أدت غارة أمريكية من طائرة مسيرة لمقتل قيادي بارز في تنظيم حراس الدين، أمس الجمعة، جنوب محافظة إدلب شمال غربي البلاد، وذلك ضمن سلسلة من الضربات الدقيقة التي تشنها واشنطن ضد التنظيم في المنطقة بين الحين والآخر.
وقالت القيادة المركزية الأمريكية، إن الضربة أودت بحياة القيادي الكبير في التنظيم أبو عبد الرحمن المكي، عضو مجلس الشورى، و”المسؤول عن الإشراف على العمليات الإرهابية من سوريا”.
وكان المكي، وهو سعودي الجنسية، قائدًا عسكريًا في فصيل “جند الملاحم” خلال عامي 2016 و2017، وهو الاسم السابق لتنظيم “حراس الدين” فرع القاعدة في سوريا.
وتشن واشنطن بين الحين والآخر ضربات محدودة جدا في المنطقة عبر صواريخ دقيقة، وفي الغالب غير محملة بالذخائر المتفجرة، وهي معدة لاستهداف الأفراد، وقد تركزت كافة تلك الضربات على التنظيم المذكور خلال الفترة الأخيرة.
وحول أسباب ذلك، قال العقيد إسماعيل أيوب المحلل العسكري والإستراتيجي، لموقع حلب اليوم، إن الولايات المتحدة الأمريكية تحارب هذا التنظيم وكانت هناك عدة عمليات ضده في إدلب وريف حلب، فطالما أنه على لائحة الاستهداف فإن واشنطن “سوف تستهدفه أينما وجد”.
تغيّر في لائحة الأهداف الأمريكية بإدلب
بعد عدة أشهر من طرد قوات الأسد من محافظة إدلب شمال البلاد، وسيطرة فصائل المعارضة عليها بما فيها المرتبطة بالقاعدة، تعرضت الأخيرة لعدة ضربات أمريكية عبر المسيرات مع تهديدات حاسمة من قبل واشنطن.
واستهدفت الولايات المتحدة جبهة النصرة في عدة ضربات، ثم “جبهة فتح الشام” التي نشأت عن جبهة النصرة عقب فك الارتباط مع القاعدة، ولكن بعد التحول المفصلي إلى “هيئة تحرير الشام” لم يتم تسجيل أي استهداف لها في إدلب.
ويقول العقيد أيوب إن ذلك مردّه إلى أن الهيئة موجودة وتحكم البقعة الجغرافية في إدلب وما حولها، ولكن ليس خارج سياق الأجندات الأمريكية.
وكان “جيمس جيفري” المبعوث الأميركي السابق إلى سوريا، قد أكد في تصريح عام 2021، أن زعيم هيئة “تحرير الشام”، “أبو محمد الجولاني”، أراد إيصال رسائل للولايات المتحدة والغرب حول عدم معاداته لهم، وأنها “قد وصلت بالفعل”.
وأكد أنه “بات مستقرا لدى دوائر صنع القرار في الولايات المتحدة أن استهداف أراضيها ومصالحها ومصالح الحكومات الغربية ليست على جدول أعمال قيادة ‘تحرير الشام’ “.
تزامنت تلك التصريحات مع ظهور الجولاني بمظهر جديد حرص من خلال على طمأنة الغرب، بما في ذلك لقاؤه مع صحيفة “واشنطن بوست”، والصحفي الأمريكي، مارتن سميث عام 2021.
وبحسب العقيد أيوب فإن سبب عدم وجود استهدافات أمريكية للهيئة نهائيا، رغم أن “هذا الفصيل مدرج على اللائحة السوداء للإرهاب”، يعود إلى كونه لا يعمل ضد المصالح الغربية، كما أنه لم يتجاوز الخطوط الحمراء التي تضعها واشنطن.
وتؤكد عدة تقارير محلية وجود توترات وخلافات ميدانية بين الهيئة وحراس الدين، لكن تفاصيلها لم تُعرف بسبب وجود حالة من التكتم والغموض، ومن الجدير بالذكر أن الهيئة اعتقلت المكي منذ صيف عام 2020 حتى ربيع عام 2022، دون أي إيضاحات حول ملابسات القضية وأسبابها.
حراس الدين والقاعدة
قال الجنرال مايكل إريك كوريلا، قائد القيادة المركزية الأميركية: إن الأخيرة “ملتزمة بهزيمة الإرهابيين بشكل دائم في منطقة مسؤولية القيادة المركزية الأميركية الذين يهددون الولايات المتحدة وحلفاءها وشركائها والاستقرار الإقليمي”.
ويُعتبر تنظيم حراس الدين أبرز قوة مرتبطة بتنظيم القاعدة بقيت في إدلب، ويقول كوريلا إنه “يشارك القاعدة في تطلعاتها العالمية لتنفيذ هجمات ضد المصالح الأمريكية والغربية”.
ويقول العقيد أيوب، إن “هذه التنظيمات – مع الأسف – أسستها الولايات المتحدة الأمريكية في ثمانينيات القرن الماضي، ودعمتها عندما كانت تحارب ضد الاتحاد السوفيتي، حيث كانت لها مصلحة في ذلك.. ولكن مثل أي تنظيم بعد ما تنتهي صلاحيته من قبل المشغلين يتم استهداف مؤسسيه”.
وشدّد على أن استهداف قياديي حراس الدين، تكون نتيجة، معلومات استخباراتية عالية الدقة، كما أن واشنطن ترغب في التخلص من هؤلاء القياديين بسبب “كمية المعلومات التي تكون لديهم”.
ولفت إلى وجود آراء كثير من كبار المحللين ممن بيتابعون شؤون تلك التنظيمات، والتي تقول إن من بين القياديين ضباط مخابرات أو مرتبطون مع أجهزة المخابرات العالمية، رغم أن بعضهم قد يكون حافظا للقرآن الكريم ظهرا عن قلب، لكنه “ينفذ أجندات معينة”، و”عندما يخرج هؤلاء عن الطريق المخصص لهم أو عن المهمة المخصصة لهم أو يوثر المنهج فيهم و ينسجمون مع أفكار التنظيم يصبحون أهدافا للولايات المتحدة الأمريكية سواء في إدلب أو في أي مكان”.
وكان المكي قد نجا منذ نحو 3 سنوات من محاولة اغتيال من طائرة تابعة للتحالف الدولي، راح ضحيتها مرافقه الشخصي مصعب كنعان أبو عمير، وقبل ذلك بنحو عام اعتقلته هيئة تحرير الشام بعد مداهمة منزله في مدينة جسر الشعور، إثر اشتباكات دارت مع تنظيم حراس الدين.
يشار إلى أنه كان من أبرز قيادات جبهة النصرة في أوائل تشكيلها وشغل فيها عدة مناصب قيادية قبل تعيينه قاضيا في محكمة “معرة النعمان” جنوب إدلب، لكنه أعلن انشقاقه عنها عقب انفصالها عن تنظيم القاعدة بقيادة الجولاني.