بدت الإمارات العربية المتحدة غير مرحبة بالتغيير الذي جرى في سوريا، عقب انتصار الثورة على نظام الأسد، حيث أعربت عن عدم ارتياحها من القيادة الجديدة، قبل أن تنضم إلى ركب الوفود العربية نحو دمشق الجديدة، وتتحدث بلهجة أكثر ودية من قبل.
وعقب زيارة وفد دبلوماسي يترأسه وزير الخارجية القطري، وزيارة وزير خارجية الأردن لدمشق، أجرى وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد اتصالاً هاتفياً بنظيره السوري أسعد حسن الشيباني، أمس الإثنين، حيث أكد “موقف بلاده الداعم للمساعي المبذولة للوصول إلى مرحلة انتقالية شاملة”، مشددا على “أهمية الحفاظ على وحدة وسلامة وسيادة سوريا”.
كما بحث رئيس دولة الإمارات الشيخ “محمد بن زايد” مع رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، هاتفيًا، “الجهود العربية لدعم الاستقرار في سوريا”.
يأتي ذلك بعد إثارة الإعلام الإماراتي للشكوك بشأن الإدارة الجديدة، واتهامها بالتطرف، والارتباط بالقاعدة والإخوان وما إلى ذلك، كما أعرب أنور قرقاش المستشار الدبلوماسي للرئيس الإماراتي عن “القلق” بشأن الانتماءات الإسلامية للفصائل السورية، في تصريح له الأسبوع الماضي.
وقال خلال كلمة في “مؤتمر السياسات العالمية” في أبوظبي: “نسمع تصريحات معقولة وعقلانية حول الوحدة، وعدم فرض نظام على جميع السوريين، لكن من ناحية أخرى، أعتقد أن طبيعة القوى الجديدة، ارتباطها بالإخوان، وارتباطها بالقاعدة، كلها مؤشرات مقلقة للغاية”.
لكنه عاد أمس ليتحدث بلهجة أخرى، حيث قال إن بلاده تتخذ موقفا وصفه بالمتوازن حيال سوريا، كما وصف ما جرى في 2011 بالثورة السورية، وذلك بالتزامن مع اتصال وزير الخارجية بنظيره السوري.
يقول حسام نجار الكاتب الصحفي السوري والمحلل السياسي الدولي، لحلب اليوم، إن التصريحات الإماراتية بعد انتصار الثورة وهروب الأسد، كانت “دليلا فاضحا لمواقفهم ضد الثورة”، لكن الدول اليوم أمام واقع جديد في سوريا.
موقف سعودي مختلف
على الرغم من أن السعودية كانت في محور سياسي واحد مع الإمارات، مؤخرا، بشأن الملف السوري وما يرتبط به من تشعبات، إلا أن الرياض بدت أكثر ترحيبا بانتصار السوريين على الأسد.
وقال نجار إن “العودة لمسيرة الدول مع مشوار الثورة تبين أن السعودية التزمت خط الثورة وحرية الشعب السوري وعملت في مجالات عديدة على تبني موقفه وساهمت بالعديد من المجالات في مساعدة الشعب السوري، لكن الإمارات كانت ماضية في عكس هذا الاتجاه فقد احتوت كل عناصر النظام ومولته وكانت أول من أعاد فتح سفارته لديها”.
وكان الموقف السعودي قد بدأ يتغير خلال السنوات الأخيرة فقط، بعد جهود دبلوماسية واسعة عملت عليها روسيا والإمارات وسط تغاض غربي.
من جانبه يقول مظهر سعدو، الكاتب الصحفي والمحلل السياسي السوري، في إفادته لموقع حلب اليوم، إن “السعودية أرسلت موفدها، والإمارات من المؤكد أنها سوف تقبل بالواقع الجديد، فالأمريكيون قبلوا بالواقع الجديد في سوريا، لذا فلا يمكن أن ترفض الإمارات أو السعودية ذلك”.
كما توقع أن “يتم استيعاب سوريا بكل تأكيد ضمن الجامعة العربية وبناء علاقات جيدة مع السعودية، حيث نرى أن الإعلام السعودي متعاطف جدا مع الثورة السورية ويغطيها بطريقة جيدة إلى حد بعيد”.
ويرى نجار أن “انتصار الثورة السورية أرغم العديد من الدول على المضي في اتجاهين لا ثالث لهما إما التعامل مع الإدارة الجديدة بشكل متبادل والحرص من كل طرف على العلاقة مع الآخر أو الاختباء وراء المواقف المعلنة”.
