معارض متابع لعمليات التهريب: “يحصل مصنعو الكبتاغون أحياناً على المواد الأولية من الفرقة الرابعة، وتكون موضوعة أحيانا في أكياس عسكرية”.
ويؤكد “باحثون” أن لحزب الله دوراً مهماً في حماية صناعة الكبتاغون، وخصوصاً في المنطقة الحدودية، ويتهمه سكان في جنوب سوريا بالوقوف خلف انتشارها في مناطقهم.
وتعد الفرقة الرابعة أبرز الفرق العسكرية المنتشرة في المنطقة الحدودية بين لبنان وسوريا، وتتمتع بنفوذ كبير في مرفأ “اللاذقية” في غرب البلاد، ولطالما شكّلت الحدود اللبنانية – السورية مساراً لتهريب البضائع على أنواعها، خصوصاً منطقة “وادي خالد” وفقاً لـ”مصدر قضائي لبناني”.
معامل اﻷدوية
لم يتردّد موقع إلكتروني صيني بالترويج علنا لـ”آلة كبس أقراص الكبتاغون” مقابل 2500 دولار، حيث أن تصنيع الكبتاغون لا يتطلب مساحات واسعة، ومن الممكن إنشاء مختبر مجهز بالآلات الأساسية، وأبرزها آلة الكبس وجهاز الخلط وفي بعض الأحيان فرن لتنشيف المواد، خلال 48 ساعة فقط.
ويقول موظّف في معمل أدوية بمناطق سيطرة النظام لـ”فرانس برس” من خارج سوريا، إن بعض مصانع الأدوية متورطة كونها قادرة على استيراد المواد الأولية لتلك الصناعة “غير المعقدة التي يمكن أن تتم في أي معمل أدوية خاص”.
وحول ما تعلنه سلطات النظام بين الحين والآخر عن مصادرة شحنات أو مداهمة مستودعات؛ يقول الموظف إن ذلك ليس سوى “مسرحيات”.
وفي لبنان، وعلى وقع عمليات ملاحقة صناعة وتهريب “الكبتاغون” في شرق البلاد، بات بعض التجار يعتمدون على مختبرات صغيرة موجودة على ظهر شاحنات، ما يجعل من الصعب ضبطها.
وإن كانت الأجهزة الأمنية والعسكرية اللبنانية تعزّز عمليات ملاحقة تهريب “الكبتاغون”، إلا أن ميزانياتها المحدودة تعرقل عملها في ظل الانهيار الاقتصادي القائم، وفقاً للتقرير.
ويقول مصدر قضائي، في إشارة ضمنية إلى نفوذ شبكات “الكبتاغون” والفساد المستشري في لبنان: “لا يريد أحد أن يسجنهم،(التجار)، خصوصا أنهم يوزّعون الرشاوى بكرم، ولديهم متعاونون في شركات الشحن”.