استطاع المزارعون في المناطق المحررة شمال غربي البلاد العودة إلى أراضيهم وزراعتها، حيث إن مواسم البذار لا تزال في بدايتها، وهو ما أمكنهم من الاستفادة من الموسم الحالي وأعطى لبعضهم أملا في تعويض جزء يسير مما لحق بهم من خسائر خلال سنوات النزوح التي مضت.
لكن الواقع لا يزال صعبا أمامهم ومليئا بالتحديات المختلفة، جراء ما لحق بهم من خسائر على المستوى الفردي، وما لحق بالمنطقة من دمار على مستوى البنية التحتية، فضلا عن مشاكل أخرى تتعلق بالأسعار ووفرة المواد، وتوفر الكهرباء.
وقد بادر الكثير من الفلاحين إلى زراعة أراضيهم رغم تعسر عودتهم إلى منازلهم في القرى والمدن المدمرة، حيث لا يزال معظم هؤلاء نازحين في المناطق التي لجأوا إليها إبان الحملة العسكرية الأخيرة التي وقعت منذ أكثر من أربع سنوات في المنطقة، لكنهم يترددون باستمرار على مزارعهم.
وخسر هؤلاء جراء حركة النزوح الواسعة التي حدثت في ذلك الوقت، الكثير من مقدراتهم حيث تم نهب وتدمير العدد التي كانوا يستعملونها في الزراعة، فيما استطاع بعضهم ترحيل ما أمكن من تلك الأدوات في رحلة النزوح المريرة التي شهدها شتاء عام 2019 – 2020.
ولا تزال الأوضاع صعبة مع الانقطاع التام للكهرباء، وعدم إمكانية استخدام الري لسقاية المزروعات، فضلا عن الدمار الذي لحق بما في حوزتهم من عدد، حيث تحتاج تلك الأراضي إلى آليات وتجهيزات.
وكانت قوات الأسد والميليشيات قد دمرت الآبار الارتوازية المحفورة في تلك المناطق، وقامت بتفكيك أجهزة الضخ المتبقية، حيث إن كثيرا من الفلاحين لم يستطع إخراج تلك المضخات جراء التقدم الكبير والسريع الذي حصل لقوات النظام والميليشيات الإيرانية في ذلك الوقت، ليعودوا اليوم ويجد مضخاتهم منهوبة، فضلا عن التدمير المتعمد، الذي لحق بأشجارهم المثمرة.
يقول أبو محمود من ريف إدلب الشرقي، لحلب اليوم، إن تقدم الميليشيات الإيرانية وقوات الأسد الذي حصل في ذلك الوقت، وضعه في حيرة من أمره، حيث كان عليه تأمين عائلته وإيجاد مكان للنزوح في شمال البلاد، وإخراج ما يمكن إخراجه من منزله كما أن لديه مستودعا مليئا بالأغراض والمحاصيل التي كان يحتفظ بها في وقت سابق رجاء تحسن الأسعار، فضلا عن العدد التي توجد في مزرعته المهيئة للسقاية ورش المزروعات بالمبيدات الحشرية والتسميد وما إلى ذلك.
وكان إخراج عائلته يمثل أولوية بالنسبة له، فبعد أن تم تأمينهم وتأمين أغراض البيت الأساسية، ونقل كل ما يمكن نقله من المنزل، عاد إلى مزرعته ليجد نفسه أمام مشكلة أخرى، حيث إن عليه ترحيل جراره الزراعي وما يلحق به من عدد وهو ما يحتاج إلى وقت كبير، بسبب صعوبات معينة، فضلا عن الحاجة إلى عمال لتفكيك وتجميع باقي العدد، بينما كان الكل مشغولاً بنفسه ولم يجد من يساعده في ذلك ليضطر لإبقاء الكثير من العدد دون ترحيل.
وكانت المضخة العمودية داخل البئر الارتوازي أهم وأغلى ما لديه سعرا من بين تلك الأدوات، كما أن إخراجها وترحيلها كان المهمة الأصعب أمامه، لأنها تحتاج إلى رافعة وعمال متخصصين وإلى عدد خاصة لفكها ونقلها، وهو أمر مكلف فضلا عن مولدة الكهرباء الموجودة بجانبها، ومع حركة النزوح الواسعة والفوضى التي سادت المنطقة، لم يجد الرجل من يساعده في إخراج تلك العدد في المنطقة، لتبقى هناك وتنهبها قوات الأسد.
