تجاوز عدد سكان الشمال السوري، في كل من إدلب وريف حلب 6.6 ملايين نسمة، بحسب آخر إحصائية نشرها فريق منسقو استجابة سوريا، مع تناقص جهود الإغاثة الإنسانية وتراجع مستويات الدخل.
وتبرز الأسئلة حول المستقبل المتوقع للمنطقة على المستوى الاقتصادي، مع الارتفاع المستمر لمعدلات الفقر، وغياب الحلول سواء من قبل المنظمات، أو الحكومتين العاملتين بالمنطقة، حكومة الإنقاذ والحكومة السورية المؤقتة.
ويشكل النازحون ما يقرب من 50 بالمائة، من مجمل السكان، وتزيد معدلات العوز والبطالة في صفوفهم عن السكان الأصليين، فيما تستمر موجات الهجرة نحو الخارج وتشكل أوروبا وجهة أساسية.
يقول الخبير الاقتصادي السوري أدهم قضيماتي، لموقع حلب اليوم، إن ارتفاع عدد السكان شيء طبيعي بعد مرور سنوات على الاستقرار النسبي الذي تعيشه المنطقة وتحديدا الشمال الغربي، رغم أن معدلات الفقر مرتفعة جدا.
ما الذي يمكن فعله؟
تؤكد إحصائيات فريق “منسقو استجابة سوريا” أن عدد سكان إدلب وريفها، ومنطقتي عمليات “درع الفرات” و”غصن الزيتون” بريف حلب، بلغ 6,606,781 نسمة، وذلك حتى تشرين الثاني/ نوفمبر الحالي.
ويشمل هذا الإحصاء المقيمين في المدن والقرى، والنازحين داخل المخيمات وخارجها، وهم يشكلون 49.82 بالمائة من عدد السكان، كما تظهر الزيادة في عدد النساء (1,453,661 مليوناً) على الرجال (1,241,862 مليوناً).
ويوجد في مدينة إدلب وريفها 4,478,821 مليون نسمة، ويشمل ذلك أجزاء من ريف حلب الغربي وريف حماة الغربي، بينما يوجد في منطقة “درع الفرات” 1,415,137 مليون نسمة، ويشمل ذلك مناطق عدة شمالي حلب، وفي عفرين يوجد 712,823 مليون نسمة.
ومع كل هذه الأرقام فإن قيمة الإنتاج في المنطقة، سواء الزراعي أو الصناعي، منخفضة جدا، ولا تكاد تكفي حاجات السكان، حيث تعتمد على الاستيراد بشكل كبير، والتصدير شبه منعدم.
يرى قضيماتي أن السبب الرئيسي يعود إلى عدم الانفتاح على بلدان العالم، حيث أن صناعات المنطقة من غير الممكن أن تُصدر بشكل فعلي، فهناك صعوبات كبيرة أمام هذا الموضوع نتيجة غياب وجود حكومة معترف بها دوليا، وفقدان غرف التجارة التي تعطي الرخص المطلوبة وتحدد ما إذا كانت البضائع من الممكن أن تُصدّر للخارج ومدى مطابقتها للمواصفات.
وأضاف أن فقدان هذه الأمور المهمة يجعل العمل والإنتاج في الشمال السوري أدنى من المستوى المطلوب، ولكن الاستقرار الذي تعيشه المنطقة هو ما يزيد عدد السكان وليس الإنتاج.
ويصل معدل النمو السكاني إلى نحو 27.92 لكل 1000 نسمة، مقابل معدل وفيات يصل إلى 6.88 لكل 1000 نسمة، ما يعني أن العد في ازدياد مستمر، مع ثبات الموارد القليلة من الزراعة والصناعة، بينما تفتقد المنطقة لأي مصدر من مصادر الثروات الطبيعية.
وبالنسبة لعدد النازحين الذي يشكلون نصف سكان المنطقة؛ يرى قضيماتي أن هذا أمر طبيعي أيضا بسبب تهجير السكان إلى مناطق الشمال السوري، بموجب الاتفاقيات، فكل شخص كان مطلوبا لسلطة الأسد تمّ تهجيره شمالا.
أما بالنسبة للحكومتين المحليتين فليس هناك من خيارات كثيرة أمامهما، لأنهما غير معترف بهما دوليا، وليست لديهما أدوات تقدران على العمل بها من أجل تحسين الوضع، وفقا للخبير الاقتصادي السوري، حيث يلفت إلى أن كل ما يتم تقديمه هو “وصاية تركية بطريقة أو بأخرى، فعملهم هو امتداد للخدمات التركية بالمنطقة.. كل ما نراه من عدادات الكهرباء والماء والإنترنت والخدمات الأساسية جميعها قادمة من تركيا ويتم تزويد السكان بها تحت وصاية الشركات التركية، حتى تخدم هذه المنطقة القريبة جغرافيا”.
