منحت سلطة الأسد المخلوع للروس عدة عقود تخولهم استخراج الثروات الباطنية في سوريا، ضمن شروط مجحفة، فضلا عن منحهم السيطرة على قواعد عسكرية إستراتيجية في البلاد، خلال سنوات حكمه الماضية، لتتحول إلى مشكلة من ضمن المشاكل التي يواجهها السوريون كإرث للنظام البائد.
ومن أبرز الثروات التي منحت السلطة السابقة حق استخراجها للروس؛ الفوسفات شرقي حمص في وسط البلاد، والسجّيل الزيتي جنوب حلب في الشمال السوري، فضلا عن استثمار الغاز في البحر المتوسط غربي البلاد، وغير ذلك.
ويُضاف إلى ما سبق ملف الديون المترتبة على خزينة الدولة إلى جانب الديون المستحقة لإيران، وفيما تتوافر تقديرات حول حجم الدين الإيراني فإن الدين الروسي مجهول التفاصيل حتى اليوم، ولم يكتف الأسد بذلك، بل هرب وبحوزته أموال ضخمة ليودعها في روسيا.
ويرى المحلل السياسي الروسي ديمتري بريجع، في إفادته لموقع حلب اليوم، أن العقود المبرمة سابقًا بين سلطة الأسد المخلوع وموسكو مثل استخراج الفوسفات في تدمر واستثمارات أخرى في قطاع الطاقة، قد تكون محل إعادة نظر في المستقبل من قبل الحكومة السورية الجديدة.
من جانبه رأى الدكتور محمود حمزة، المحلل السوري والخبير بالشأن الروسي، في إفادته لحلب اليوم، أن حكومة تصريف الأعمال الحالية لا تستطيع أن تتخلص من هذه العقود الآن، ولكن من الممكن حدوث ذلك عندما تكون هناك حكومة وطنية منتخبة تقوم على قاعدة دستورية قانونية، أي عندما تتوضح ملامح الدولة، وتوجد حكومة معينة من قبل البرلمان، أو يوجد رئيس دولة له صفة دستورية.
ويؤكد الروس حرصهم على بقاء نفوذهم في سوريا، وأعلن أكثر من مسؤول انفتاح موسكو على التواصل مع القيادة الجديدة للبلاد، من منطلق الحرص على المصالح، وهو ما أقرته حكومة تصريف الأعمال من حيث المبدأ.
ويرجح المحلل الروسي أن تسعى القيادة الجديدة إلى إعادة التفاوض على هذه العقود لضمان تحقيق مصالح الشعب السوري بشكل أفضل، خاصة إذا كانت تلك الاتفاقيات تُعتبر مجحفة أو غير متوازنة.
ومضى بالقول: “يجب على السوريين أن يكونوا واعين ومدركين لأهمية حماية ثروات بلادهم ومواردها الطبيعية، فإعادة النظر في الاتفاقيات السابقة والتأكد من أنها تصب في مصلحة الشعب السوري تُعد خطوة حاسمة نحو بناء مستقبل أفضل، ويجب أن تكون السيادة الوطنية والعدالة الاقتصادية في صميم أي اتفاقيات تُبرم في المستقبل، لضمان تحقيق تطلعات السوريين في الحرية والكرامة والازدهار”.
لكن الخبير الاقتصادي السوري أدهم قضيماتي، يؤكد لحلب اليوم، أن المسألة تحتاج لوقت وليست من السهولة بمكان، حيث يؤيد رأي الدكتور حمزة لناحية عدم إمكانية إلغاء تلك العقود في الوقت الحالي، وإنما مراجعة شروطها على أقل تقدير.
وأضاف أن تلك الاتفاقيات الموقعة مع روسيا حول استخراج الفوسفات إلى جانب استثمارها للغاز في البحر المتوسط، منحت من خلالها سلطة الأسد المخلوع لموسكو العديد من المزايا مقابل حمايته ومنعه من السقوط.
ويرى أن استخراج الفوسفات يعتمد على “إبرام اتفاقيات جديدة أو إعادة هيلكة الاتفاقيات القديمة لتعزيز حصة سوريا واستفادتها من ثرواتها، بدلا من الاتفاقيات المجحفة القديمة”.
بدوره قال حمزة إن الوضع الحالي في سوريا “ليس له صفة دستورية، وليس له شرعية دستورية.. له شرعية ثورية فقط، ولذلك فإن النظر في الاتفاقيات مع روسيا وغيرها لن يتم قبل أن تحصل البلد على نوع من الاستقرار الدستوري والقانوني والتشريعي”.
