تتجه الأمم المتحدة نحو مزيد من الدعم لمشاريع البنى التحتية في مناطق سيطرة الأسد، متجاوزة الشروط التي وضعها أبرز أعضاءها من الدول الكبرى، حول تحقيق الحل السياسي وانتقال السلطة وإنهاء الحرب، ما قد يشكل ضربة قاضية لآمال المهجرين في العودة.
ويتعدى الأمر إعادة التأهيل، حيث تستولي سلطة الأسد بشكل منظم ومستمر على الأملاك الخاصة، عبر سن القوانين، وهدم المنازل السكنية، وإقامة “مشاريع جديدة”، ومطالبة أصحاب العقارات بإثبات ملكيتهم تحت طائلة المصادرة.
ومع عدم قدرة المطلوبين أمنيا على الاقتراب من الدوائر الحكومية، وبالتالي عجزهم عن إثبات ملكيتهم – يُشترط حضور صاحب العلاقة حصريا – يجري الاستيلاء بشكل شبه منظم على العقارات على نحو “قانوني”.
تلك المساعي بدأت منذ سنوات، لكن المهجرين لا زالوا يأملون في تحقيق حل سياسي أو سقوط الأسد لاستعادة حقوقهم، إلا أن توجه الأمم المتحدة لدعم مشاريع البنى التحتية بالتنسيق مع الأسد، يثير مزيدا من المخاوف مع احتمالية التوجه نحو إعادة الإعمار دون حل الأوضاع الداخلية للبلاد.
وقال مدير مكتب رابطة المحامين السوريين الأحرار، في هاتي جنوب تركيا، عمار عز الدين، لموقع حلب اليوم، إن سلطة الأسد لم تتوانى منذ بداية الحراك في سوربا عن ممارسة كافة انواع الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان بحق السوريين ولا يمكن فصل هذه الانتهاكات عن بعضها لأنها حلقة متكاملة الهدف منها إرهاب الشعب وإجهاض الثورة.
وأضاف أن الاعتقال التعسفي و التعذيب و الإخفاء القسري “أهم سلاح استخدمته السلطة لبث الرعب والخوف في نفوس السوريين الذين طالبوا بالحرية والعدل والمساواة ثم تبعتها انتهاكات أخرى لا تقل أهمية كمصادرة أموال وممتلكات السوريين كسياسة عقاب جماعي للمناطق التي ثارت ضدها”.
من جانبها أكدت يمن حلاق الباحثة في الشبكة السورية لحقوق الإنسان، لحلب اليوم، أن هناك أبعادا للمشكلة المتعلقة بدعم الأمم المتحدة مشاريع التعافي المبكر لأن “هناك مخاوف من استغلال تمويل صندوق التعافي من أجل مشاريع أخرى كإعادة الإعمار”.
ورغم أن منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في سوريا، آدم عبد المولى، قد أكد مؤخرا أن تلك المشاريع تقتصر على قطاعات الصحة والتعليم والمياه والكهرباء، إلا أن الشبكة السورية لحقوق الإنسان ترى في ذلك خطرا حقيقيا قد يضر بممتلكات المهجرين.
وتوضح حلاق أن “وجه الخطورة في إعادة الإعمار هو في أن هناك أحياء تم هدمها وحرمان أصحابها من حقوق الملكية، وسلطة الأسد تصدر بشكل مسبق قوانين تشرعن مصادرتها لتلك الممتلكات وللمباني أو ما تبقى من الممتلكات والمباني الموجودة بالأحياء السكنية وهي أساسا ملك للناس المهجرين”.
وكانت الأمم المتحدة قد خصصت صندوق “حياتنا” الذي يعتمد بشكل أساسي في تمويله على دول الخليج، وبعض الدول الأوروبية، ولكن “حتى اليوم لا يزال الموضوع غير واضح ومن هي بالضبط الدول التي ستساهم وما هي النسب، ولكننا نستطيع القول إن هناك توجها أكبر نحو التعافي المبكر وهناك ضوء أخضر للبدء بهذه المشاريع”، وفقا لحلاق.
وكان عبد المولى قد أكد أن الصندوق سيؤمن آلية دولية شرعية تتيح لدول الخليج تقدم المساعدات بدون التعرض للعقوبات الأمريكية والأوروبية التي تعرقل إعادة تأهيل البنى التحتية وإعادة الإعمار.
