تطالب أوكرانيا إسرائيل بإلحاح بدعمها في مواجهة الغزو الروسي لكن الإسرائيليين يعتذرون بدعوى عدم رغبتهم بزيادة التعقيد في سوريا أو التأثير سلباً على التنسيق مع الروس، وفقاً لتقارير إسرائيلية.
ودعا الرئيس الأوكراني “فولوديمير زيلينسكي” إسرائيل، يوم الاثنين، إلى الانضمام لبلاده في قتال روسيا، وكرر ما طلبه سفير بلاده “يفغيني كورنيشوك” في “تل أبيب” حول الحصول على أنظمة دفاع جوي.
وكان “كورنيشوك” قد اعتبر أن “تجاهل الحديث عن المساعدات العسكرية، يجعل الأمر أكثر إحباطاً”، فاﻹسرائيليون “لا يتحدثون عن المساعدات العسكرية بسبب ‘الخوف على الأمن القومي’ من القوات الروسية في سوريا”، مضيفاً أن موسكو تسحب قواتها من سوريا، وهو ما يجب أن يبدّد مخاوف “تل أبيب”.
هل ستتغير المعادلة في سوريا؟
تُشير صحيفة “نيويورك تايمز” إلى أن سحب قوات روسية من سوريا يغير حسابات إسرائيل، مؤكدةً صحة اﻷنباء المتداولة حول إجراء القوات الروسية عمليات تقليص لتواجدها في سوريا لحساب الجبهة الأوكرانية.
واستند تقرير الصحيفة في معلوماته حول تخفيض عدد القوات الروسية إلى “مسؤولين كبار في الشرق الأوسط” لم يذكر أسماءهم، قالوا إن “التقليص التدريجي والمتواتر لايقتصر على قوات الأرض والقادة فحسب، بل يشمل منظومات الدفاع الجوي”.
ويطرح ذلك تساؤلات عن الأثر الذي قد يفرضه اﻷمر على الساحة السورية كونه “إجبارياً لا كيفياً”، وعن الحدود والحسابات التي قد تنعكس على باقي اللاعبين في المحيط، في مقدمتهم إسرائيل، وفقاً للتقرير.
وبحسب المصادر فقد أعادت روسيا مؤخراً نشر عتاد وقواتٍ لها من سوريا، فيما لا تزال تحتفظ بوجود كبير فيها، لكن “التغيير قد ينذر بتحولات أوسع في ميزان القوى، في واحدة من أكثر مناطق الصراع تعقيداً في العالم”.
وأشار تقرير الصحيفة بشكلٍ خاص إلى سحب بطاريات “إس 300” من سوريا، وهو ما اعتبرت المصادر أنه سيسمح – ضمن جملة التغيير في ميزان القوى – لإسرائيل بإعادة التفكير في سياستها بكل من سوريا وأوكرانيا.
وكانت صحيفة “جيروزاليم بوست” اﻹسرائيلية قد أكدت في تقرير نشرته مطلع الشهر الحالي، على وجود انسحاب وتراجع للقوات الروسية في سوريا، مع الحفاظ على القواعد اﻷساسية،
وقالت الصحيفة العبرية إن روسيا “تتراجع في سوريا”، لكن ليس هناك احتمالات لانسحاب روسي كامل، موضحةً أن القاعدة الجوية في “حميميم”، والمرافق البحرية في طرطوس واللاذقية، هي “أصول استراتيجية صعبة سيتم الحفاظ عليها”.
ويأتي ذلك فيما تصاعد الخلاف بين الجانبين الروسي واﻹسرائيلي على خلفية غزو أوكرانيا، حيث اعترضت إسرائيل على تلك الخطوة، فيما زادت موسكو من انتقاداتها للغارات اﻹسرائيلية بسوريا.
غاراتٍ إسرائيليةٌ أكثر نشاطاً
شنّت الطائرات الإسرائيلية غاراتٍ عدّة على مواقع تابعة لحزب الله قرب العاصمة دمشق في جنوبيّ البلاد، وذلك لمرّتين متتاليتين خلال أقلّ من 48 ساعة.
ووقعت الغارة اﻷخيرة التي شنّتها الطائرات في وضح النهار، وذلك للمرة اﻷولى منذ عامٍ كامل، بخلاف العادة، وهي شنّ الغارات بعد منتصف الليل أو قبيل الفجر.
تشير المعطيات إلى تصاعد الغارات اﻹسرائيلية في خلال العام الحالي، حيث شهدت سنة 2022 العدد اﻷكبر من الضربات منذ عام 2013 حتى اليوم.
