يتطلع المهجرون من مناطق ريف إدلب وحماة وحلب للعودة القريبة إلى مدنهم وقراهم، بعد طرد الميليشيات الإيرانية وقوات الأسد منها، حيث اضطروا إلى مغادرة ديارهم خلال السنوات الماضية، بعد الهجوم الدامي بدعم روسي عام 2019 على المنطقة.
وتأتي هذه العودة المرتقبة وسط كم كبير من التحديات الأمنية والمعيشية التي ما زالت تخيم على المنطقة، حيث يسعى المهجرون إلى إعادة بناء حياتهم واستعادة استقرارهم في ظل ظروف صعبة جدا.
لكن المعضلة التي تنغص على معظم المهجرين فرحتهم هي كمية الدمار الواسع التي لحقت منازلهم، حيث تحتاج لمبالغ كبيرة من أجل ترميمها، فيما تحتاج بعضها للهدم بشكل كلي.
يأتي ذلك بعد نزوح مرير استمر لخمسة أعوام، تكبد خلالها الأهالي خسائر كبيرة، حيث نهبت الميليشيات ما بقي من أملاكهم، وحُرموا من أراضيهم ومحالهم التجارية، وفقدوا مصادر دخلهم، لينفق معظمهم ما بحوزتهم من نقود أو مدخرات خلال سنوات النزوح.
يقول “محمد .ح” من سكان منطقة سراقب شرقي إدلب، لحلب اليوم، إن منظر الدمار الذي لحق بالمدينة والقرى التي حولها هاله إلى حد بعيد، عند دخوله للمنطقة متجها نحو بيته، لكن الصدمة الكبرى كانت عندما وجد منزله غير قابل للاستصلاح.
وأضاف أنه اضطر لصرف ما بحوزته بعد النزوح نهاية عام 2019، حيث بقي بلا عمل ولا دخل على مدار عامل كامل، فيما كان عليه تأمين منزل للإيجار مع تحمل أعباء أسرته ووالديه، وسط ارتفاع مضطرد للأسعار.
اضطر الشاب الذي كان يعمل مزارعا لبيع جزء من أرضه بثمن منخفض، في أول سنة من النزوح، حيث هبط سوق العقارات في المناطق التي سيطرت عليها قوات الأسد والميليشيات بشكل كبير، ونزلت الأسعار بنسبة تتراوح بين 50 و 70 بالمائة.
ولم يجد محمد بُدّا من اللجوء لذلك، حيث كان بعض أبناء المنطقة من الميسورين في أوروبا ودول الخليج يشترون العقارات ولكن بأسعار قليلة، لغموض مستقبل المنطقة.
ويرى اليوم نفسه في وضع صعب أمام ركام منزله، حيث لم يعد بحوزته ما يُمكّنه من إعادة بناءه، متسائلا ما إذا كان سيبقى مهجرا رغم التحرير؟.
لم يفلح التحسن النسبي في الوضع الأمني الذي تحدث عنه الضامنون في أستانا في تشجيع العائلات على العودة إلى مناطقهم الأصلية، واليوم مع تحرير مناطقهم تتعاظم الرغبة لديهم في العودة إلى أراضهم ومنازلهم.
يحدث ذلك وسط وضع اقتصادي متردٍّ، حيث يواجه السكان أزمة اقتصادية خانقة تتمثل في ارتفاع الأسعار وقلة فرص العمل، مما يعوق إعادة بناء المنازل والبنية التحتية.
غياب تام للخدمات
تدفع صعوبة الحياة في مناطق النزوح التي يعانيها المهجرون والظروف القاسية في المخيمات، شمال غرب سوريا، إلى الحماسة للعودة بالرغم من فقدان المقومات.
وتعاني المناطق المحررة حديثا غياب البنية التحتية، بما في ذلك شبكات المياه والكهرباء، والمرافق الصحية والتعليمية، وأفران الخبز.
لكن الألغام والمخلفات الحربية تشكل تهديداً كبيراً لحياة السكان في تلك المناطق، وفقا لمراسلنا، الذي أكد أن المدن الرئيسية على طريق M5 تضم عددا ضخما من الألغام، وأنها بحاجة لوقت طويل لانتزاعها.
دور المنظمات الإنسانية
من المفترض أن تعمل المنظمات المحلية والدولية على دعم عودة المهجرين من خلال، تقديم مساعدات غذائية وإغاثية للعائدين، وتنفيذ مشاريع لإعادة تأهيل البنية التحتية والمرافق الأساسية.
لكن الوضع السوري يشهد اليوم تراجعا كبيرا في الاستجابة الإنسانية، حيث تم تخفيض دعم المشافي إلى حد بعيد، كما توقف عدد من مشاريع ضخ المياه للسكان، بما في ذلك مدينة إدلب، وتراجعت الإغاثة.
ويطالب نشطاء ومعارضون المجتمع الدولي بدعم مشاريع تهدف إلى تحقيق استقرار طويل الأمد في ريف إدلب، وتوسيع نطاق المساعدات الإنسانية، وتوفير مساعدات شاملة تشمل الغذاء والتعليم والخدمات الصحية للعائدين.
وتحتاج عودة المهجرين إلى دعم مكثف لضمان استدامة هذه العودة، عبر تحقيق الاستقرار في هذه المناطق، وهو ما يتطلب تعاوناً محلياً ودعماً دولياً، مع التركيز على توفير بيئة آمنة وخدمات أساسية.
لكن عودة القصف الجوي على المنطقة بشكل واسع، يثير مخاوف حقيقية بشأن العودة، وإمكانية العيش الآمن والمستقر في تلك القرى، حيث عمدت سلطة الأسد لشن حملات قصف عنيف بالاشتراك مع الطيران الروسي.
يثير ذلك، وفقا لما قاله أبو محمد من معرة النعمان، المخاوف بشأن العودة، حيث يتساءل كيف له أن يرمم منزله على نفقته، بينما لا زال عرضة للقصف العنيف.
يقول الرجل الستيني إنه أنفق مبالغ كبيرة قبل النزوح، لتوسيع منزله وبناء بيت لولده حتى يتزوج فيه، كما قام بعمل تحسينات وشراء عدد لأرضه الزراعية، قبل أن يُضطر للنزوح تاركا كل شيء تقويبا وراءه.
يشعر أبو محمد اليوم بالقلق بشأن ما يمكن أن يفعله مع استمرار القصف، حيث أن بقاءه نازحا يعني استمرار المعاناة، أما إن أراد العودة فعليه دفع تكاليف كبيرة، لأن المنزل نُهب من قبل قوات الأسد والميليشيات بشكل كامل، فضلا عن تكسير وخلع البلاط والسيراميك والرخام، بل تم حتى نزع أسلاك الكهرباء.
يشار إلى أن عدد سكان الشمال السوري، في كل من إدلب وريف حلب تجاوز 6.6 ملايين نسمة، بحسب آخر إحصائية نشرها فريق منسقو استجابة سوريا، مع تناقص جهود الإغاثة الإنسانية وتراجع مستويات الدخل، ويشكل النازحون ما يقرب من 50 بالمائة، من مجمل السكان، وتزيد معدلات العوز والبطالة في صفوفهم عن السكان الأصليين.