بعد معاناة السوريين لعقود من معتقلات الأسد ونظامه البائد، لا يزالون اليوم أمام تحدٍّ كبير يتمثل في معرفة مصير مئات آلاف المفقودين في السجون والمقابر الجماعية.
وفور تداعي النظام وقبل إعلان سقوطه رسميا، توجه الآلاف نحو السجون من أجل تحرير المعتقلين، في مختلف أنحاء البلاد حيث عاش الكثير منهم فرحة اللقاء بذويهم المحتجزين، فيما صُدم كثيرون أيضا بعدم العثور على أقاربهم وأبنائهم.
ولا يزال الملف عالقا حتى اليوم، وفي حاجة لجهود محلية ودولية، بسبب حجم الكارثة الكبير الذي خلّفه النظام المخلوع، بينما يطالب ذوو المختفين بمعرفة مصير أبنائهم وأقاربهم.
ودعت الشَّبكة السورية لحقوق الإنسان، في بيان صادر عنها، الحكومة السورية الجديدة إلى إصدار دعوة رسمية للجنة الدولية لشؤون المفقودين (ICMP) للعمل بشكل عاجل في سوريا، مع التشديد على ضرورة منح قضية المفقودين الأولوية القصوى في المرحلة المقبلة.
وحول الحاجة إلى توجيه تلك الدعوة، قالت يمن حلاق الباحثة في الشبكة السورية، لموقع حلب اليوم، إن “الدعوة الموجهة للحكومة هي دعوة للتعاون بشكل أساسي، لأن أي منظمة دولية أو محلية تحتاج بالتأكيد للتنسيق مع الحكومة قبل أن تبدأ عملها في سوريا”.
وأوضحت أن “ملف المختفين قسريا بالتحديد يحتاج لنوع من التعاون، لأنه لا توجد جهة ما بحد ذاتها قادرة على عمل كل شي بنفسها، فمثلا عملية الدخول للمقابر الجماعية واستخراج الرفات وإعادتها للأهالي وإجراء عمليات التحليل.. كل ذلك يحتاج تعاونا مع الحكومة بشأنها”.
وأشار بيان الشبكة إلى أهمية الاستفادة من خبرات اللجنة الدولية لشؤون المفقودين، التي تتمتع بسجل حافل في معالجة قضايا المفقودين والتعامل مع المقابر الجماعية في سياقات نزاع معقدة، بما في ذلك سوريا.
كما شدد البيان على ضرورة تعزيز التعاون المستمر مع المنظمات الدولية المعنية بملف المفقودين، مثل: اللجنة الدولية للصليب الأحمر، لجنة التحقيق الدولية التابعة للأمم المتحدة بشأن سوريا منذ عام 2011، والمؤسسة المستقلة للأمم المتحدة المعنية بالمفقودين في سوريا.
وجعل نظام الأسد من الإخفاء القسري أداة وحشية للقمع والتعذيب، مما ألحق أضراراً جسيمة لا تقتصر على الضحايا فقط، بل تمتد إلى عائلاتهم ومجتمعاتهم بأكملها، وفقا للبيان الذي أشار إلى الدور الأساسي الذي يمكن أن تضطلع به اللجنة الدولية لشؤون المفقودين في معالجة ملف المفقودين في سوريا.
وأوصى تقرير للشبكة، الحكومة السورية الجديدة، بدعوة اللجنة الدولية لشؤون المفقودين (ICMP)، بشكل رسمي للعمل في سوريا، وتحديد نطاق التعاون لضمان الكشف عن مصير المفقودين وإدارة ملف المقابر الجماعية، بالإضافة لحماية مواقع الجرائم، واتخاذ إجراءات عاجلة لمنع العبث بالأدلة الموجودة في السجون والمقابر الجماعية، وحفظ جميع الوثائق المرتبطة بحالات الإخفاء القسري.
وأشارت حلاق، في حديثها لحلب اليوم، إلى أهمية تلك الوثائق، مؤكدة أنها “ستساعد كثيرا على كشف مصير المختفين، فهناك الكثير من الناس قتلوا تحت التعذيب وأسماؤهم موجودة بالوثائق الخاصة بالسجون، مع تواريخ وفاتهم”.
وأوضحت أن الاطلاع على وثائق السجلات المدنية، “سيمكننا من تحديد مصير المختفين، فهناك الكثير من الناس تمت توفيتهم في السجلات المدنية ولا يعلم ذووهم حتى اليوم أنهم متوفون، لذا فإن تتبع الوثائق سواء الموجودة بالسجون أو الموجودة بالسجلات المدنية، يمكن أن يساعد على معرفة الكثير”.
ماذا عن حرق الجثث وتذويبها بالأسيد؟
تتحدث العديد من التقارير عن طرق كثيرة تفننت بها سلطات السجون التابعة للنظام المخلوع، من أجل التخلص من جثث المتوفين تحت التعذيب، مثل ضغطها في المكبس ثم حرقها، أو تذويبها بالأسيد أو مواد أخرى.
وحول ذلك تقول حلاق إن الشبكة السورية لحقوق الإنسان، لم تستطع الوصول إلى معلومات موثقة ومؤكدة حول ذلك، حتى اليوم.
وأضافت أن “الموضوع هنا يحتاج إلى وقفة، حيث توجد شكوك لدينا حول موضوع تذويب الجثث بتلك الطريقة، كما توجد لدينا شكوك حول قضية استخدام المكبس، ولم نستطع حتى الآن الوصول إلى نفي أو تأكيد حول تلك الروايات التي توجد حولها أخبار متضاربة”.
ولكن – تضيف الباحثة السورية – “إذا كانت تلك الأخبار حقيقية فإن الوصول للجثث والتعرف على أصحابها سيكون بالتأكيد صعبا، وليست هناك طريقة لتحديد هوية الضحايا في هذه الحالة”.
لذا فإنها تشير إلى أهمية الوثائق والأدلة المتبقية في السجون ومراكز الاحتجاز والتعذيب، وضرورة المحافظة عليها وتأمين الحماية لها.
كما طالبت الشبكة الحكومة بالتنسيق مع منظمات محلية ودولية لتقديم الدعم النفسي والاجتماعي المستدام لعائلات المفقودين، وتطوير برامج شاملة لدعمهم.
ودعت أيضا لتقديم الدعم الفني والتقني لضمان استخدام تقنيات حديثة لتوثيق المفقودين وتحديد هويات الضحايا، وتدريب المنظمات المحلية على جمع الأدلة وتوثيق حالات الإخفاء القسري وفقاً للمعايير الدولية.
وترى الشبكة أنه من المهم “إشراك أسر الضحايا ومنظمات المجتمع المدني في عمليات التوثيق والبحث عن المفقودين، وتعزيز قدرتهم على التعامل مع الضغوط النفسية”، و”تعزيز المناصرة الدولية عبر العمل مع المنظمات الدولية والدول المانحة لتوفير الدعم اللازم لحل قضية المفقودين”.