وسادت أجواء الجنوب والساحل السوري حالة من الهدوء النسبي خلال الشهر الأخير، إلا أن ضربات ليلة الجمعة – السبت الماضية، بدّدت ذلك الهدوء، لتؤكّد إسرائيل أنها ما تزال مصرة على منع وصول اﻷسلحة التي تعتبرها خطيرة إلى “حزب الله”.
شملت غارات ليلة الجمعة، ونهار اﻷحد، مستودعاتٍ تابعةً لحزب الله، يستخدمها لتخزين أسلحة وصواريخ مهمة ودقيقة، وفقاً لموقع “صوت العاصمة”.
وتشير تقارير عبرية إلى قلق إسرائيلي من تزايد النفوذ اﻹيراني في سوريا، مع تقليص الوجود العسكري الروسي، فيما لا تزال “تل أبيب” حريصة على استمرار قناة الاتصال التي أنشأتها مع موسكو منذ سنوات.
هل ستستطيع أوكرانيا تغيير المعادلة؟
قال “زيلينسكي” في خطاب عبر الفيديو لمؤتمر لصحيفة “هآرتس” العبريية مخاطباً اﻹسرائيليين: “ألم يحن لدولتكم أن تختار في صف من ستقف؟”.
وأبدى الرئيس اﻷوكراني تفهّمه للقرار الإسرائيلي بعدم مساعدة بلاده عسكرياً، قائلاً إنه “نابع من الرغبة في عدم إزعاج الكرملن”، لكنّه شدّد أن على إسرائيل أن توضّح “أهي مع العالم الديمقراطي، الذي يتكاتف في وجه التهديد الجوهري لوجوده؟ أم مع من يحاولون غض أبصارهم عن الإرهاب الروسي، حتى وإن كانت تكلفة الإرهاب المستمر هي الدمار التام لأمن العالم”.
ويُجمع السياسيون والعسكريون في إسرائيل على تجنّب استفزاز روسيا، من أجل الملف السوري، ووفقاً لصحيفة “يديعوت أحرونوت” فإن ” زهافا غل أون” رئيسة حزب “ميرتس” اليساري الإسرائيلي، هي “السياسي الوحيد” في دولة الاحتلال، الذي دعا علناً لتزويد أوكرانيا بالمساعدة العسكرية، ومنحها نظام “قبة حديدية”.
وتقتصر مساعدات إسرائيل على تقديم “معونات إنسانية” ومعدات دفاعية، كالخوذ، وعرضت في الآونة الأخيرة على الأوكرانيين مساعدتهم في تطوير نظام إنذار من الهجمات الجوية على المدنيين.
وقال وزير الدفاع “بيني غانتس”، في تصريحات مطلع الشهر الجاري: “أريد أن أوضح أننا لم نبع أسلحة لأوكرانيا، قدمنا لهم مساعدات طبية وإنسانية، وهذا واضح، فنحن لم نبع لهم أسلحة، وهذا هو الموقف الإسرائيلي ولا يتوقع أن يتغير”.
يريد الأوكرانيون – بحسب تقارير عبرية – أن يحصلوا على القبة الحديدية أكثر من أي شيء آخر، فهم مهتمون بنظام يتمتع بقدرة تشغيلية مثبتة لاعتراض آلاف الصواريخ، ويعرفون أيضاً أنه يعرف كيفية اعتراض المركبات الجوية غير المأهولة مثل تلك التي هاجمت “كييف”.
وتقول جريدة “يديعوت أحرونوت” إن إسرائيل “لن تنقل بطارية القبة الحديدية إلى أوكرانيا؛ أولاً لأنها لا تملك ما يكفي، وثانياً لأن هناك حاجة لمشغلي النظام الإسرائيليين، وثالثاً: كان من الممكن أن يسألوا الأمريكيين، حيث أن لديهم نظامين من هذا القبيل”.
وقد حاول “زيلينيسكي” أمس اللعب على أكثر اﻷوتار حساسية لدى إسرائيل، وهو الملف النووي اﻹيراني، حيث أصبحت إيران بين ليلة وضحاها عدواً مشتركاً بين “تل أبيب” و”كييف”، بسبب إمدادها لروسيا بالمسيرات والطائرات الانتحارية، محذّراً من دعم إيراني لروسيا في غزوها للأراضي اﻷوكرانية، مقابل دعم البرنامج النووي، وهو ما لم يردّ عليه أي مسؤول إسرائيلي.
ويبقى الجمود السياسي والعسكري سيّد الموقف في سوريا، منذ آخر حملة عسكرية على الشمال الغربي، ولا يبدو أن كلّ التغيرات الساخنة في الساحة اﻷوكرانية البعيدة استطاعت حتى اﻵن إذابة الجليد على الجبهة السورية، ولكن المتابعين يؤكّدون أن المنطقة مفتوحة على كلّ الاحتمالات؛ وإن كانت بعيدة.