في موقف لافت يعكس تحوّلاً كبيراً في مقاربة الزعيم السياسي اللبناني وليد جنبلاط للعلاقة مع دمشق بعد سقوط الأسد، دعا الرئيس السابق للحزب التقدمي الاشتراكي إلى إقامة علاقات “طبيعية من دولة إلى دولة” بين لبنان وسوريا، محذراً في الوقت ذاته مما سماه “رواسب النظام البائد” التي ما تزال حاضرة في البلدين وتشكل خطراً على الأمن المشترك.
جاءت تصريحات جنبلاط في مقابلة خاصة مع قناة الإخبارية مساء الجمعة، حيث تناول خلالها ملفات متعددة شملت العلاقات السورية–اللبنانية، والمعتقلين السوريين في لبنان، وأوضاع محافظة السويداء، إلى جانب الموقف من الانتهاكات الإسرائيلية المتكررة.
دعوة إلى تطبيع مشروط وحذر من الماضي
رؤية جنبلاط للعلاقات مع دمشق بدت مزيجاً بين الانفتاح المشروط والتحفّظ التاريخي الذي يطبع علاقته بالنظام، ففي الوقت الذي أكد فيه على ضرورة العلاقات الرسمية بين الدولتين، عاد ليحذر من بقاء “رواسب النظام البائد”، في إشارة إلى الإرث السياسي والأمني الذي حكم العلاقة بين البلدين لعقود.
ويرى مراقبون أن هذا الموقف يعكس محاولة جنبلاط التوازن بين براغماتية المرحلة الجديدة في سوريا، بعد سقوط النظام السابق، وبين إرثه السياسي الطويل في معارضة النظام قبل سقوطه.
ملفات عالقة: المعتقلون والهوية الوطنية
في سياق آخر، شدد جنبلاط على أن قضية المعتقلين السوريين في لبنان تتطلب تسوية قضائية وتفعيل دور القضاء اللبناني، معتبراً أن استمرار هذا الملف من دون حلّ يترك آثاراً إنسانية وسياسية حساسة.
أما في الشأن السوري الداخلي، فقد تناول جنبلاط ملف السويداء مؤكداً أنها “جزء لا يتجزأ من الوطن السوري ومن سوريا الموحدة”، مع رفضه لما وصفه بمحاولات “تشويه الهوية التاريخية” عبر تغيير اسم جبل العرب إلى “جبل باشان”.
وأضاف أن “تهجير أهل حوران والبدو من مناطقهم خطأ كبير يجب تصحيحه”، ما يعكس موقفاً متقدماً في الدفاع عن وحدة الجغرافيا والمجتمع السوري، وهو خطاب يتقاطع مع دعوات سابقة له لوقف التصعيد في الجنوب السوري واعتماد الحلول السياسية بدلاً من المواجهة العسكرية.
وفي معرض حديثه عن الوضع الإقليمي، عبّر جنبلاط عن قلقه من “الوحش الصهيوني” الذي يهدد المنطقة يومياً، مشيراً إلى ضرورة توحيد الجهود لمواجهة الانتهاكات الإسرائيلية المتواصلة، لا سيما في ظل التوترات المتزايدة على الجبهات الشمالية.
تأتي هذه التصريحات بعد أشهر من زيارة جنبلاط إلى دمشق في أيار الماضي، حيث استقبله الرئيس أحمد الشرع ووزير الخارجية أسعد الشيباني في قصر الشعب. وكانت الزيارة الأولى له منذ أكثر من 13 عاماً، وجاءت عقب سقوط النظام في كانون الأول من العام الماضي.
وخلال اللقاء، وجّه جنبلاط تحية إلى الشعب السوري “في انتصاراته الكبرى”، معتبراً أن تضحيات السوريين كانت ثمناً للتحرر من القهر والاستبداد.
وكان جنبلاط قد أكد في تصريح سابق أن “إسرائيل لا تحمي الدروز في السويداء، بل تستخدم بعضا من ضعاف العقول للقول إنها تحميهم”، مذكرا بأن “أحد أسباب الحرب الأهلية في لبنان (1975-1990) أن إسرائيل ادعت بأنها تحمي البعض في لبنان، وانتهى الأمر بكوارث الحرب”.