التنافس مع قطر وتركيا
يرى مراقبون أن الدافع الحقيقي لقلق الإمارات هو نظرتها إلى أن ما حدث سيصب في صالح المحور التركي القطري، حيث خسرت الملف السوري لصالح الدولتين.
وتقول الخبيرة في الشؤون الجيوسياسية بصحيفة معاريف العبرية، عنات هوشبيرغ مروم، إن سوريا تمثل “منجم ذهب” للإمارات رغم الأضرار الهائلة التي خلفها النظام السابق، لكن سقوطه “يمثل فرصة استراتيجية لإعادة صياغة النفوذ الإقليمي، ويثير أيضاً قلق الإمارات من الفوضى والتطرف في سوريا، خاصة مع صعود الإسلام السياسي المدعوم من تركيا وقطر”، على حد تعبيرها.
من جانبها قالت مديرة برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في “تشاتام هاوس”، لوكالة مونتي كارلو الدولية، إن تصريحات قرقاش “تعكس تشكيك القيادة الإماراتية تجاه الجماعات الإسلامية بشكل عام”، حيث أن “قادة الإمارات يرون أن كل الجماعات التابعة للإسلام السياسي، سواء كانت جماعة الإخوان المسلمين أو هيئة تحرير الشام، تشكل خطرا على نموذجهم من الحكم”.
لكن الخوف على النفوذ يبدو أنه الدافع الحقيقي وراء السياسة الإماراتية، وفقا للعديد من المراقبين، فقد جاء اتصال وزير الخارجية الإماراتي عقب التحرك القطري.
وأعلن أحمد الشرع، أن المرحلة القادمة في سوريا ستكون مرحلة تنموية وسيكون لدولة قطر مشاركة فعالة فيها، وأنها أبدت استعدادها للقيام باستثمارات واسعة في المجالات جميعها بسوريا، كما وجهت دمشق دعوة إلى أمير دولة قطر تميم بن حمد آل ثاني لزيارة سوريا.
وبدأت الإمارات تتحدث بلهجة مختلفة تجاه سوريا، لكن تركيزها منصب على الجانب الأمني، والاستقرار، وإزالة المخاوف.
ويرى نجار في إفادته لحلب اليوم، أن “كل ما يهم الدول العربية اليوم في سوريا أن لا تكون المنطلق للتطرف أولاً وأن لا تحتوي على عناصر تهدد أمنها أو تعمل على التحريض أو إثارة الفتن لديها و ألا تكون مركزاً للإيرانيين وأتباعهم”.
وأضاف أن “على حكومة تسيير الأعمال الحالية أو أي حكومة قادمة طمأنة العرب على كافة الصعد وبناء علاقات ندية لا خصومة فيها ولا تعدي ولا استعلاء، وأن يتفهم الجميع أن أمان سوريا وأمنها من أمن العرب وأن نجاحها وتطورها يفيد العرب ولا يضرهم وأن عليهم من باب الأخوة العربية المساعدة في إعادة البناء والإعمار وعدم ترك الباب مفتوحاً للغرب أو غيره في هذا الأمر”.
وأكد أن “بناء العلاقات المتوازنة يعزز القدرة على الاستمرار والنجاح وهذا لا يتم إلا من خلال الحضن العربي الجامع”.
وبحسب ما قاله أندرياس كريغ المحاضر في كلية الدراسات الأمنية في كينغز كوليدج بلندن لوكالة فرانس برس، فإن الإمارات حدّثت لائحة التنظيمات الإرهابية لديها، لكن اسم هيئة تحرير الشام لا يظهر فيها.
من جانبها تحدثت الأردن عن خطوات مهمة مع سوريا في الجانب الاقتصادي، وقالت وزارة الداخلية الأردنية، إنه سيُسمح بالدخول لرجال الأعمال الأردنيين الحاصلين على بطاقات عضوية في غرف الصناعة والتجارة السورية، وللمستثمرين الأردنيين الحاصلين على سجلات تجارية والأردنيين من موظفي البنوك التجارية العاملة في سوريا.
وأضافت الداخلية الأردنية انه سيسمح للمستثمرين السوريين وعائلاتهم بالدخول والمغادرة عبر معبر جابر ممن يحملون سجلات تجارية أردنية، برأس مال معين، بالإضافة إلى السوريين المجنسين بالجنسية الأردنية سواء بالجواز الأردني أو السوري.