تعتبر قضية تأمين المحروقات في سوريا واحدة من أبرز الأزمات التي تؤثر على حياة المواطنين اليومية، رغم كونها بلدا منتجا للنفط والغاز، والذين خرجا من حسابات الاقتصاد الوطني جراء سياسات سلطة الأسد المخلوع.
ومنذ سيطرة قوات قسد على منابع النفط شمال شرقي البلاد، عملت على توريد المازوت المكرر بشكل بدائي (يعرف بالمازوت المُحَسّن) إلى الشمال الغربي، بأسعار أقل من نظيره (الأوروبي) المستورد، مما ساعد في تخفيض التكاليف المترتبة على الحياة اليومية للسوريين في المنطقة.
ومع انطلاق معركة “ردع العدوان” وتغير خارطة السيطرة بين قوات قسد والإدارة العسكرية، في الشمال السوري، توقف توريد مادة المازوت المحسن نحو ريفي حلب وإدلب، مما دفع بالسكان لاستعمال الأوروبي بأسعار وتكلفة أعلى.
وأفاد مراسل حلب اليوم في إدلب، بوجود طوابير قصيرة تتشكل بين الحين والآخر في محطات الوقود منذ ذلك الحين جراء انخفاض نسبي في المعروض من المازوت، حيث يباع اللتر بنحو 37 ليرة تركية وهو رقم قريب من سعر البنزين الذي انخفض من ما يقرب من 50 ليرة إلى نحو 42 ليرة، فيما كان “المحسن” يباع بنحو 25 ليرة فقط.
ولكن الديزل المستورد ذو جودة أفضل، فهو خال من الشوائب، حيث يساهم في إطالة عمر الآليات وتخفيض الزمن والتكلفة اللازمة للصيانة، فيما يزيد المكرر بشكل بدائي من الأعطال.
ومع انقطاع المكرر واللجوء إلى المستورد، زادت الأعطال لدى السائقين بشكل ملحوظ، وذلك بخلاف المتوقع، مما خلق أزمة إضافية أمام السوريين بالمنطقة تضاف إلى زيادة التكاليف.
وأوضح الميكانيكي أبو حسان، أن السبب في ذلك يعود إلى الرواسب التي خلفها المازوت المكرر بشكل بدائي في خزانات وقود السيارات عقب استعمالها على مدى الأشهر والسنوات الفائتة.
وأضاف أن الديزل الأوروبي، يطرد تلك الرواسب من الخزانات بسبب خصائصه، وبالتالي تنتقل لتستقر في مضخة الوقود أو “البخاخات” أو غيرها، وتتسبب بالأعطال التي تكون بعضها مكلفة.
وظهرت أزمة الوقود في سوريا بشكل حاد خلال السنوات الأخيرة، وباتت تحدياً كبيراً أمام المجتمع السوري، وهي أبرز التحديات التي تواجه حكومة تصريف الأعمال الحالية.
وتعود الأزمة في سوريا إلى عدة عوامل مترابطة، أبرزها ما يتعلق الأوضاع السياسية والاقتصادية، حيث باتت البلد مدمرة بشكل شبه كامل، فيما لا يبدو أن مسألة إعادة الإعمار قريبة الطرح.
ووعدت دول عربية بمساعدة سوريا، في قطاعات من بينها المحروقات والطاقة الكهربائية، ورغم حديث تقارير إعلام عن استعداد الرياض لإرسال قوافل المحروقات إلا أن أي تعليق رسمي لم يصدر منها، كما لم تصل أية شحنات حتى اليوم.
وتفاوض حكومة تصريف الأعمال قسد على ملف النفط، كما تعتزم توقيع عقود مع شركات مختصة بالتنقيب والاستخراج بهدف إنتاج النفط والغاز، لكن ذلك يحتاج وقتا طويلا.
ومع استمرار سلطة الأسد المخلوع في الحرب على السوريين منذ عام 2011، فقد أدى ذلك إلى تدمير البنية التحتية للقطاع النفطي وخروج العديد من الحقول عن سيطرة الدولة، خاصة في المناطق الشرقية الغنية بالنفط.
كما تعيق العقوبات الاقتصادية الدولية التي تفرضها الدول الغربية والولايات المتحدة من قدرة الحكومة على استيراد النفط والمنتجات البترولية من الأسواق العالمية، ورغم تعليق تلك العقوبات لمدة 6 أشهر، إلا أن الغموض بشأن الفترة التي تلي تلك الأشهر يمثل تحديا إضافيا.
ومن أسباب الأزمة أيضا ضعف الإنتاج المحلي نتيجة لتضرر الحقول النفطية والبنية التحتية للطاقة، فضلا عن عمليات التهريب والفساد والهدر الذي أدى إلى ضياع كميات كبيرة من الوقود.
وتعاني الأسر السورية صعوبة في تأمين الوقود اللازم للتدفئة، مما يفاقم مشاكلهم المعيشية في فصل الشتاء البارد، كما يؤدي ذلك إلى تراجع وغلاء حركة النقل العام والخاص، الأمر الذي يزيد من أسعار السلع.
ويؤثر هذا الواقع سلبا على الصناعة والزراعة التي تعتمد الوقود لتشغيل الآلات والمعدات الخاصة بالري، جراء غياب الكهرباء، مما يتسببت في زيادة أسعار الخضروات والفواكه.
وساهم نقص المحروقات في زيادة التضخم على مدى السنوات الماضية، ما أدى إلى ارتفاع أسعار السلع والخدمات بشكل كبير، وزاد من أعباء المعيشة على المواطنين، وهو عبء كبير تواجهه حكومة تصريف الأعمال الحالية.