يبدو أن المسيرات اﻹيرانية وصلت إلى مرحلة متطورة جعلت القوات الروسية تعتمد عليها في أوكرانيا ، حيث تؤكد التقارير القادمة من هناك على أنها صنعت فارقاً ولو بسيطاً في الغزو المستمر منذ شباط/ فبراير الماضي.
وتنكر كلٌ من روسيا وإيران القضية جملةً وتفصيلاً، إلا أن تقارير متواترة تؤكد ذلك، فضلاً عن الحكومة اﻷوكرانية التي طردت السفير اﻹيراني من “كييف” نهاية الشهر الماضي، في مؤشّر على تصاعد دور تلك المسيرات وخاصةً الانتحارية منها.
ووجّهت أمس إيران إعلاناً إلى رعاياها لعدم التوجه إلى اﻷراضي اﻷوكرانية، في مؤشرٍ إضافي أيضاً على تعمّق اﻷزمة بين الجانبين، فيما شدّد الاتحاد اﻷوروبي من عقوباته على طهران مستهدفاً قطاع الطائرات المسيرة.
وتشير تقارير صحفية روسية إلى وجود “تعاون عسكري – تقني بين موسكو وطهران” في أوكرانيا “تخشى منه أوروبا”، رغم اﻹنكار الرسمي لاستيراد أسلحة إيرانية، وهو ما تعتبره تقارير استخباراتية ودفاعية بريطانية مؤشراً على نقصٍ حادٍ في الذخيرة الروسية، لتموين الحرب التي طالت أكثر بكثير مما يتوقّع الكرملن.
“الانتحاريات” اﻹيرانية في سوريا
يشير مصدر عسكري في إفادته لـ”حلب اليوم” إلى أن إيران استخدمت طائراتها الانتحارية بشكل موسّع خلال الحملة اﻷخيرة على الشمال السوري بين عامي 2019 و2020.
ورغم وجود خلل نسبي يتعلّق بدقة اﻹصابة إلا أنها سببت عاملاً ضاغطاً على الفصائل العسكرية في الجبهة، أُضيف إلى الطيران الروسي بشقيه المسيّر والحربي.
وكان النظام والميليشيات الداعمة له قد اعتمدوا على سياسة “اﻷرض المحروقة” في المواجهات إلا أن طريقة الاستهداف المدفعي شهدت اعتماداً متزايداً على رصد الطائرات المسيّرة وتصحيح اﻷهداف، وذلك عقب التدخل الروسي في 2015.
وخلال عام 2018 حيث شهدت الساحة العسكرية السورية تبدلات جذرية بدأ نشاط الطائرات المسيرة يزاحم نظيراتها الروسية في سماء إدلب، وخاصة تلك الطائرات التي تنقض على اﻷهداف وهي محمّلة بالذخائر وتُعرف بـ”الانتحارية”.
ويبدو أن إيران – يضيف المصدر – استفادت من تجاربها في إدلب لتطوير وتعزيز صناتها لتلك الطائرات، وهو ما مكّنها من الوصول لمرحلة التصدير والاستخدام في غزو أراضي أجنبية.
وكانت الميليشيات اﻹيرانية قد استخدمت هذا النوع في هجماتها على قواعد للجيش اﻷمريكي اﻷكثر تطوراً، في كلّ من سوريا والعراق واليمن، وردّ اﻷخير على ضرباتها بسلسلة غارات عنيفة، قد تدلّ على حجم اﻷذى الذي ألحقته تلك الطائرات الصغيرة.
وأعلنت “كييف” منذ نحو أسبوع أنها أسقطت 13 طائرةً إيرانيةً مسيرة، وهو ما يعطي تصوراً – وفقاً لمحللين غربيين – عن حجم وكثافة هذا السلاح في سماء أوكرانيا، مما جعل الاتحاد اﻷوروبي يجمع “أدلة” حول ذلك، تُكذّب الرواية الرسمية لطهران؛ ويعلن بموجبها عن حزمة جديدة من العقوبات.
تقنية ضعيفة
يشير الخبير “جان بيير فيليو” إلى أن طائرات “الشاهد” (“الشهيد” بالفارسية) أصبحت مكوناً رئيسياً في عمليات القصف العشوائي التي أمر بها “الكرملين” على الأراضي الأوكرانية.
وتحاول “موسكو” – يضيف “بيير فيليو” – تعويض ضعفها في “أوكرانيا”، منذ هذا الصيف، من خلال الحصول على طائرات “شاهد” التي استخدمت على نطاق واسع خلال قصف 10 و 11 أكتوبر الجاري على أهداف مدنية في “أوكرانيا”.