ونوّه بأنه يتم الاعتماد على تركيا لتقديم خدمات البنية التحتية وتطويرها، لذلك “لا توجد خيارات كثيرة أمام الحكومتين، خصوصا مع تراجع الدعم المقدم من المنظمات بشكل كبير، وتحويل الدعم والمراكز الأساسية لها إلى مناطق سيطرة سلطة الأسد”.
أما حول المعابر وافتتاحها فقد نوّه قضيماتي بأن الاتفاق عُقد منذ عام 2018، و”الأمر ليس بجديد وهم الآن يحاولون تطبيقه.. انتشار وباء كورونا أخر تنفيذ الاتفاقيات بين الروس والأتراك، الأمر مهم بالنسبة للمنطقة بشكل عام، ولكن الخوف من تسلل أشخاص تابعين لسلطة الأسد إلى مناطق الشمال السوري وافتعال المشاكل فيها وبث الرعب بين المواطنين في الشمال، وهو ما يمكن أن يتم تلافيه بضغط تركي على الروس لمنعه”.
ومضى بالقول: “يحاول الجانبان حل الموضوع على مراحل، كل ملف وكل منطقة وكل معبر على حدى، كما حدث عند تطبيق اتفاقيات 2016 – 2017، كل منطقة كانت مستقلة عن الأخرى، وكل اتفاقية كانت بملف وحده لذا نرى أن حلول المعابر تأتي بشكل تدريجي وكذلك الأمر بالنسبة للتفاهم مع السكان، هناك اتفاق عام بفتح جميع المعابر، لوجود طريق دولي هام بمناطق الشمال السوري هو m5”.
ما هو المستقبل المنظور للمنطقة اقتصاديا؟
يهوي المزيد من السكان إلى قاع الفقر، في شمال غربي سوريا، ويضمحل ما بقي من الطبقة المتوسطة، بينما تتزايد أعداد الأثرياء.
وفي مثل هذا الشهر من العام الماضي 2023، قال منسقو الاستجابة إن نسبة العائلات الفقيرة التي تعتمد على المساعدات الإنسانية فقط ارتفع إلى 85.5 % مع مخاوف من الزيادة بحلول فصل الشتاء، وعدم قدرة المدنيين على تأمين العمل مقارنة بفصل الصيف، كما رصد زيادة في نسبة الاحتياجات الإنسانية في مختلف القطاعات بمقدار 11.7 % عن الشهر السابق، قوبلت أيضاً بنقص الاستجابة الإنسانية بنسبة 9.8 %.
وتشير تقديرات الفريق نفسه لشهر تشرين الثاني من العام الحالي 2024 الحالي، إلى ارتفاع نسبة العائلات الفقيرة التي تعتمد على المساعدات الإنسانية فقط إلى أكثر من 91 %، بينما تراجعت الاستجابة الإنسانية على نحو كبير.
وحول رؤيته لمستقبل المنطقة الاقتصادي، يقول قضيماتي إن الاتفاقيات التي وُقعت بين الروس والأتراك بدأت عام 2017 – 2018 وأدت إلى خفض التصعيد بشكل كبير وتراجع القصف على تلك المناطق خاصة التي تضم نقاط مراقبة تركية، ومن الممكن أن يكون لها مستقبل اقتصادي جيد ولكن فقط إذا كان هناك حل سياسي في سوريا بشكل أساسي.
وأكد أن الحل السياسي الذي يتضمن وجود حكومة معترف بها في هذه المنطقة يخفف الوضع السلبي، والضغط الاقتصادي المفروض على السكان ويخفف القيود على التجارة.
وأشار إلى أن مستقبل المنطقة يعتمد على اتفاق الأطراف المعنية الأساسية في المنظومة الدولية، مستدركا بالقول “طبعا هناك دور للأتراك، ولكن ربما نؤجل النظر في ذلك بعد وصول ترامب إلى السلطة أي لفترة تتراوح بين 6 أشهر وعام، حيث من الممكن أن يكون هناك تغيير مرتقب لكن اليوم هناك ملفات أهم من الملف السوري بالنسبة للإدارة الأمريكية الجديدة، لذا أتوقع استمرار الوضع على ما هو عليه خلال الفترة القريبة المقبلة”.
يشار إلى أن موجات النزوح من لبنان، وتصاعد عمليات الترحيل من تركيا، زادت قليلا من تعداد السكان في الشمال السوري خلال العام الحالي.