أعلنت وكالة أنباء سلطة الأسد “سانا”، ظهر اليوم الأربعاء، مقتل عنصر من “قوى الأمن الداخلي” وإصابة آخر بجروح جراء قصف إسرائيلي استهدف المدخل الشرقي لمدينة القنيطرة جنوبي البلاد.
يأتي ذلك فيما يتخوف أهالي المدينة من اجتياح إسرائيلي محتمل دفع بعضهم للاستعداد للنزوح، مع ملاحظة وجود حشد من الدبابات في الجولان المحتل وتحركات عسكرية مريبة.
ومما زاد في المؤشرات انسحاب روسيا من نقطة عسكرية على الحدود مع الجولان المحتل، دون أي إيضاحات أو تعليق من قبل موسكو، إذ غادرت القوات موقع تل الحارة العسكري في درعا القريب من الشريط الحدودي مع إسرائيل إلى محيط قرية زمرين حيث توجد نقطة روسية أخرى وفقًا لما نقله موقع “درعا 24” المحلي.
جاء ذلك التحرك الروسي بعد ساعات فقط من تهديد رئيس حزب “إسرائيل بيتنا” أفيغدور ليبرمان، لسلطة الأسد بالسيطرة على مناطق سورية في حال استمرارها وبقائها كقاعدة لإيران وميليشياتها في المنطقة.
وقال الدكتور محمود حمزة المحلل السياسي المختص بالشأن الروسي، لموقع حلب اليوم، إن موسكو لن تقدم في مواجهة الهجوم الإسرائيلي أكثر من الدعوة إلى وقف إطلاق النار وخفض التصعيد وإحلال السلام والحفاظ على حياة المدنيين.. و”ما إلى ذلك من هذه الشعارات المعروفة”.
من جانبه أكد مصطفى النعيمي المحلل السياسي المختص بالملف الإيراني، أن انسحاب القوات الروسية من نقطة قرب الحدود بالتزامن مع تهديدات ليبرمان، والانسحاب الروسي من محافظة القنيطرة عموما يأتي في سياق قراءة دقيقة وواقعية لاشتباك مستقبلي ربما ينطلق في أي لحظة.
هل ستنتقل الحرب البرية إلى سوريا؟
يشير النعيمي إلى أن الجهوزية الكبيرة التي يبديها الجيش الإسرائيلي المتموضع بداخل الأراضي السورية بعمق يزيد عن 200 متر يوحي بذلك.
وكانت القوات الإسرائيلية قد عززت قدراتها القتالية والهجومية من خلال دبابات مركافا وعربات نقل الجنود من نوع النمر إضافة إلى حفرها للخنادق ورفعها للسواتر الترابية وتموضع المدفعية الثقيلة طويلة المدى.. “هذا كله يكشف عن جهوزية كبيرة وربما في أي لحظة تنطلق عملية عسكرية باتجاه المنطقة”، وفقا للنعيمي.
كما يرى أن تهديدات ليبرمان تنطلق من مبدأ أنه يريد تحييد أكبر قوة عسكرية لدى المحور الإيراني وأدواته الإقليمية عن أي تصعيد مستقبلي ضد حزب الله، فهو يعمل ضمن النظرية الأمنية والعسكرية التي تدعو إلى فصل الساحات وهذا يتطلب ربما جهودا برية إضافة إلى الجهود الجوية التي لم تنقطع أصلا من أجل فصل الحدود السورية عن اللبنانية، وبالتالي يحقق الهدف الإستراتيجي من ذلك.
وقال رئيس حزب “إسرائيل بيتنا” أفيغدور ليبرمان إن على سلطة الأسد أن تعلم أن إسرائيل ستسيطر على مناطق سورية في حال استمرارها وبقائها كقاعدة لإيران وميليشياتها في المنطقة؛ مضيفا: “يجب أن تتلقى سلطة الأسد رسالة واضحة عبر الإعلام أو من خلال الاستخبارات بإبلاغ بشار الأسد بأنه إذا استمر استخدام سوريا كقاعدة لأعدائنا فإننا سنستولي على الجزء السوري من جبل الشيخ ولن نتخلى عنه”.
وفي قراءته لتلك الرسائل التحذيرية إلى سلطة الأسد، قال النعيمي إنها واضحة المعالم، ومفادها بأنه فيما لو أقدم على الدفاع عن هذه الميليشيات ربما يتعرض لضربات مماثلة ومن ثم فإنه ليس بمقدوره في هذا التوقيت بالذات أن يشتبك مع تل أبيب فهو يدرك تماما بأن هنالك مخططا إسرائيليا يتضمن اجتياحا جزئيا يبدأ من القنيطرة، وهنالك تموضع عسكري للميليشيات المرتبطة بإيران وعلى رأسها قوة الرضوان التابعة لمليشيا حزب الله.
