أعلنت روسيا عن تحضيرات تُجريها لعقد جولة جديدة من اجتماعات أستانا، وسط تغيرات كبيرة تبدو مقبلة على المنطقة، وخصوصا فيما يتعلق بنفوذ إيران في سوريا، وهي أحد الضامنين للمسار.

وقال نائب وزير الخارجية الروسي “سيرغي فيرشينين”، إن موسكو تحضر لعقد الاجتماع الـ22 ضمن مسار أستانا حول سوريا، والذي سيقام في العاصمة الكازاخية “نور سلطان”، مضيفا أنها ترى فيه دورًا “مهمًا وإيجابيًا للغاية” فيما يخص الشأن السوري، وذلك دون تحديد موعد الجولة المقبلة.

يأتي ذلك فيما تشن الطائرات الإسرائيلية غارات يومية عنيفة على قياديين في الحرس الثوري الإيراني بسوريا، وسط تكهنات عديدة بشأن مستقبل وجود الميليشيات، فيما تتوعد إسرائيل بضربات كبيرة في العمق الإيراني.

وحول ذلك، يقول المحلل السياسي الروسي ديمتري بريجع، لموقع حلب اليوم، إن الشرق الأوسط مقبل على تغييرات كبيرة تشمل سوريا والعراق ولبنان واليمن والمنطقة بشكل رئيسي، مضيفا أن إسرائيل وحكومة بنيامين نتنياهو مهتمة بهذا التغيير الكبير الذي سوف يطرح خلال الفترة القادمة.

ويتوقع أن تكون هناك تغييرات في لبنان بعد إضعاف حزب الله والقدرات العسكرية له، وإضعاف سلطة الأسد وقدراتها العسكرية، كما أنه لا يستبعد أن تحدث تغيرات جوهرية وداخلية في بنية النظام السياسي بسوريا، بالإضافة إلى العراق بعد إضعاف ما يسمى بالمقاومة العراقية، والتي هي جزء من مشروع ما يسمى بمحور المقاومة والممانعة الإيراني في منطقة الشرق الأوسط.

من جانبه يقول مصطفى النعيمي المحلل السياسي المختص بالملف الإيراني، لموقع حلب اليوم إن كل السيناريوهات باتت مطروحة على الطاولة، ومن المحتمل إن حصل فراغ ما في سوريا أن تسده فصائل المعارضة، وتستعيد بعض المناطق التي خسرتها، رغم وجود اتفاقيات دولية على صعيد مساري أستانا وسوتشي.

ويرى النعيمي أن التوجه الإسرائيلي والأمريكي قد يهدف لإخراج ميليشيات إيران من سوريا وإنهاء نفوذها بشكل تام، الأمر الذي قد يترك فراغا تحدد السياسات الدولية الطرف الذي يمكن أن يملأه.

ومنذ بداية عملياتها في جنوب لبنان، تتحدث إسرائيل عن “ترتيب جديد” في المنطقة، ويقول بعض المراقبين إنه سيطال إيران حتما، بل قد يطال سلطة الأسد في دمشق.

ويرى بريجع أن ذلك ممكن، ولكن ليس شرطا أن يتم إنهاء الدور الإيراني في سوريا بشكل تام، بل إن الوضع يعتمد على توجه الإدارة الأمريكية.

وأوضح أن إدارة جو بايدن والطرف الإسرائيلي وضعا خططا واضحة؛ أولا حدوث تغييرات في منطقة الشرق الأوسط هي بداية لمشروع ما يسمى بالشرق الأوسط الجديد لحفظ “أمن إسرائيل”، ثانيا أضعاف ما يسمى بمحور المقاومة والممانعة، وضرب الأذرع الإيرانية في الشرق الأوسط وقتل قياداتها، ثالثا تطبيع العلاقات بين المملكة العربية السعودية وإسرائيل كخطة أساسية حتى يكون العالم السني في علاقة مع إسرائيل.

وبحسب المحلل السياسي الروسي فإن ذلك “قد يكلف المنطقة الشيء الكثير بسبب التغييرات التي ستحدث، ولكن هذا جوهر الأحداث المستقبلية المتوقعة”.

