تشهد القرى والبلدات القريبة من خطوط التماس بريفي إدلب وحلب في الشمال السوري، حركة نزوح واسعة في أوساط المدنيين، تزايدت حدتها خلال اليومين الفائتين، وسط ضيق الخيارات أمام السكان، مع اقتراب حلول فصل الشتاء.
وتعود أسباب النزوح بالدرجة الأولى، لتخوف السكان من اندلاع معارك جديدة بالمنطقة، وإمكانية تعرضهم لهجمات أو قصف انتقامي من قبل قوات الأسد والميليشيات الموالية لها، وفقا لمراسل حلب اليوم.
كما أثارت ادعاءات روسيا مؤخرا حول إمكانية وقوع هجوم كيميائي تحضر له فصائل المعارضة في الشمال السوري مزيدا من المخاوف، حيث اعتاد السوريون على سماع تلك التصريحات قبل شن هجمات كيميائية من قبل قوات الأسد ضد المدنيين.
وفي إجابتها على استفسار من حلب اليوم، قالت إدارة الدفاع المدني السوري، إن استمرار القصف من قوات الأسد وحلفائه على المدن والبلدات في شمال غربي سوريا وخاصةً القريبة من مناطق سيطرة تلك القوات والميليشيات، تسبب بحالة ذعر وخوف كبيرين بين المدنيين.
كما أشارت إلى استمرار القصف والاستهدافات المباشرة التي نشطت مؤخرا عبر الطائرات المسيرة الانتحارية منها والمذخّرة وهذا ما يعيق حركة المدنيين إلى حد بعيد وخاصةً المزارعين حيث تُرْصَد تحركاتهم واستهدافهم إما بالصواريخ الموجهة أو بالطائرات المسيرة.
وتؤدي كل هذه الأسباب لمنع الاستقرار في المنطقة ما يدفع المدنيين لترك منازلهم والنزوح باتجاه مناطق أبعد خوفاً على حياتهم خاصةً مع التصعيد الأخير الذي يزيد مخاوف المدنيين.
وتزايد خلال الأشهر الأخيرة استخدام المسيرات ما أدى إلى إيقاع الضحايا والمصابين والمزيد من الإرباك في حسابات المدنيين، وسط حالة من التوتر المستمر بالمنطقة.
وتستخدم الميليشيات الإيرانية تلك المسيرات المعدلة يدويا والمحملة بالقنابل الصغيرة، منذ سنوات، وقد اُسْتُعْمِلَت بشكل لافت خلال الحملة الأخيرة، لكن العام الحالي شهد منذ بدايته زيادة في استعمال تلك الطائرات الصغيرة التي تتميز بدقتها.
ويتجاوز عدد استهدافاتها في بعض الأيام العشر مرات خلال اليوم الواحد، ما سبّب التوتر والخوف على الحياة اليومية في شمال غرب سوريا، نتيجة التهديد الذي يتربص بالسكان بشكل مستمر، وفقا لما قاله محمد الرجب، مدير المديرية الثانية في الدفاع المدني السوري، لموقع حلب اليوم.
يقول الحاج أبو زهير النازح من ريف إدلب الشرقي، إنه سكن في قرية النيرب القريبة من بلدته التي تقع تحت سيطرة قوات الأسد، حيث يوجد لدى أحد أصدقاءه منزل قدمه له مجانا بدون مقابل، لكنه منذ استقر في تلك القرية عام 2020، لم يشعر بالأمان مع أفراد أسرته لتكرار القصف المدفعي والصاروخي.
إلا أن المسيرات الإيرانية – يضيف الحاج – باتت أكثر خطورة، حيث تلاحق السيارات والأفراد ومن الصعب الإفلات منها في حال كنت على أرض مكشوفة.
ولا يقتصر استهدافها للآليات السائرة على الطرق أو بالقرب من خطوط التماس،حيث استهدفت سيارة الحاج الشهر الفائت، وهي مركونة داخل سور البيت، ما ألحق بها خسائر مادية، ودفعه أخيرا لمغادرة المنزل نحو مدينة إدلب، حيث اضطر لاستئجار منزلين هناك لعائلته وعائلة ابنه وهو ما يعني زيادة في العبء المادي.
وفيما لا يزال الحاج أبو زهير قادرا على تحمل تكاليف النزوح، يوجد نحو 70,000 مدنيا معرضون للخطر اليومي وذلك فقط ضمن المناطق التي تبعد 9 كيلومترات عن الخطوط الأمامية، بسبب عدم توفر البديل أمامهم، وفقا لرجب.
ومن ضمن السكان هؤلاء يوجد نحو 22,000 نازح، لجأوا لتلك المنطقة بسبب انخفاض أسعار الإيجارات أو وجود بعض المساكن التي قد تكون مجانية مقدمة من الأهالي في حالات استثنائية رغم أن معظمها غير معد للسكن.
وبحسب بيان نشره منسقو استجابة سوريا، اليوم الخميس، فقد نزح نحو 4280 شخصا من البلدات والقرى القريبة من خطوط التماس في أرياف حلب وإدلب إلى مناطق آمنة نسبيا، بسبب المخاوف من انطلاق عمليات عسكرية.
كما طالب الفريق، كافة المنظمات بالتحرك الفعلي لمساعدة النازحين واللاجئين الوافدين إلى المنطقة.
ويؤكد مراسل حلب اليوم، أن الفصائل العسكرية لم تُبلغ أيا من السكان بمغادرة قراهم ومنازلهم، لكن هناك زيادة في التحركات على خطوط الجبهات، وأدى انتشار الأنباء حول رفع الجاهزية لمغادرة الآلاف.
يقول الحاج عبد الله القاطن في قرية سرمين شرقي إدلب، إن بعض المقاتلين المنضوين في فصائل عسكرية ممن يسكنون البلدة، أخرجوا أسرهم ونقلوهم لأماكن أبعد عن خطوط التماس، مما حذى بآخرين حذوهم، فيما يسود الصمت في أوساط القياديين، الأمر الذي يترك المدنيين في حالة من عدم اليقين بشأن أوضاعهم.
وحول ما إذا كان فريق الخوذ البيضاء قد أعد خطة استجابة طارئة تحسبا لاندلاع المعارك، قالت إدارة الدفاع المدني، لحلب اليوم، إنها على “جهوزية تامة للاستجابة لحالات القصف التي تتعرض لها المنطقة والحالات الطارئة التي من الممكن أن تحدث نتيجة القصف والتصعيد”.