عجز أم تواطؤ؟
يرى النعيمي أن الروس أخذوا على عاتقهم إخلاء مواقعهم لتجنب الصدام مع إسرائيل وربما كان ذلك لعجزهم فهم اليوم محرجون من إيران.
بدوره يقول د. حمزة إن روسيا قد تطلق تصريحات ولكن عمليا ليس هناك ما يمكن أن تقدمه في الصراع الإسرائيلي مع حزب الله ولبنان وقطاع غزة.. “ربما تقدم مساعدات إنسانية فقط، وهي غير قادرة على التدخل لعدة أسباب”.
أول تلك الأسباب – وفقا للدكتور حمزة – هي أنها لا تستطيع أن تجابه إسرائيل، ورغم وجود انتقادات للموقف الإسرائيلي من قبل روسيا إلا أنها تقف عند حد معين، فهناك علاقات إستراتيجية بين روسيا وإسرائيل.. “ربما تعلن تضامنها مع العرب وتدعو لحل القضية والعودة لمجلس الأمن والأمم المتحدة.. هذا كل ما تستطيع فعله”.
كما أن موضوع قصف مستودع الأسلحة الإيراني في قاعدة حميميم “أمر حساس، فحتى اليوم هناك صمت روسي كامل عن هذا الموضوع، وهذا ليس صدفة طبعا، لأن هناك تفاهما إسرائيليا روسيا منذ سنوات، على أن إسرائيل يمكنها ضرب مواقع إيران العسكرية في سوريا”.
ويلفت المحلل المختص بالشأن الروسي إلى أن موسكو لا تتدخل رغم أنها ترى كل ما يجري في السماء السورية، فلديها أجهزة رادار وصواريخ مضادة للطائرات وقواعد في سوريا، ولكن الشيء الغريب أن تضرب إسرائيل – لأول مرة – القاعدة الروسية في سوريا، “صحيح أنها استهدفت أطراف القاعدة ولكن هذا تحد كبير لروسيا، ومع ذلك فقد صمتت لذا يبدو أن هناك استمرارا للتفاهمات القديمة فضلا عن التنسيق”.
ومن مصلحة موسكو على ما يبدو، أن تُضرب إيران في سوريا.. ولكن ذلك ليس من مصلحتها بالمعنى المطلق بقدر ما هي مضطرة أن تقبل هذا الأمر لإرضاء إسرائيل ولعدم خوض صراع مع أمريكا، وفقا للدكتور حمزة.
كما يرى أن زيادة التصعيد في المنطقة قد يكون من مصلحة روسيا.. ولكن في غزة ولبنان أما في سوريا فالروس لا يريدون التصعيد لأن لديهم قواعد عسكرية ومصالح كبرى لا يريدون أن تتعرض للخطر، أما في بقية الدول فيتمنون أن تتورط أمريكا أكثر لتخفيف الضغط في أوكرانيا حيث يوجد هناك دعم أمريكي كبير.
ويضع الدكتور حمزة انسحاب روسيا من بعض المواقع في جنوب سوريا في هذا الإطار؛ أي “أن تكون إيران منفردة حتى تضربها إسرائيل”، فروسيا تريد أن تنسحب بل انسحبت من بعض مناطق الجنوب حتى تترك الميليشيات الإيرانية لوحدها، ويبدو أن هذا بطلب إسرائيلي.
ويؤكد أن هذا ليس صدفة إنما يجري ضمن التفاهمات مع إسرائيل، وإن كان بشكل غير مباشر وغير رسمي وإنما عبر تفاهمات تتضمن أن تخلي روسيا مواقعها وتبتعد عن المواقع الإيرانية حتى يمكن لإسرائيل أن تقصفها لأن روسيا لن ترد في حال تعرضت قواعدها للاستهداف كما حصل في قاعدة حميميم.
وتشير مصادر محلية من أبناء المنطقة إلى استمرار تجريف المدرعات الإسرائيلية للأراضي الزراعية قرب القنيطرة وتعبيد طريق داخل الأراضي السورية دون أي حراك من قبل الميليشيات الإيرانية وقوات الأسد، لكن ذلك يأتي استكمالا لمشروع بدأ منذ سنوات، فيما تبدو ملامح الاستنفار العسكري واضحة على الجانب الإسرائيلي من الحدود.