تعيش المنطقة مخاضا عنيفا يُنذر بتطورات مفصلية وكبيرة في الساحة السورية، وفيما يبقى ذلك في طور الاحتمالات والتكهنات، إلا أن العديد من المراقبين يرجحون تعرض الميليشيات الإيرانية في سوريا لضربات قد تكون في مقتل.
حتى الآن، فقد بات الممر (الهلال الشيعي) نحو شاطئ المتوسط، الذي عملت إيران على إنجازه طيلة عقود، في مهب الريح، بعد مقتل وجرح الآلاف من عناصر ميليشيا حزب الله وتدمير قيادته بشكل شبه كامل، وانطلاق الهجوم البري نحو جنوب لبنان.
وتركز الضربات الجوية على المنطقة الحدودية بين سوريا ولبنان، وعلى المنطقتين الغربية والجنوبية من سوريا، بما فيها العاصمة دمشق، فيما هدد رئيس حزب “إسرائيل بيتنا” أفيغدور ليبرمان سلطة الأسد بالتحرك عسكريا ما لم تضع حدا أمام الميليشيات الإيرانية.
كلام ليبرمان لم يكن عن الحدود أو الجنوب السوري فقط، حيث قال إن على دمشق أن تعلم أن إسرائيل ستسيطر على مناطق سورية في حال استمرارها وبقائها كقاعدة لإيران وميليشياتها في المنطقة.
يقول مصطفى النعيمي المحلل السياسي المختص بالملف الإيراني، لموقع حلب اليوم، إن إسرائيل تسعى جاهدة لإبعاد أي تهديد أو مخاطر تنطلق من الجغرافيا السورية، فيما لا يستبعد توغلا بريا للجيش الإسرائيلي.
من جانبه يرى الكاتب الصحفي السوري أيمن الشوفي أن السيناريوهات القادمة تتضمن إقامة شريط لتأمين إسرائيل، على أقل تقدير، غير أنه لا يستبعد وقوع سيناريوهات أبعد من ذلك.
وكانت القوات الإسرائيلية قد عززت قدراتها القتالية والهجومية قرب القنيطرة من خلال دبابات مركافا وعربات نقل الجنود من نوع النمر، إضافة إلى حفرها للخنادق ورفعها للسواتر الترابية وتموضع المدفعية الثقيلة طويلة المدى، فيما انسحبت القوات الروسية من إحدى النقاط بالمنطقة.
وتؤكد مصادر محلية في شرقي البلاد أن قواعد التحالف الدولي تشهد حالة من التأهب والاستنفار، حيث قالت شبكة الخابور إن القواعد في الحسكة و الشدادي وخراب الجير متأهبة “تحسباً لهجوم محتمل قد تشنه الميليشيات الإيرانية”.
وأكد مراسل حلب اليوم في وقت سابق أن معظم عناصر الميليشيات في المنطقة الشرقية غادروا مقراتهم خوفا من الاستهداف، وانتشروا بين السكان ضمن المناطق التي تسيطر عليها.
وحول ما إذا كانت إسرائيل تريد إخراج إيران من سوريا، أو إبعاد ميليشياتها عن الجنوب فقط، قال النعيمي إن استمرار إطلاق بعض المسيرات من بعض المناطق بالجنوب السوري باتجاه الجولان المحتل، يعني أن الوضع “يتطلب تحركا مختلفا عن السابق؛ نظرا لعدم رغبة موسكو بالحد من تموضع تلك الميليشيات بالقرب من الحدود”.
ويؤكد أن السؤال المهم هنا هو “إلى أين سيكون هذا التوغل البري؟” إن وقع ذلك، مضيفا أنه ربما ينطلق من المنطقة الجنوبية وتحديدا القنيطرة، وبناء على حجم ردود الميليشيات الإيرانية سيكون التقدم البري الإسرائيلي تحت غطاء جوي وناري كثيف لتحقيق تقدم سريع على تلك الجبهة بالتوازي مع التحركات التي تحصل في جنوب لبنان.
ويقول الشوفي، لحلب اليوم، إنه يعتقد أن هدف إسرائيل الأقصى هو إخراج الميليشيات الإيرانية إلى شرق الفرات، وبالتالي ضمان أمنها بالإضافة لحل موضوع الجنوب حيث من المرجح أن تكون هناك منطقة عازلة بعمق خمسين كيلو مترا، وهو “حديث قديم وليس جديدا، لكن هذا الموضوع وارد اليوم”.
