قالت مجلة “فورين بوليسي” في مقال تحليلي، اليوم الاثنين، إن التطبيع العربي مع سلطة الأسد رغم مرور 3 أشهر عليه، جعل مشاكل سوريا أسوأ.
وبحسب المقال، فإنه قبل ثلاثة أشهر، أطلقت السعودية جهوداً إقليمية متضافرة ومتسارعة لإعادة إشراك سلطة الأسد، انتهت بإعادة أحد أكثر “مجرمي” الحرب شهرة في العالم للجامعة الدول العربية، رغم مقتل أكثر من نصف مليون شخص، بعد ما يقرب من 340 هجوماً بالأسلحة الكيماوية، و 82 ألف برميل متفجر، وعشرات من عمليات الحصار على غرار العصور الوسطى.
ولفت المقال إلى أن قرار ولي العهد السعودي “محمد بن سلمان” بإعادة الانخراط أدى إلى هذا التحول الإقليمي، مشيراً إلى أن جذوره أعمق قليلاً.
في حين بدأت الإمارات في استعادة العلاقات مع سلطة الأسد في عام 2018، ودفعت الآخرين بقوة ليحذو حذوها منذ ذلك الحين، حسب التقرير.
وفي الآونة الأخيرة، برز الأردن وملكه “عبد الله الثاني” كمهندس رئيسي لخطة تطبيع الأسد، وصياغة أوراق بيضاء سرية لنشرها في جميع أنحاء المنطقة وكذلك في موسكو وواشنطن، تبعاً للمقال.
وأوضح المقال أن أوروبا لا تظهر أي علامة على أن تحذو حذوها، ولا الولايات المتحدة، على الرغم من أن بعض كبار مسؤولي البيت الأبيض أعطوا الضوء الأخضر بشكل خاص لمحور المنطقة.
ووفق المقال، فإنه بالنسبة للبعض داخل الإدارة الأمريكية، يُنظر إلى أزمات الشرق الأوسط مثل “الأزمة السورية” على أنها غير قابلة للحل بشكل أساسي، وهامشية لمصالح الولايات المتحدة، ولا تستحق الجهد المبذول.
المساعدات
المجلة الأمريكية أوضحت أن الهدف الأساسي الذي قام عليه تطبيع المنطقة العربية مع الأسد كان هو الرغبة في رؤية سوريا مستقرة.
ولأكثر من عقد من الزمان، دعم المجتمع الدولي جهود المساعدات الإنسانية في جميع أنحاء البلاد بقيمة عشرات المليارات من الدولارات، لتلبية احتياجات ملايين الأشخاص، وفق المقال.
وفي 11 تموز الحالي، استخدمت روسيا حق النقض ضد تمديد آلية الأمم المتحدة التي مضى عليها 9 سنوات لتقديم المساعدات عبر الحدود إلى شمال غربي سوريا، ما أدى إلى قطع شريان الحياة الحيوي، ودفع المنطقة إلى حالة من عدم اليقين عميقة وغير مسبوقة.
بعد أيام من حق النقض، قدّمت سلطة الأسد عرضاً لوصول المساعدات إلى المنطقة، لكنها أضافت مجموعة من الشروط التي جعلت هذا العرض مستحيل التنفيذ عملياً، وحتى لو تم تنفيذ مخطط سلطة الأسد بطريقة ما، فإن تدفق المساعدات سيكون جزءاً صغيراً مما كان ممكناً بموجب الترتيب السابق، حسبما أوردت المجلة.
“المخدرات”
كانت إحدى القضايا التي كانت المملكة العربية السعودية والأردن أكثر قلقاً بشأن انبعاثها من سوريا هي التجارة في “الكبتاغون”، وهو غير قانوني ينتج على نطاق صناعي من قبل شخصيات بارزة في سلطة الأسد، حسب المقال.
وأشار المقال إلى أن بين عامي 2016 و 2022، تم ضبط أكثر من مليار حبة “كبتاغون” سوريّة الصنع في جميع أنحاء العالم، معظمها في الخليج العربي.
وسعت دول المنطقة في تعاملها مع سلطة الأسد إلى إقناع “بشار الأسد” بوضع حد لتلك التجارة، تبعاً للمجلة.
وبالنظر إلى الدور المركزي لسلطة الأسد، فضلاً عن هوامش الربح المذهلة التي ينطوي عليها ذلك – يمكن أن تكلف حبة واحدة عدة سنتات لإنتاجها، ولكنها تباع في الخليج مقابل 20 دولاراً.
وكان وعد سلطة الأسد في أيار الماضي، للحكومات الإقليمية بأنها ستكبح تجارة “الكبتاغون” في أحسن الأحوال.
ومع ذلك، وبينما استقبل الأردن للتو اثنين من أكثر مسؤولي سلطة الأسد شهرة وعقوبات دولية – وزير الدفاع ورئيس المخابرات في عمان- اضطر لإسقاط طائرة بدون طيار تحمل مخدرات من سوريا بعد يوم واحد فقط.
وأظهرت بيانات أنه تمت مصادرة ما قيمته مليار دولار من “الكبتاغون” السوري الصنع في جميع أنحاء المنطقة في الأشهر الثلاثة الماضية، في المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وسلطنة عُمان والكويت والعراق وتركيا و الأردن.
اللاجئون
“فورين بوليسي” قالت إن الدول الإقليمية تأمل في أن تؤدي إعادة الارتباط بسلطة الأسد إلى فتح طريق لعودة اللاجئين إلى سوريا.
بعد كل شيء، فإن وجود أعداد كبيرة من اللاجئين السوريين في البلدان المجاورة – 3.6 مليون في تركيا، و 1.5 مليون في لبنان ، و 700000 في الأردن – يفرض ضغوطاً لا يمكن تحملها على نحو متزايد على البلدان المضيفة، وفقاً للمقال.
ومع ذلك، فإن المنطق وراء الآمال الإقليمية لا يمكن تفسيره، إذ ترتبط جميع الأسباب الأكثر أهمية لرفض اللاجئين السوريين العودة بحكم سلطة الأسد.
وأظهر استطلاع جديد للأمم المتحدة بشأن اللاجئين السوريين صدر بعد أيام قليلة من مشاركة “بشار الأسد” في قمة جامعة الدول العربية في جدة أن 1% فقط يفكرون في العودة في العام المقبل.
انهيار اقتصادي
المجلة الأمريكية بيّنت أنه في الأشهر الثلاثة الماضية، انهار الاقتصاد السوري بشكل سريع، حيث فقدت الليرة السورية 77% من قيمتها.
وعندما زار وزير الخارجية السعودي دمشق في نيسان الماضي، كانت قيمة الليرة السورية تساوي 7500 ليرة مقابل الدولار الواحد، أما اليوم، فقد بلغ هذا الرقم 13300 ليرة.
وبعد أن تم الترحيب بالعودة إلى “الحظيرة الإقليمية” مع الاستفادة في نفس الوقت من إعفاءات العقوبات الأمريكية والأوروبية في أعقاب زلزال شباط الماضي، لا ينبغي أن يبدو اقتصاد سلطة الأسد على هذا النحو، وفق المجلة.
وأضاف المقال: “يكمن الخطأ هنا في النظام نفسه، الذي ثبت أنه فاسد بشكل منهجي، وغير كفء، ومدفوعاً بالجشع بدلاً من الصالح العام”.
واختتمت “فورين بوليسي” مقالها بالقول: “لقد أدى سوء الإدارة المالية وإعطاء الأولوية لتجارة المخدرات غير المشروعة إلى قتل الاقتصاد السوري، وربما إلى الأبد”.