لا تزال آثار وتبعات حقبة نظام الأسد ماثلة في حياة السوريين، حيث يبدو أنها ستستمر لعقود، نظرا لحجمها الكبير وبشاعتها، والعدد الكبير من المفقودين.
ومع كثرة الشواهد والأدلة على جرائم الحقبة الماضية، تبرز الحاجة إلى الحفاظ عليها، بسبب تعمد النظام البائد إتلاف أي توثيق لأسماء وبيانات المعتقلين، وخصوصا ممن قضوا تحت التعذيب.
ولا تزال آلاف الأمهات السوريات يعشن لوعة فقدان أبنائهن، مع عدم معرفة مصيرهم، أو أماكن دفن جثثهم، فيما يتم اكتشاف المقابر الجماعية تباعا.
وفي هذا الإطار أصدرت الشَّبكة السورية لحقوق الإنسان بياناً، اليوم الأربعاء، قالت فيه إنَّها رصدت انتشار عدد كبير من الفيديوهات تظهر نشطاء وإعلاميين وصحفيين، يتجولون بحريَّة داخل مسارح الجرائم مثل الأفرع الأمنية والسجون، منتقدة ذلك.
وقالت يمن حلاق الباحثة في الشبكة السورية، لموقع حلب اليوم، إنه من المهم جدا الحفاظ على الوثائق والأدلة المتبقية في السجون ومراكز الاحتجاز والتعذيب، معتبرة أن على الحكومة السورية تأمين الحماية لها.
وأشارت إلى أهمية تلك الوثائق لأنها “ستساعد كثيرا على كشف مصير المختفين، فهناك الكثير من الناس قتلوا تحت التعذيب وأسماؤهم موجودة بالوثائق الخاصة بالسجون، مع تواريخ وفاتهم”.
وأوضحت أن الاطلاع على السجلات المدنية، “سيمكننا من تحديد مصير المختفين، فهناك الكثير من الناس تمت توفيتهم في السجلات المدنية ولا يعلم ذووهم حتى اليوم أنهم متوفون، لذا فإن تتبع الوثائق سواء الموجودة بالسجون أو الموجودة بالسجلات المدنية، يمكن أن يساعد على معرفة الكثير”.
ويقول بيان الشبكة إن هؤلاء الأفراد، ممن يدخلون لتلك الأماكن، “غالباً ما يعبثون بالملفات أو يوثقون وجودهم عبر تصوير أنفسهم أو زملائهم أثناء ذلك وعلى الرغم من وجود حراس في تلك المواقع، فإنَّ الدخول يتم غالباً إما بموافقة الحراس، أو بناءً على توصية مسبقة، أو تحت غطاء المهنية والاختصاص”.
وأكد على “أهمية تنظيم الدخول إلى مسارح الجرائم” مشيرا إلى أنَّه يجب أن يخضع لقوانين وبروتوكولات دولية تهدف إلى حماية الأدلة وضمان سلامة التحقيقات، وأن السماح بالدخول يجب أن يقتصر على الأشخاص المفوضين قانونياً، والذين يؤدون دوراً مشروعاً في التحقيقات.
وبحسب الشبكة فإن سلطة الشرطة تمتلك حقَّ إعلان الموقع مسرحاً للجريمة ومنع دخول غير المصرح لهم إليه، منوهة بأن مذكرة التفتيش ضرورية في حال كان الموقع ملكية خاصة، باستثناء حالات الطوارئ مثل حماية الأدلة أو إنقاذ الأرواح.
وتتطلب المعايير الدولية التعامل بحذر مع المواقع الحساسة مثل المقابر الجماعية، مع فرض ضوابط صارمة على الدخول، إلا في استثناءات محدودة مثل السماح لفرق الطوارئ الطبية بالدخول لتقديم الرعاية اللازمة، شريطة توثيق جميع الإجراءات لتجنب التأثير على مسرح الجريمة.
وترى الشبكة أنه يجب تدريب الشرطة والحراس والمحققين على المعايير الدولية لجمع الأدلة وحفظها بطريقة صحيحة، وتوفير الموارد اللازمة، بما يشمل أدوات الطب الشرعي والبنية التحتية الرقمية، لدعم جهود حفظ الأدلة.
وحول وجود حاجة إلى تعاون دولي، قالت حلاق إن الشبكة السورية تدعو الحكومة للتعاون مع المنظمات الدولية أو المحلية حتى تبدأ عملها في سوريا، حيث أن “ملف المختفين قسريا بالتحديد يحتاج لنوع من التعاون”.
وجعل نظام الأسد من الإخفاء القسري أداة وحشية للقمع والتعذيب، مما ألحق أضراراً جسيمة لا تقتصر على الضحايا فقط، بل تمتد إلى عائلاتهم ومجتمعاتهم بأكملها، وفقا للبيان الذي أشار إلى الدور الأساسي الذي يمكن أن تضطلع به اللجنة الدولية لشؤون المفقودين في معالجة ملف المفقودين في سوريا.
وأوصى تقرير للشبكة، الحكومة السورية الجديدة، بدعوة اللجنة الدولية لشؤون المفقودين (ICMP)، بشكل رسمي للعمل في سوريا، وتحديد نطاق التعاون لضمان الكشف عن مصير المفقودين وإدارة ملف المقابر الجماعية، بالإضافة لحماية مواقع الجرائم، واتخاذ إجراءات عاجلة لمنع العبث بالأدلة الموجودة في السجون والمقابر الجماعية، وحفظ جميع الوثائق المرتبطة بحالات الإخفاء القسري.