ويؤكد الخبير أن “شاهد” على عكس Bayraktar التركية، التي استخدمتها أوكرانيا على نطاق واسع، فهي تعد غير متطورة نسبياً، لكن ما يميّزها هو مداها الذي يصل إلى 2500 كيلومتراً.
وتستطيع هذه الطائرات اﻹيرانية التحليق بسرعة تصل لأكثر من 185 كيلومتراً في الساعة، لطراز “شاهد -136″، وقد “تم بالفعل تسليم مئات منها إلى الجيش الروسي”، وفقاً لـ”بيير فيليو”.
ويقول تقرير صحيفة “لوموند” الفرنسية إن إنتاجها يتم من قبل شركة “إيران” لصناعة الطائرات، وهي شركة معروفة باسمها الفارسي المختصر HESA ووُضعت على قوائم العقوبات الغربية بسبب تعاونها في البرنامج النووي.
وبحسب التقرير فقد “نفذ هذا النوع من الطائرات بدون طيار بالفعل هجمات مذهلة، في سبتمبر 2019، ضد منشآت نفطية في المملكة العربية السعودية، ثم في يناير الماضي، ضد أراضي الإمارات العربية المتحدة، وهي هجمات تبنتها ميليشيات في اليمن تابعة لإيران”.
في وقت مبكر من 13 سبتمبر/ أيلول، ادعى الجيش الأوكراني أنه أسقط “شاهد -136” بالقرب من “كوبيانسك”، وهي منطقة استراتيجية في شمال “دونباس”، تم استعادتها بعد بضعة أيام.
وفي 25 سبتمبر / أيلول، استُخدمت هذه الطائرات ضد مبنى إداري في “أوديسا”، قبل ذلك بأسبوع، نفذت ضربة في إقليم “كييف”، ومن الواضح الآن أن طائرات “شاهد -136” مكرسة للضربات العميقة، بحسب “لوموند”.
“الشهيد” ترتكب المجازر وتنشر الرعب في صفوف المدنيين
يتمّ إطلاق تلك الطائرات من “بيلاروسيا” أو شبه جزيرة “القرم” المحتلة، وتستطيع بمداها الطويل أن تكون في قلب الحملة التي تشنتها روسيا على أوكرانيا.
في 10 و 11 أكتوبر/ تشرين اﻷول الحالي، شنّت طائرات “الشهيد” والتي أداجت روسيا تسميتها إلى طائرة “الجار”، حملةً شعواء ضد أهداف مدنية في جميع أنحاء “أوكرانيا”.
يقدّر خبراء غربيون أن هناك “قفزة كبيرة” في قدرات المسيرات اﻹيرانية على استهداف، ليس نقاط أرضية ثابتة فحسب، بل أهداف متحركة على بعد مئات الكيلومترات عن “طهران”.
ونقلت محطة “سكاي نيوز” البريطانية عن خبير شؤون الشرق الأوسط في مؤسسة “جينز” قوله “إن إيران تقول إنها توجه الطائرات المسيرة المتقدمة عبر الأقمار الصناعية لكن المشكلة أن الإيرانيين لا يملكون أقماراً صناعية وبالتالي لا بد أن تتحايل على العقوبات الدولية للحصول على ترددات من أقمار صناعية للاتصالات”.
لكن الحل الأسهل أمام الإيرانيين هو أن تقوم المحطة الأولى لتوجيه المسيرة بتسليم قيادتها لمحطة متقدمة قد تكون على الأرض أو على متن سفينة لزيادة مدى عمليات الطائرة المسيرة، وفقاً للخبير.
ونشرت صحيفة “جيروزاليم بوست” الإسرائيلية تقديرات بأن أسطول الطائرات المُسيرة التي يمتلكها “حزب الله”، بلغ قرابة 2000 طائرة، حصل عليها من إيران أو من خلال التصنيع المحلي.
واعتبر خبير عسكري في إفادته للصحيفة أن هذا مؤشر على محوريّة تلك الطائرات، خصوصاً “شهيد – 136″، رغم عدم تقدّم تقنيّتها.
وأيا كانت قدرات الطائرات اﻹيرانية، إلا أنها تُعتبر مؤشراً – وفقاً لتحليلات متقاطعة – على انخفاض اﻷسلحة والذخائر في جعبة الروس، خصوصاً لناحية الصواريخ طويلة المدى، حيث أشارت تقارير استخباراتية نُشرت منذ شهور، إلى أن لجوء موسكو إلى إيران وأيضاً كوريا الشمالية لشراء أسلحة تقليدية كالمدفعية والصواريخ وأيضاً الطائرات المسيّرة، يلتقي مع مؤشراتٍ أخرى على استنزاف الحرب اﻷوكرانية للمخزون الروسي.