تبدأ في العاصمة الفرنسية باريس، خلال الأيام المقبلة، محاكمة شركة لافارج الفرنسية وعدد من كبار مسؤوليها السابقين، بتهم تتعلق بتمويل منظمات إرهابية في سوريا، وعلى رأسها تنظيم الدولة وجبهة النصرة، خلال الفترة بين عامي 2013 و2014، وذلك في محاولة لضمان استمرار عمل مصنع الشركة للإسمنت شمال البلاد.
تفاصيل القضية
تعود القضية إلى نشاط شركة لافارج سيمنت سوريا، التابعة للمجموعة الفرنسية العملاقة، التي واصلت العمل في مصنعها الكائن في منطقة الجلابية شمال سوريا رغم تصاعد وتيرة الحرب، في الوقت الذي انسحبت فيه معظم الشركات متعددة الجنسيات من البلاد عام 2012.
ورغم إجلاء موظفيها الأجانب، أبقت الشركة على العمال السوريين حتى أيلول/سبتمبر 2014، حين سيطر تنظيم الدولة على المصنع.
ويشتبه المحققون في أن لافارج دفعت نحو خمسة ملايين يورو لمجموعات مسلحة مصنفة “إرهابية”، وذلك عبر وسطاء محليين، مقابل السماح باستمرار العمل وضمان حماية المصنع.
المتهمون الرئيسيون
من المقرر أن يمثل أمام المحكمة الجنائية في باريس كل من: (برونو لافون، الرئيس التنفيذي السابق لشركة لافارج. خمسة مسؤولين سابقين في الإدارة التشغيلية والأمنية للشركة. وسيطان سوريان، أحدهما مطلوب بموجب مذكرة توقيف دولية).
وستُحاكم إلى جانبهم أيضًا الشركة الأم لافارج، التي استحوذت عليها مجموعة هولسيم السويسرية عام 2015.
الاتهامات الموجهة
تواجه لافارج ومسؤولوها السابقون تهمًا ثقيلة، أبرزها: (تمويل منظمات إرهابية. عدم الامتثال للعقوبات المالية الدولية المفروضة على سوريا. التواطؤ في جرائم ضد الإنسانية “في مسار قضائي منفصل لا يزال قيد التحقيق”).
وفي حال الإدانة، قد تصل الغرامة المفروضة على الشركة إلى 1.125 مليار يورو، مع احتمال فرض عقوبات أكبر إذا ثبت انتهاك الحظر المالي.
وبدأ المسار القضائي في فرنسا عام 2017 بعد تقارير صحفية وشكاوى من وزارة الاقتصاد الفرنسية وجمعيات مدنية إلى جانب 11 موظفًا سوريًا سابقًا، اتهموا الشركة بتمويل الإرهاب وتعريض حياتهم للخطر.
وفي موازاة ذلك، أطلقت مجموعة هولسيم بعد استحواذها على لافارج عام 2015 تحقيقًا داخليًا أوكل إلى مكتبي المحاماة الأمريكي “بايكر ماكنزي” والفرنسي “داروا”، خلص إلى وجود انتهاكات واضحة لقواعد السلوك التجاري داخل الشركة الأم.
الإقرار بالذنب في الولايات المتحدة
في تشرين الأول/أكتوبر 2022، “أقرت شركة لافارج بالذنب” أمام القضاء الأمريكي، واعترفت بدفع ما يقارب ستة ملايين دولار لتنظيم الدولة وجبهة النصرة، ووافقت على تسوية مالية تضمنت غرامة قدرها 778 مليون دولار.
في المقابل نفى الرئيس التنفيذي السابق برونو لافون علمه بأي تحويلات مالية للمجموعات المسلحة، معتبرًا أن الإقرار الأمريكي بالذنب “لا يمثل اعترافًا حقيقيًا” وإنما خطوة لحماية مصالح الشركة الاقتصادية الكبرى.
وأكد فريق الدفاع أن المحاكمة الفرنسية ستكشف ما وصفوه بـ”الجوانب المظلمة” للقضية، مثل دور أجهزة الاستخبارات الفرنسية التي كانت على تواصل مع مسؤولي الأمن في لافارج بشأن الوضع في شمال سوريا.
ورغم ذلك، شدد قضاة التحقيق على أن تبادل المعلومات مع أجهزة الاستخبارات “لا يعني موافقة الدولة الفرنسية على تمويل الإرهاب”.
وقد انضم 241 طرفًا مدنيًا إلى الدعوى، من بينهم موظفون سوريون سابقون ومنظمات حقوقية، مثل منظمة “شيربا” لمكافحة الجريمة المالية، وقالت ممثلة المنظمة آنا كيفر إن هذه المحاكمة تمثل “فرصة تاريخية للسوريين للإدلاء بشهاداتهم حول معاناتهم، بما في ذلك عمليات الخطف والابتزاز والتهديد التي تعرضوا لها أثناء عملهم في المصنع”.
ومن المتوقع أن تستمر جلسات المحاكمة لأسابيع عدة، وسط اهتمام إعلامي ودبلوماسي واسع، لما تحمله من تداعيات سياسية واقتصادية وقانونية.






