جدّد وزير الخارجية التركي هاكان فيدان تأكيده عدم تحرك سلطة الأسد بشكل إيجابي تجاه التطبيع مع بلاده، رغم اتباع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان سياسة الباب المفتوح وتجاوبها مع دعوات روسيا، وتحركه في المجال العربي.
وقال في مقابلة مع قناة A HABER المحلية، إن تصريح أردوغان عن استعداده للقاء بشار الأسد يعكس أهمية كبيرة، مشيرا إلى مكانة تركيا كدولة في المنطقة، ومستدركا بالقول: “لكن الرئيس أردوغان قال: ‘رغم التواصل مع نظام الأسد.. لا شيء يتغير’ “.
وهذا التصريح الثاني الذي يطلقه فيدان خلال نحو أسبوع، يتمحور حول نفس الفكرة، حيث نقلت صحيفة حرييت التركية المحلية عنه، في لقاء خاص نشرته يوم الأحد الفائت، أن “البنية المجزأة في سوريا، والتي تشكلت من إنشاء المنظمة الإرهابية ومجموعات مختلفة، والزيادة الأخيرة في الهجمات الإسرائيلية على سوريا، تثير سؤال ‘كيف يمكن التطبيع بين تركيا وسوريا؟’ “، مصيفا أن “الخطوات اللازمة لحل شامل لم تُتخذ بعد”.
وكانت مغادرة أردوغان للقمة الإسلامية في السعودية، أثناء إلقاء بشار الأسد كلمته قد أثارت العديد من التكهنات بشأن العلاقات بين الجانبين، إلا أن الرئيس التركي قال إنه غادر بسبب دعوة ولي العهد السعودي، وإنه لا يزال يأمل في التطبيع مع السلطة، لكن على الأخيرة أن تحقق خطوات تجاه أنقرة.
وتصر سلطة الأسد على مطلب سحب القوات التركية، وهو ما ترفضه أنقرة، وقد أكد على ذلك وزير الدفاع يشار غولر في تصريح منذ أيام، موضحا استحالة الأمر في الوضع الحالي، ومعتبرا أن دعوة أردوغان للأسد هي بمثابة فرصة عليه أن يستغلها، لكن المبعوث الروسي الخاص لسوريا ألكسندر لافرنتييف أكد في تصريح له أمس أن موسكو تتفهّم رؤية سلطة الأسد في مطالبتها بسحب القوات.
وفيما بدا تعقيبا على الموقف الروسي؛ قال فيدان إن موسكو “تقف على الحياد نوعًا ما بخصوص التطبيع”، مستدركا بالقول: “إذا أرادت حكومة دمشق اتخاذ خطوات بشأن بعض القضايا فلا أعتقد أن الروس سيقولون لا، لكنني لا أعتقد ولا أرى أن الروس سيمارسون ضغوطًا على “حكومة دمشق” لاتخاذ هذه الخطوات”.
وفي تعليقه على الملف قال حسام نجار الصحفي والمحلل السياسي السوري المختص بالشأن الدولي، لحلب اليوم، إن “محددات السياسة الخارجية التي وضعها فيدان هي التي ترسم الخطوط العريضة التي تسير عليها الخارجية التركية، إذ تسعى للمشاركة الفعالة في أحداث المنطقة وتقوية علاقاتها مع دول الخليج من أجل تحسين اقتصادها”.
وأشار وزير الخارجية التركي، في تصريحاته أمس إلى أهمية البعد العربي قائلا: “تحدثت مع إخواننا العرب الذين لعبوا دورًا بارزًا في إعادة سوريا إلى جامعة الدول العربية، والآن يجب على سلطة الأسد أن تتخذ قرارًا بشأن إعادة نحو 10 ملايين سوري من الخارج إلى بلادهم”.
وأضاف: “إعلان رئيسنا بشأن لقاء الأسد خطوة مهمة”، فقد “أعلن بشكل علني وعلى أعلى مستوى عن استعداده للقاء، وهو تصريح يعكس أهمية كبيرة من قائد في دولة ديمقراطية”.
من جانبه قال الكاتب الصحفي السوري، أحمد مظهر سعدو، لحلب اليوم، إن “الأتراك على ما يبدو يحاولون منذ فترة زمنية الاشتغال حثيثا على فتح صفحة جديدة مع الدول العربية عبر سياسة خارجية تركية تمسك بالمسألة من موقع المسؤولية الإسلامية التي تتلاقى بالضرورة مع الموقف العربي”، حيث تريد “القبول بها في المنطقة كعضو فاعل سلمي بمعنى أن تكون علاقاتها متينة و قوية ودون أن يعتبرها البعض عدواً له أو نداً تجب محاربته”.