وبخصوص بقاء دور لإيران في سوريا من عدمه، فيرى بريجع أن ذلك يترتب على الإدارة القادمة للولايات المتحدة الأمريكية؛ هل ستذهب بتصعيد مع إسرائيل ضد إيران أم لا؟.. الآن جو بايدن هو جزء من هذه السياسة، ودونالد ترامب إذا ما كان في السلطة، أو أصبح رئيسا فإن السياسة الأمريكية ستكون أكثر دعما، حيث عمل ترامب سابقا على تطبيع العلاقات بين الدول العربية وإسرائيل.

وفي حال فاز ترامب – يضيف بريجع – فلن يتغير أي شيء، “أمن إسرائيل من أمن الولايات المتحدة الأمريكية.. الدولة العميقة سوف تستمر في دعم إسرائيل فهناك لوبي كبير إسرائيلي في الولايات المتحدة”.

الملف السوري ومسار أستانا

منذ انطلاق الاجتماعات الثلاثية عام 2017، لم يؤد مسار أستانا لأية تغيرات جوهرية في الملف السوري، وسط رفض أمريكي وغربي للانخراط فيه.

ودعت الولايات المتحدة وأوروبا في عدة مناسبات سابقة ضامني أستانا للعودة إلى جنيف، فيما ترفض روسيا بشكل خاص ذلك المسار بحجة “عدم الحيادية”.

ولكن الملف السوري يبدو أكثر تعقيدا من ذلك، بحسب بريجع، حيث هناك أطراف دولية عدة تتحكم فيه مثل روسيا وتركيا والولايات المتحدة الأمريكية وحتى دول أوروبا، بينما نظام الحكم الحالي في سوريا غير مستقر من ناحية الأمور الداخلية.

وسوف يبقى هناك “تنافس بين إيران وروسيا والولايات المتحدة الأمريكية في سوريا؛ إيران عبر مشروعها الديني، وروسيا عبر ملفها التجاري والاقتصادي والعسكري.. لن يتغير شيء”.

ويعتبر بريجع أن إيران قد تتخلى في يوم ما عن سياساتها الخارجية وتهتم بالملف الداخلي، لأن الرئيس الإيراني الحالي يفهم جيدا أن جيل الشباب يحتاج إلى التغيير في إيران ويحتاج إلى اقتصاد قوي وزيادة رواتب، والضغوطات التي تمارس على إيران من قبل الولايات المتحدة الأمريكية صعبة عليها.

كما يلفت إلى أن هناك لعبة أساسية تقوم بها الولايات المتحدة الأمريكية التي تدعم إسرائيل؛ فهي تدعم أيضا بعض الأشياء في إيران المتعلقة بتطوير التكنولوجيا، فمثلا المنشآت المتعلقة بالتكنولوجيا والتطوير في إيران تُدعم من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، لكن بشكل غير رسمي، و”الأمور أكثر تعقيدا مما نعتقد”.

لكن روسيا “لن تتخلى عن سوريا”، فهي تريد أن تحتفظ بقواعدها العسكرية، وهناك اتفاقيات أبرمت بين الموانئ التي استولت عليها في الساحل السوري وموانئ شبه جزيرة القرم.. “يمكن أن تقبل بأن يحدث هناك تغييرات جوهرية في النظام السياسي وحل سياسي في سوريا ولكن مع الاحتفاظ بمصالحها، وتريد أن يكون هناك شخص يحتفظ بهذه المصالح”.

أما عن اجتماعات أستانا فلا يرى بريجع أنها ستغير الكثير في الملف السوري، إذ “يمكن أن تؤثر على بعض الملفات ويمكن أن تحدث تغييرا جوهريا ولكن ليس كاملا”، و”مفاوضات أستانا مستمرة إلى الآن لأنه حتى الآن لا يوجد هناك حل جوهري للملف السوري”.

ولكن “إذا بدأ مشروع الشرق الأوسط الجديد قد نرى تفاهمات مختلفة تحدث في اجتماعات أستانا حيال الملف السوري، حيث إن المنطقة سوف تتغير بشكل كامل في الأشهر القادمة”.

ويرى محللون أن السيناريوهات المقبلة تتمحور حول السعي للتقسيم الذي قد يطال الدول العربية الأربعة التي توجد لإيران ميليشيات فيها.