تشهد الأوساط السياسية في واشنطن حراكاً لافتاً نحو إلغاء قانون “قيصر” الذي فرض على سوريا عام 2019، وذلك بعد تقديم منظمات سورية أمريكية مذكرة مشتركة إلى الكونغرس تطالب بإزالة القانون بالكامل و”بلا قيد أو شرط” ضمن مشروع قانون تفويض الدفاع الوطني لعام 2026.
المذكرة التي كشف عنها المجلس السوري الأمريكي عبر منصة “X” شددت على أن استمرار تطبيق قانون قيصر بعد رحيل النظام البائد لم يعد يخدم أهدافه الأصلية، بل تحوّل إلى أداة تُعيق التعافي الوطني وتضر بالمجتمع السوري ككل، فضلاً عن تقويضه المصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة في المنطقة.
من عقوبات إلى عبء اقتصادي وسياسي
أوضحت المذكرة أن العقوبات المفروضة تمنع الشركاء الإقليميين والمستثمرين من المساهمة في إعادة الإعمار، وتُقصي الشركات الأمريكية عن المشاركة في مشاريع حيوية، مما يترك الساحة مفتوحة أمام المنافسين الصينيين والروس.
وترى الجهات الموقعة أن إلغاء القانون سيعيد التوازن الاقتصادي والاستثماري، ويفتح الباب أمام عودة تدريجية للاجئين، واستقرار طويل الأمد في سوريا والمنطقة.
كما اعتبرت أن رفع العقوبات يخدم المصلحة الوطنية الأمريكية من خلال تمكين التعاون الأمني ومكافحة الإرهاب بشكل مباشر مع المؤسسات السورية الشرعية، وهو تحول جوهري في الرؤية الأمريكية تجاه الملف السوري.
دعم رسمي متزايد لإلغاء العقوبات
الموقف الرسمي الأمريكي بدأ يشهد تغيراً تدريجياً، إذ أكدت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية، تامي بروس، دعم إدارة الرئيس دونالد ترامب لإلغاء العقوبات المفروضة بموجب قانون قيصر، عبر تضمين ذلك في قانون تفويض الدفاع الوطني الجاري مناقشته حالياً في الكونغرس.
وأشارت بروس إلى أن رفع العقوبات يهدف إلى منح الشعب السوري فرصة لبناء مستقبل مستقر ومزدهر، والحفاظ على الهدف الاستراتيجي لواشنطن في هزيمة تنظيم الدولة نهائياً.
كما نُقل عن مسؤولين أمريكيين بينهم السفير توم باراك، المبعوث الخاص إلى سوريا، دعمهم لإلغاء القانون، بينما وجّه ستة وعشرون من رجال الدين المسيحيين السوريين رسالة إلى الكونغرس دعوا فيها إلى إنهاء العقوبات لما لها من أثر مباشر على المجتمع السوري، وخاصة على الأقليات الدينية.
تأييد في الكونغرس وانقسام في التفاصيل
في مؤشر على التحول التشريعي، أعلن النائب الجمهوري جو ويلسون أن مجلس الشيوخ صوّت في العاشر من تشرين الأول الجاري على إلغاء قانون قيصر، وهو ما اعتبرته دمشق “خطوة تاريخية” نحو إنهاء الحقبة السابقة من العقوبات. إلا أن المشهد في الكونغرس لا يزال منقسماً بين تيار يدعم الإلغاء الكامل وآخر يطالب بالإبقاء على بعض الإجراءات كأداة ضغط سياسي محدودة.
ويتوقع مراقبون أن يتخذ الكونغرس قراره النهائي قبل نهاية العام الجاري، وسط تزايد المؤشرات على تراجع الحماس الأمريكي لسياسة العقوبات الواسعة التي أثبتت فشلها في تحقيق التغيير السياسي المنشود، بينما فاقمت الأوضاع الإنسانية والاقتصادية.
ويرى محللون أن التحرك لإلغاء “قانون قيصر” يمثل تحولاً نوعياً في سياسة واشنطن تجاه دمشق، إذ يعكس إدراكاً متزايداً بأن العقوبات لم تعد أداة فعّالة، بل باتت تعيق عملية التعافي وإعادة الإعمار، وتفتح المجال أمام النفوذ الآسيوي المتصاعد في سوريا.
كما أن الانسجام بين الموقفين السوري الأمريكي والموقف الرسمي لوزارة الخارجية الأمريكية يشير إلى مراجعة شاملة للسياسات السابقة، قد تؤسس لمرحلة من الانفتاح الحذر وإعادة التموضع الأمريكي في الشرق الأوسط.
وبينما يبقى القرار النهائي بيد الكونغرس، فإن التحولات الجارية في الموقف الأمريكي توحي بأن مرحلة “القيود القصوى” تقترب من نهايتها، لصالح نهج جديد يقوم على الواقعية السياسية والانخراط الاقتصادي التدريجي في الملف السوري.






