كشف تحقيق، عما تُعانيه عائلات المعتقلين والمفقودين في سجون سلطة الأسد، وذلك على مدار 12 عاماً، وسط حالة من اليأس دفعت بهم لدفع مبالغ طائلة لوسطاء في الأجهزة الأمنية لمعرفة أي معلومات عن أقاربهم.
وقال التحقيق الذي أعدّته هيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي“، أمس الخميس، نقلاً عن امرأة سورية تُدعى، ملك تُقيم في مدينة إسطنبول التركية، ولديها اثنين من أبنائها معتقلين منذ عام 2012، أن ابنها الكبير محمد (19 عاماً) كان يخدم في صفوف قوات الأسد.
وأضافت أن ابنها تلقى أوامر بإطلاق الرصاص على المتظاهرين في الحي الذي كان يسكن فيه، لكنه لاذ بالفرار، لتداهم قوات الأمن مزرعة كان يختبئ فيها، واعتقلته.
وبعد فترة وجيزة، اعتقلت قوات الأسد ابنها الثاني، ماهر، وقالت: “كان عمره 15 عاماً، اعتقلوه من المدرسة لمجرد أن شقيقه انشق”.
ولم تر ملك ابنيها، محمد أو ماهر، منذ ذلك الوقت، وبحثت مراراً عنهما، فالطريقة الوحيدة التي تفضي دوماً إلى الحصول على أي معلومات هي دفع مبالغ مالية طائلة، حسب التحقيق.
وعلى مدار سنوات تعاملت ملك مع محامٍ كان وعدها بالحصول على معلومات بشأن ابنيها، لا سيما ماهر، وكان يطلب منها في كل مقابلة مبلغاً مالياً يدفعه لوسطاء أو ضباط في السجن.
وبحسب التحقيق، دفعت ملك للمحامي، خلال سنوات، ما يزيد عن 20 ألف دولار، دون جدوى، وتشعر حالياً أنها تعرّضت لاحتيال من أشخاص كذبوا عليها.
من جانبه، ذكر شخص يُدعى، محمد عبد السلام، وكان أحد الأشخاص الذي خرجوا بالمظاهرات عام 2011، أن قوات الأسد اعتقلته عند نقطة تفتيش أمنية في مدينة إدلب أوائل عام 2012، وأخبره الضابط أنه سيخضع لاستجواب يستغرق خمس دقائق فقط.
وأشار التحقيق إلى أن محمد سُجن في سجن صيدنايا العسكري، وتعرّض للتعذيب بأبشع الطرق وأكثرها وحشية.
واعتقد ساجنوه، ذات مرة، أنه توفي متأثراً بجروحه، فنقلوه إلى “غرفة الملح”، وهي غرفة لحفظ الجثث (بعد تغطيتها بالملح لمنع انتشار رائحتها)، مضيفاً: “عندما استيقظت، نظرت يمينا ويسارا وبدأت ألمس الجثث”.
وعندما اكتشف رجال الأمن في سجن صيدنايا أن محمد لا يزال على قيد الحياة، أخرجوه من “غرفة الملح” ونقلوه إلى زنزانته.
استلمت عائلة محمد شهادة وفاة عام 2014، تفيد أنه توفي بسبب نوبة قلبية، إلا أن والده رفض تصديق الرواية، وواصل بحثه عن ابنه، واستطاع عن طريق وسطاء مختلفين التواصل مع عائلة على صلة ببشار الأسد وأُبرم اتفاق.
وأفاد محمد بأن والده اضطر إلى جمع ما يزيد عن 40 ألف دولار لتأمين إطلاق سراحه، وهو ما دفعه إلى بيع أرض العائلة، بيد أن إطلاق سراح محمد كان في عام 2017، وامتدت الدقائق الخمس لاستجوابه إلى خمس سنوات، وهو يعيش حالياً مع عائلته في إسطنبول.
900 مليون دولار
وفي ذات السياق، أجرت “رابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا” دراسة تفصيلية بشأن المبالغ المالية التي دفعتها الأهالي بالدولار الأمريكي، وحساب متوسط المبلغ وضربه في العدد المعلن من جانب الأمم المتحدة البالغ 100 ألف مفقود.
وقدّرت الدراسة أنه خلال الفترة بين عامي 2011 و2020، بلغ حجم المبالغ المدفوعة 900 مليون دولار، حسبما أورد التحقيق.
ولفت أحد المحاميين السوريين في لبنان إلى أن “محكمة الإرهاب” التابعة لسلطة الأسد تستطيع مقاضاة شخص بتهمة إبداء إعجابه بشيء على وسائل التواصل الاجتماعي.
وبحسب المحامي، يُرسل العديد من المتهمين في هذه المحكمة إلى سجن صيدنايا، إن لم يكونوا محتجزين هناك بالفعل.
ووصف المحامي المحكمة بـ “محكمة الملايين”، بسبب حجم الأموال الطائلة التي يجري تداولها بها، مضيفاً: “الفساد والرشوة العمود الفقري لسلطة الأسد لذا يمكن رشوة أي جزء في هذا النظام”.
وفي حزيران الماضي، اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة مشروع قرار لإنشاء مؤسسة للكشف عن مصير المفقودين والمختفين قسرياً في سوريا.
وصوتت 83 دولة لصالح قرار إنشاء مؤسسة مستقلة للكشف عن مصير المفقودين والمعتقلين في سوريا و11 دولة صوتت ضده وامتنعت 62 دولة عن التصويت.