اليوم وبعد العودة، فإنه في حال أراد شراء مضخة ومولدة جديدة، فإن ذلك سيكلفه ما لا يقل عن 15 ألف دولار أمريكي على أقل تقدير، فضلا عن باقي العدد المخصصة للري ورش المبيدات الحشرية وما إلى ذلك، فيما يحتاج منزله لما لا يقل عن 7آلافف دولار أمريكي للاستصلاح البسيط بما أمكن حتى يصبح قابلا للسكن.
أمام هذا الوضع وجد الرجل نفسه مضطرا لزراعة ارضه كلها بمحصول الشعير فقط، حيث إنه يملك نحو سبعة هكتارات كان من الممكن أن يستغلها بشكل آخر ليحصل منها على مكاسب أكبر عبر زراعة محاصيل أخرى أكثر ربحا، مثل محاصيل الكمون واليانسون وحبة البركة والبطاطا وغيرها.
وأوضح الرجل أن الشعير هو الخيار الأفضل لكثير من المزارعين عندما لا تكون لديهم إمكانات، حيث إنه رخيص التكاليف ويمكن الاستغناء عن سقايته في حال نزول أمطار جيدة، لكن مردوده أقل بكثير من المحاصيل الأخرى، التي ذكرها سابقا وتلك المحاصيل تحتاج إلى سقاية وتحتاج إلى تعهد ورش بالمبيدات وتكاليف ليس ميسرة حاليا.
وهناك الكثير من المزارعين ممن حذا حذو أبو محمود لنفس الأسباب، إلا أن قليلا منهم بادر إلى زراعة محاصيل أخرى، أكثر ربحية، حيث يتوقع أمطارا جيدة لهذا الموسم الحالي، وهناك قلة قليلة بل نادرة ممن سيتمكن من سقاية أرضه بالماء.
لكن المعضلة الأكبر تواجه أصحاب الأراضي المزروعة بالأشجار المثمرة، وفي مقدمتها الزيتون، حيث إن الغالبية الساحقة من تلك الأشجار تعرضت للتكسير والتخريب والأذى والقطع والحرق المتعمد، وبالتالي فإنهم لا يتوقعون الحصول على موسم للعام المقبل.
يقول عبد الرحيم وهو رجل ستيني من ريف المعرة الشرقي، إن لديه ما يقرب من أربعة هكتارات مزروعة بشجر الزيتون المثمر، وإنه لا يتوقع أن يحصل على موسم خلال العام القادم، حيث يبدأ قطاف الزيتون في تشرين الثاني، أي أنه سيحتاج إلى عام آخر حتى يحين وقته، ويتوقع الرجل أن يجني ربع المحصول المفترض من كرم الزيتون الخاص به، وذلك في أفضل الأحوال، حيث سيحتاج إلى سنوات عديدة حتى يعود كما كان.
وأوضح أن أمامه خيارات صعبة، حيث لا يزال في حيرة من أمره بشأن ما يجب عليه فعله، فالبعض ينصحه بقطع الأشجار حتى تنمو مجددا، وهذا ما سيحتاج إلى سنوات ويعني حرمانه من الموسم، وفي حال أبقى تلك الأشجار فستبقى ضعيفة ومتأثرة بما تعرضت له من تكسير وتخريب، وهذا يعني أنه سيحصل على موسم لكنه ضعف بكثير من المفترض، كما أن عليه اقتلاع نسبة كبيرة من الأشجار التي لا يُرجى تحسنها، وزراعة أشجار أخرى مكانها.
وفي المجمل فن المنطقة تحتاج إلى سنوات عديدة للتعافي، وهي في حاجة ماسة الآن إلى دعم على صعيد البنية التحتية من توصيل الكهرباء وتوفير السماد والقروض للمزارعين وتوفير البذار، والأدوية والمبيدات.
ويرجو الفلاحون من الحكومة الجديدة اتخاذ قرارات تصب في صالحهم، حيث عانوا خلال فترة حكم النظام البائد من قرارات تعسفية ألحقت بهم الكثير من الخسائر، خصوصا فيما يتعلق بفرض تسعيرة جائرة، والقرارات المتعلقة بفتح الاستيراد ووقف التصدير، وفق أسس غير مدروسة، فضلا عن ضرورة توفير الحكومة للمواد والعدد المطلوبة للمزارعين.