ما حجم الديون الروسية وكيف يمكن حل الملف؟
أشار بريجع إلى أن الحكومة الجديدة التي ستكون في سوريا، قد تواجه تحديات في التعامل مع هذه الديون المستحقة لروسيا على الخزينة السورية، مرجحا أن تسعى إلى التفاوض مع موسكو لإعادة هيكلة الديون أو الحصول على تسهيلات للسداد بما يتناسب مع الوضع الاقتصادي للبلاد وقدرتها على الوفاء بتلك الالتزامات دون التأثير سلبًا على عملية إعادة الإعمار والتنمية.
من جانبه قال الدكتور حمزة إنه من المؤكد أن سوريا مَدينة لروسيا ولكن “لا أحد يتحدث عن ذلك، وروسيا لم تكشف عن تلك الديون بخلاف إيران التي صرح مسؤولوها بأن ديونها تقترب من 50 مليار دولار، أما موسكو فلا تتحدث عن هذا الشيء”.
لكن بشار – يضيف حمزة – لجأ إلى موسكو وبرفقته الأطنان من الذهب ومليارات الدولارات، وقد يكون ذلك أحد أسباب استقباله مع الضباط الآخرين لأنه حملوا معهم أيضا ملايين الدولارات أو لهم حسابات في البنوك الروسية أصلا، وهو ما يمكن إدخاله في ملف المفاوضات.
ولفت إلى أن التفاوض يجري حاليا بين السفارة الروسية والمسؤولين في حكومة تصريف الأعمال بسوريا، متمنيا أن يصلوا إلى اتفاق يحقق مصالح الشعب السوري وأيضا مصالح الشعب الروسي، “فنحن لا نريد العداء مع روسيا، بالرغم من موقفها العدائي من الشعب السوري وخدمتها لنظام الأسد المجرم وقصف القرى والمدن، فالروس لهم صفحة سوداء في السنين العشرة الماضية، لكن الوضع يجب النظر إليه من منظار آخر”.
ولكن هذا كله “يبقى في إطار التصريحات ولا نعرف كيف تجري الأمور على أرض الواقع، كما أن بشار الأسد لا يزال موجودا في روسيا، بعد أن سرق أموال البنك المركزي من ذهب ومليارات الدولارات، وهناك أيضا كبار ضباط النظام المجرمين في روسيا، فبالتالي السؤال الكبير هو ‘هل الحكومة الجديدة تطالب روسيا بإعادة هؤلاء المجرمين؟’ أنا أعتقد أن ذلك ربما يكون نقطة من نقاط التفاوض الصعبة بالنسبة لروسيا، والدليل على ذلك أنه لم تعلن نتائج للمفاوضات حتى الآن”.
بدوره يرى قضيماتي أن حجم الديون غير معروف بسبب كون الكثير منها مُسقطا عن طريق الهبات، مثل استثمار الغاز في البحر المتوسط، والقمح الذي تنتجه سوريا والاستثمارات في مجال الأراضي والبناء والانشاءات، وأيضا استثمار كامل الفوسفات الموجود في سوريا.
وأوضح أن هناك الكثير من الديون التي أسقطت في السنوات الماضية مقابل الثروات الباطنية السورية، لذلك لا يمكن معرفة حجمها بشكل دقيق، لكن المؤكد أنها ستكون عبئا على الشعب السوري.
ويعتقد حمزة أن الحكومة السورية التي سيتم تشكيلها من الممكن أن تقبل ببقاء القواعد العسكرية مقابل تنازلات من الجانب الروسي، الروس، إذ “يجب أن يقدموا ثمنا لذلك.. سابقا قبِل الأسد بالقواعد العسكرية لأنهما حمته ودافعت عنه وقصفت المعارضة بالتالي كان بقاء الأسد متعلقا بالدعم الروسي العسكري، الآن إذا قالت لهم الحكومة اتركوا القواعد العسكرية في سوريا فما هو الثمن؟ الآن لا توجد عطاءات وهدايا يجب أن تقدم روسيا شيئا للحكومة الجديدة”.
ويتوقع الخبير السوري في الشأن الروسي، أن بقاء القواعد العسكرية ممكن، لكن “روسيا يجب أن تبادر وتظهر حسن النية، كأن تساهم مثلا في إعادة الإعمار أو تقدم مساعدات أو دعما لهذه الحكومة الجديدة للشعب السوري، أما مجرد تقديم الكلام والقول ‘نحن معكن ونحن ندعم الحكومة الجديدة’ فهذا لا يعني شيئا، يجب تقديم ثمن ملموس”.