ومن السيناريوهات المتوقعة، وفقا للشوفي حدوث اجتياح بري إسرائيلي إلى القنيطرة ثم درعا والسويداء لوصل هذه المنطقة بقاعدة التنف الأمريكية، بحيث يكون هناك شريط جغرافي آمن بالنسبة لإسرائيل بعمق 50 – 55 كيلو متر، بعد نقل الميليشيات إلى شرق الفرات.
من جانبه يرى النعيمي أن الحديث عن شرق الفرات هو صفقة عقدتها إيران مع الولايات المتحدة وإسرائيل من تحت الطاولة، تخلت بموجبها عن حزب الله، مقابل الاحتفاظ بوجود مستمر لها في شمال شرق سوريا.
وقد طلب الجيش الإسرائيلي منذ أيام قليلة من اليونيفيل سحب قواتها من منطقة الناقورة إلى صور لكنها رفضت إخلاء مراكزها في الخطوط الأمامية، أما وزير الدفاع الإسرائيلي، فقد أكد أن إيران خسرت أهم دعم لها في المنطقة العربية ويقصد هنا حزب الله و”ما زالت إيران تورط حزب الله بمزيد من المعارك والاستنزاف المحسوم النتائج لمصالح إيرانية خالصة”، وفقا للنعيمي.
وحول ما إذا كان يمكن لإسرائيل القضاء على حزب الله والميليشيات الإيرانية بدون عمل عسكري بري في سوريا، قال النعيمي إن إيران قد قامت بتحييد حزب الله بشكل كامل والمعارك التي تجري اليوم هي إخماد مصادر ما تبقى من تلك النيران التي كانت تنطلق باتجاه إسرائيل، بعد انتهاء ورقته وسقوطها.
وتم أمس رصد أكثر من 105 عمليات لإطلاق صواريخ باتجاه الجليل الأعلى، أي أن حزب الله ما زال يتمتع بقدرات عسكرية، ولكن “لم تعد لديه القدرة على التخطيط والتنظيم لمشاغلة الجبهات الإسرائيلية، وإنما تحركاته باتت فردية، وبما أن منظومة الاتصالات قد حيدت عن الخدمة فنحن أمام مزيد من الخسائر في صفوف حزب الله، سواء كان على صعيد العنصر المقاتل أو حتى القيادة البديلة”، بحسب النعيمي.
وحول التقارير المتداولة عن عمل محتمل لتحرير حلب في الشمال ووضع بعض المتابعين لتلك المعركة المفترضة في إطار استهداف الميليشيات الإيرانية في سوريا، فقد قال المحلل السياسي السوري، إن “هنالك رغبات ثورية، وعلى مستويات عليا بضرورة تحرير المناطق التي احتلتها تلك الميليشيات بدعم وإسناد من قوات الأسد سواء كانت باتجاه الفوج 46 وصولا إلى سراقب، ومن سراقب باتجاه مورك، ومنها باتجاه الجبهات الساحلية، فقراءة الفصائل المعارضة لحجم الانهيارات التي تبدو عليها الميليشيات المرتبطة بإيران مبني على حجم الخسائر التي تتكبدها تلك الميليشيات لذلك تلجأ الفصائل إلى تحضير سيناريوهات متعددة للتعامل مع الجبهات بعد انهيار منظومة الأسد وداعميه من الميليشيات الولائية متعددة الجنسيات”.
ويؤكد مراسل حلب اليوم، أن تلك الأقاويل لم تقترن بتغيرات عسكرية كبيرة على الأرض توحي بقرب المعركة، وإن كانت هناك بعض التحركات، حيث وضع البعض تلك الأنباء في إطار الإشاعات، فيما قال آخرون إن القرار لا يزال مبكرا في انتظار الوقت المناسب.
ويرى النعيمي أنه في حال حصول هذا الانهيار في صفوف الميليشيات الإيرانية، فإن القوة العسكرية التي تتمتع بها فصائل المعارضة قادرة على استعادة البلدات التي سيطرت عليها قوات الأسد قبل عام 2020، لكن هذا يعود إلى الموافقة الدولية على ماهية تلك العملية فيما يخص ملء الفراغ الذي سينجم عن انسحاب تلك الميليشيات.
يذكر أن المجلس الوزاري المصغر الإسرائيلي يلتئم الليلة لمناقشة الرد الإسرائيلي على الهجوم الصاروخي الإيراني.