لكنه لا يعتقد أن هناك أي ارتباط بين سعي تركيا لتحسين العلاقات مع الدول العربية وبين مساعيها المتعجلة للتطبيع مع الأسد، حيث “تتواصل الاتصالات التطبيعية عبر بوابة موسكو وليس عبر البوابة العربية التي بدأت التطبيع قبل ذلك وقد تعثر لأن الأسد تمنّع بأوامر إيرانية عن تلبية المتطلبات العربية العديدة”، بينما “يطلق المزيد من الوعود دون تطبيق، ويحاول أن يفعل ذلك مع تركيا”.
وأضاف فيدان أن الأسد “قاد مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عملية أستانا، التي اجتمع فيها قادة إيران وتركيا وروسيا لبدء هذه العملية”، مضيفا بالقول: “لقد عملنا لسنوات على تحقيق تقدم في هذه العملية، والآن وصلنا إلى مرحلة حيث تجمدت الحرب في سوريا، لم يعد يموت الكثير من الناس، وانخفضت حالات النزوح القسري، لكننا الآن نرى أن الخطوات اللازمة لحل شامل لم تُتخذ بعد”.
وقال الوزير التركي: “في لحظة غير متوقعة، قال الرئيس: لقد سمحت لموظفيي بالتواصل مع نظرائكم السوريين لسنوات، لقد تم التواصل مع الإيرانيين، ونحن تحدثنا مع الروس، رجال الاستخبارات يتواصلون، العسكريون يتواصلون، الدبلوماسيون يتواصلون، الجميع يتواصل، نقدر هذه العمليات المهنية، ولكن في النهاية، ما الذي تحقق من كل ذلك؟ لا شيء يتغير، لذلك، يجب أن نجلس نحن أصحاب الإرادة المباشرة ونعمل على حل المشكلة”.
ويرى سعدو أن أنقرة تعمل على “تصفير مشاكلها العامة و الإبقاء على مشكلة قسد وتوابعها وتحاول بنفس الوقت تخفيف أو منع دعم بعض دول المنطقة لقسد حسب الرغبة الأمريكية”.
لكن نجار توقع أن “تزداد العلاقات متانة وقوة وأن تكون الثنائيات معززة بشكل أكثر تأثيراً و أن تُمنح تركيا حصة في المشاريع العربية وزيادة القوة البشرية التركية في المنطقة على حساب القوة الإيرانية”، معتبرا أن هذه الملفات مرتبطة بالتطبيع بل إن “تسريع أردوغان لعملية التطبيع مع الأسد يتعلق بدخوله بقوة من البوابة العربية وخاصة بعد افتتاح السفارة السعودية في دمشق بشكل رسمي”.
وأضاف أن “قبول السلطة مرة جديدة في البنية العربية يتطلب من أردوغان التطبيع معها”، حيث أن “المصلحة التركية لها عدة جوانب تلاقت في خط واحد وهو التطبيع مع سلطة الأسد والسير باتجاه العرب على حساب أوروبا”.
وكان وزير خارجية الأسد فيصل المقداد قد قال في آخر تعليق له حول الملف، نهاية الصيف الفائت، إنه “يأمل في أن تتحقق تصريحات الرئيس التركي في تشكيل محور تضامني سوري – مصري – تركي لمواجهة التهديدات، وأن تكون هذه رغبة تركية صادقة وحقيقية”، مؤكدا اشتراط “الانسحاب من الأراضي العربية التي احتلتها تركيا في شمال سوريا وغرب العراق”، من أجل أن تكون هناك “خطوات جديدة في التعاون السوري – التركي، وأن تعود العلاقات إلى طبيعتها”.
وفي إجابته على سؤال من رويترز، حول اشتراط سحب القوات التركية من شمال غرب سوريا، قال وزير الدفاع التركي يشار غولر، إنه لا يمكن لقوات بلاده الانسحاب من سوريا إلا بعد تلبية عدة شروط تتمثل في قبول الدستور الجديد وإجراء الانتخابات، وتأمين الحدود، وإيجاد بيئة مناسبة لعودة اللاجئين.