شهدت أسعار الزيتون في سوريا ارتفاعًا قياسيًا مع بداية الموسم الحالي، لتسجل أعلى مستوياتها منذ عقود، وسط تراجع حاد في الإنتاج وشح كبير في المحاصيل الزراعية، وخاصة الزيتون الذي يُعد من أبرز المنتجات الاستراتيجية في البلاد.
وتُعتبر سوريا من الدول المتوسطية المهمة في إنتاج الزيتون وزيت الزيتون الذي يحظى بسمعة واسعة على المستويين الإقليمي والعالمي، إلا أن الموسم الحالي شهد انهيارًا كبيرًا في الإنتاج، إذ بلغ سعر الكيلو الواحد من الزيتون ما يقرب من 3 دولارات أميركية، وهو رقم مرتفع جدًا مقارنة بالقدرة الشرائية للمواطنين السوريين الذين يعانون أصلًا من موجة غلاء طالت معظم السلع الغذائية والزراعية نتيجة الظروف الاقتصادية والمناخية الصعبة وتبعات الحرب المستمرة.
أسباب التراجع والإنتاج المتدني
يقول المزارع أبو محمود من ريف إدلب لقناة حلب اليوم إن الموسم الحالي من أسوأ المواسم التي مرت على المزارعين، موضحًا أن تراجع الإنتاج يعود إلى عاملين رئيسيين: الأول هو الظروف المناخية، حيث انخفض معدل هطول الأمطار إلى ما دون 40% من المعدل السنوي، مع تقلبات مناخية شديدة بين البرودة والحرارة وتراجع موجات الصقيع وضعف هطول الثلوج، ما أدى لانتشار واسع للآفات الزراعية، حيث يعتبر انخفاض الحرارة لما دون الصفر في الشتاء عاملا مهما في القضاء عليها.
أما العامل الثاني فهو الأضرار التي خلفتها العمليات العسكرية للنظام البائد، إذ تعرّضت مساحات واسعة من الكروم للتحطيب، وحُرمت مناطق كثيرة من السقاية والرعاية الزراعية نتيجة اعتداءات الميليشيات وقوات النظام على المناطق الزراعية خلال حملاتها.
وفي السياق ذاته، أكد المزارع أبو إحسان من ريف حماة الشمالي أن الجفاف الشديد وتقلبات المناخ قضت على معظم المحاصيل الشتوية كالقمح والشعير، لافتًا إلى أن المزارعين تكبدوا خسائر كبيرة بسبب موجات الحر والرياح القوية، وارتفاع تكاليف الأدوية والأسمدة وانخفاض جودتها، إضافة إلى ارتفاع أسعار المحروقات وغياب خدمات الكهرباء عن مناطق واسعة من الريف السوري.
تراجع حاد في أرقام الإنتاج الرسمية
ووفقًا لتصريحات مديرة مكتب الزيتون في وزارة الزراعة السورية، عبير جوهر، لوكالة سانا، بلغ إنتاج الزيتون للموسم الحالي نحو 412 ألف طن، بتراجع تجاوز 45% مقارنة بالموسم السابق، فيما قُدّر إنتاج زيت الزيتون بنحو 66 ألف طن فقط.
وأوضحت جوهر أن التراجع يعود بالدرجة الأولى إلى التغيرات المناخية وانخفاض الهطولات المطرية، مشيرة إلى أن 85% من زراعة الزيتون في سوريا بعلية وتعتمد كليًا على الأمطار. كما كان لموجات الحر الشديدة خلال فترات الإزهار والعقد أثر سلبي كبير على تشكل الثمار.
وأضافت أن الحرائق الواسعة التي اندلعت في المناطق الساحلية وريفَي حمص وحماة الغربي ساهمت أيضًا في تقليص الإنتاج، إلى جانب كون العام الحالي يُعد من سنوات المعاومة، أي المواسم منخفضة الغلة بطبيعتها.
خطة حكومية للتخفيف من الأزمة
أكدت جوهر أن وزارة الزراعة تعمل على تنفيذ استراتيجية وطنية لتطوير سلسلة القيمة للزيتون، تتضمن تطبيق الممارسات الزراعية الجيدة، وتقديم الدعم الفني للمزارعين، وتأمين غراس محسّنة، إلى جانب تحسين جودة إنتاج الزيت عبر ضبط معاصر الزيتون وفق المواصفة القياسية السورية رقم 4083، بهدف إنتاج زيت بكر عالي الجودة ومطابق للمعايير العالمية.
وبحسب بيانات وزارة الزراعة، تبلغ المساحة المزروعة بأشجار الزيتون في سوريا نحو 679 ألف هكتار، أي ما يعادل 12% من إجمالي المساحة الزراعية في البلاد، فيما يقدّر عدد الأشجار بحوالي 101 مليون شجرة، منها 90 مليون شجرة مثمرة، وتضم البلاد أكثر من 70 صنفًا من الزيتون المخصص لإنتاج الزيت وزيتون المائدة.