وتتولى لجنة توجيهية يرأسها المنسق العام للأمم المتحدة ومنسق الشؤون الإنسانية ومنسق الشؤون الإنسانية الإقليمي تحديد الاتجاه الاستراتيجي للصندوق، وتقديم الرقابة الفنية وممارسة المساءلة الشاملة، ويكتمل هيكل الإدارة بلجنة فنية تتألف من كبار الخبراء الفنيين من الجهات المشاركة في عموم سوريا، تتلقى دعمها من أمانة الصندوق التي تدير العمليات اليومية، وفق ما ذكره المنسق.
وتحذر حلاق قائلة: “إذا حصلت سلطة الأسد على التمويل واستغلته في إعادة الإعمار؛ فمن المؤكد أن هذا الشيء سيكون فيه انتهاك لحقوق الملكية لهؤلاء الأشخاص المهجرين”.
بدوره أكد عز الدين أن الانتهاكات التي ارتكبت بحق الشعب السوري ومازالت مستمرة تشكل حلقة متكاملة مرتبطة ببعضها، وأن الخطورة في قوننتها ضمن القوانين و التشريعات، حيث يجد السوريون أنفسهم عاجزين عن الحصول ولو على جزء بسيط من حقوقهم الإنسانية، أمام تعنت وعنف سلطة الأسد وقواته الأمنية.
ويشير إلى أن المصالح السياسية الحالية للدول، مع عدم وجود توافق لإحالة الملف السوري للمحكمة الجنائية الدولية، ولم يبق أمام السوريين سوى “مجالات محدودة”، رغم المساعي التي تقوم بها الجهات القانونية.
وكانت سلطة الأسد قد صادرت ممتلكات المهجرين من محيط دمشق بشكل خاص، تحت شعار “إعادة الإعمار” بموجب “قانون الملكية الجديد” أو “القانون رقم 10″ الصادر في نيسان من عام 2018، والذي يقضي بـ”السماح بإنشاء مناطق تنظيمية في جميع أنحاء سوريا، مخصصة لإعادة الإعمار”.
ولا يحدد القانون معايير لتصنيف المنطقة كمنطقة تنظيمية، أو جدولاً زمنياً لتعيين المناطق، بل بدلاً من ذلك، تُعيَّن المناطق كمناطق تنظيمية وفق مرسوم، وهو ما أكدت منظمة “هيومن رايتس ووتش” على جوره بحق السكان.
وخلال أسبوع من صدور المرسوم القاضي بإعادة إعمار منطقة ما، فسيكون على البلديات طلب قائمة بأصحاب العقارات من الهيئات العقارية الحكومية العاملة في تلك المنطقة، وعلى الهيئات تقديم القوائم في غضون 45 يوماً من تلقيها طلب المجالس المحلية.
وفي حال لم تظهر إثباتات مالكي المنطقة في القائمة، فسيتم إبلاغهم بذلك، وسيكون لديهم 30 يوماً فقط لتقديم إثبات الملكية، وفي حال عدم قيامهم بذلك، لن يتم تعويضهم وستعود ملكية العقار إلى البلدة أو الناحية أو المدينة الواقع فيها العقار.
ويستحيل على أصحاب العقارات في المناطق التنظيمية تقديم إثباتاتهم في مدة 30 يوماً مع حالة النزوح واللجوء إلى خارج البلاد، والخوف من الاعتقال والموت تحت التعذيب في السجون.
وفي شمال غربي البلاد، أعلن “محافظ إدلب” التابع لسلطة الأسد الاستيلاء الواسع على أراضي المدنيين، بعد الحملة العسكرية الواسعة مطلع عام 2020، مبرراً ذلك بـ”استثمارها” وزرعها بالقمح، حيث قال “ثائر سلهب” إن السلطة ستستولي على أراضي “المتوارين عن الأنظار“، و”الفارين من مناطق سيطرة الدولة”، مضيفا أن اﻷصل هو “استثمار” تلك اﻷراضي، وأن من يريد “تحييد أرضه” عن الاستثمار، فعليه أن يقدُم إلى مناطق سيطرة قوات اﻷسد، ويُثبت مليكيّته لها.