شهد سوق العقارات في الشمال السوري إقبالا كبيرا خلال السنوات الأخيرة، قبل أن يدخل في ركود مؤخرا، رغم وجود حالة من الإقبال على الإيجارات.
ويعود التباطؤ في نشاط السوق، إلى تراجع الطلب على شراء وبيع العقارات، حيث انخفضت أسعارها نسبيا خلال عدة أشهر خلت، وذلك بسبب مجموعة من العوامل الاقتصادية والاجتماعية والمالية المرتبطة بالأزمات المتلاحقة وحالة عدم الاستقرار.
ولا تزال هناك حالة من الإقبال على البناء لدى التجار والمستثمرين بمجال العقارات في الشمال السوري، حيث توجد حاجة كبيرة للاستئجار بسبب كثافة السكان، بغض النظر عن أسعار العقارات وحركة السوق.
يقول أبو محمد من ريف إدلب الشرقي، لموقع حلب اليوم، إنه عقب نزوحه من قريته شرقي مدينة سراقب، مطلع عام 2020 اضطر لشراء منزل صغير يؤويه وعائلته بالقرب من سرمدا في ريف إدلب الشمالي، حيث كانت هناك أزمة كبيرة بسبب النزوح الجماعي جراء الحملة العسكرية التي جرت على المنطقة.
وفي تلك الأثناء دفع ما يقارب 11000 دولار أمريكي، ثمنا لمنزل تقل مساحته عن 100 متر مربع، حيث ارتفعت الأسعار نتيجة زيادة الطلب.
ومع تجميد الأوضاع العسكرية عقب اتفاق 5 آذار بين روسيا وتركيا عام 2020، بقي ملايين السكان محصورين في منطقة صغيرة في الشمال السوري، ما جعل الطلب المرتفع على العقارات مستمرا بيعا وشراء واستئجارا.
لكن العام الحالي شهد حالة من التراجع الطفيف والمستمر في الأسعار، نتيجة انخفاض الإقبال على الشراء، حيث يقول أبو محمد إنه عندما أراد أن يبيع منزله خسر من ثمنه ما يقرب من 2000 دولار أمريكي.
يقول “حسان .م” وهو صاحب مكتب عقارات في إدلب، إن الأسباب متعددة؛ أهمها تراجع القدرة الشرائية لدى السكان خلال السنوات الأخيرة، وخصوصا في أوساط النازحين الذين فقدوا مصادر دخلهم، بينما يتحملون أعباء كبيرة.
ويؤكد فريق منسقو استجابة سوريا أن حد الفقر للعائلة الواحدة تجاوز نحو 7300 ليرة تركية، فيما تبلغ نسبة العائلات التي تقع تحت هذا الحد في الشمال السوري نحو 91%، وفقا لآخر التقديرات.
وتذكر إحصاءات الفريق أن دخل نحو 83 % من السكان لا يتجاوز 50 دولاراً أمريكياً في الشهر، بل إن أكثر من 94 % من العائلات غير قادرة على تأمين مواد التدفئة في الشتاء.
كما أن حالة عدم اليقين التي تعتري المنطقة، تؤثر بشكل كبير في رغبة المستثمرين بالشراء، حيث يحتاج الإعمار إلى استقرار مستمر، وفقا لحسان الذي يشير إلى أن انتشار الشائعات الكثيرة أسهم أيضا في الركود.
وكانت حسابات مرتبطة بقوات الأسد والميليشيات الإيرانية، قد ادعت بداية الصيف المنصرم وجود تحضيرات لاجتياح جديد نحو الشمال السوري، مما أثار بعض المخاوف لدى المستثمرين وأيضا أدى لتراجع أعداد الراغبين بالشراء.
وتركت حالة عدم اليقين المرتبطة بجود التطبيع التركية أثرا سلبيا في حركة العقارات، حيث بدأت الاضطرابات تظهر مع أحاديث وإشاعات عدة حول مصير وجود القوات التركية التي حقق تمركزها حالة من الاستقرار بالشمال الغربي.
ويضيف حسان، أن الأنباء المتداولة بين السكان خلال الأسابيع الأخيرة حول احتمالية انطلاق عمل عسكري من قبل هيئة تحرير الشام وفصائل المعارضة باتجاه مناطق سيطرة الأسد، تسببت بالمزيد من الركود، فيما تبقى حركة الاستئجار على حالها، نظرا لاستمرار الحاجة للسكن مع وجود نحو 4 ملايين شخص بالمنطقة.
ويُعتبر الركود ظاهرة معقدة نوعا ما تنجم عن تداخل عدة عوامل اقتصادية واجتماعية وسياسية، ويفرض تحديات كبيرة على المستثمرين، تجبرهم على محاولة التغلب عليه، فينا تغيب التدخلات الحكومية والسياسات المالية الملائمة.
لكن ذلك كله لم يحل دون الاستمرار في رفع بدل الإيجارات للمحال والبيوت، حيث وصلت لمستويات غير مقبولة، واستنزفت جيوب النازحين في الشمال السوري وأرهقتهم إلى حد بعيد.