تتواصل مأساة اللاجئين السوريين في لبنان، مع استمرار الحملة الإسرائيلية على مواقع حزب الله، في جنوبي البلاد، حيث تدفقت أعداد كبيرة من النازحين السوريين واللبنانيين نحو سوريا، بسبب القصف الدموي والواسع.
ومع تلك الضغوط اضطر عشرات آلاف السوريين ممن كانوا يرفضون فكرة العودة، إلى التوجه نحو مدنهم وقراهم التي تسيطر عليها قوات الأسد والميليشيات الإيرانية، وذلك بالرغم من وجود خطر التصفية والاعتقال.
يقول الكاتب والمحلل السياسي اللبناني، إبراهيم ريحان، لموقع حلب اليوم، إن التقديرات تشير إلى أن أكثر من ٥٠ ألف لبناني وسوري توجهوا إلى الداخل السوري، وتقول المراجع المختصة إن ثلثيهم من السوريين.
ويوجد في جنوب لبنان عشرات آلاف السوريين، إذ لا تخلو قرية منهم، ومعظمهم كانوا يعملون في مجالات الصناعة والتجارة ومنهم أصحاب متاجر، وقد نزح عدد كبير منهم إلى مناطق أكثر أمنا في لبنان والقسم الآخر اختار الذهاب إلى سوريا، بحسب ريحان.
من جانبها قالت يمن حلاق الباحثة في الشبكة السورية لحقوق الإنسان، إن ليست لدى الشبكة تقديرات عن أعداد النازحين، ولكن المفوضية السامية لشؤون اللاجئين أكدت أن أعدادهم تبلغ نحو 100 ألف شخص 60% منهم سوريون و 48% منهم لبنانيون.
وأضافت أن معظم سكان الجنوب من اللبنانيين والسوريين نزحوا، منهم من نزح داخليا إلى المناطق الشمالية بلبنان، ومنهم من نزح خارجيا نحو سوريا.
فوضى النزوح لا تمنع الأمن من متابعة الاعتقال
وجد الكثير من السوريين أنفسهم مضطرين للعودة، رغم كل ما تحمله من مخاطر، حيث لم يعد البقاء هناك ممكنا بأي شكل، فيما توجد صعوبات معيشية جمة تحول دون انتقالهم لأماكن اخرى في لبنان.
وجعل ذلك الكثير من السوريين فريسة سهلة لسلطة الأسد وأفرعها الأمنية، وضباطها الذين يبتزون أموال اللاجئين من أجل التغاضي عن اعتقالهم حتى لو كان ذلك بدون سبب.
وحول ما إذا كانت حالة الفوضى على الحدود قد أسهمت في تخفيف الخطر عن اللاجئين وإشغال الأفرع الأمنية عن اعتقالهم، أكدت حلاق أن “الأفرع الأمنية في سوريا دائما ما تعمل، وأول انتهاك فعلوه على الحدود هو فرض تصريف 100 دولار على كل شخص من النازحين السوريين العائدين، رغم أن سعر التصريف المفروض هو بموجب سعر البنك المركزي ما يعني أن هذه المبالغ ستفقد 40% من قيمتها، فهم استقبلوا النازحين أولا بالانتهاكات”.
ونوهت بأن معظم العائلات السورية العائدة من لبنان إلى سوريا هي من الطبقات الفقيرة، والتي ليس لديها أساسا ما تدفعه.
أما في لبنان فإن “أزمة نزوح ما يزيد عن ٩٠٠ ألف لبناني من الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية باتت أولوية الأجهزة الأمنية والدولة اللبنانية، ما أدى ذلك لتخفيف الضغوطات التي كان يتعرض لها اللاجئون السوريون في الحملة التي كانت تهدف إلى الضغط عليهم ليغادروا إلى سوريا تحت حجة العودة الطوعية” وفقا للكاتب اللبناني.
ويبقى الخطر محدقا باللاجئ السوري بعد دخوله لبلده ووصوله لمنزله إن كان ما يزال موجودا، حيث أن الملاحقات الامنية لا تتوقف.
وبمجرد دخولهم إلى سوريا – تضيف حلاق – فلا شيء يمنع قوات الأمن من اعتقال بعضهم فورا، كما أن هناك مسألة التجنيد الإجباري، ويوجد الكثير من الشبان ممن دخلوا إلى سوريا وأعمارهم تحت الثامنة عشر، وسيُطْلَبُون فيما بعد للتجنيد بعد دخولهم لسن التجنيد، وكانت سلطة الأسد قد فعلت ذلك من قبل.
واللاجئون السوريون الذين كانوا يعودون من لبنان تم تجنيد نسبة كبيرة منهم إجباريا في قوات الأسد وهناك الكثير ممن اُعْتُقِل، ولا يشمل ذلك اللاجئين بلبنان فقط، فقد وثقت الشبكة السورية اعتقال أكثر من 4000 مدني بعد إعادتهم قسريا إلى سوريا.
وتؤكد حلاق أن “مسألة النزوح لا تنفي مسألة الاعتقال، ومن الممكن جدا أن يتعرضوا للانتهاكات في مراحل لاحقة حتى لو اجتازوا الحدود”.
هل قامت المنظمات الإغاثية بدورها؟
بدأت العديد من الجمعيات والمؤسسات الإغاثية تقديم المساعدات للبنانيين والسوريين، لكنّ المؤسسات المعنية باللاجئين السوريين تقدم هذه المساعدات منذ فترة ما قبل الحرب الناشبة حالياً، وفقا لريحان.
ويشير الكاتب اللبناني إلى أنّ الحرب شكلت عاملاً ضاغطاً على هذه المؤسسات التي كانت تُعنى بمئات الآلاف من اللاجئين السوريين وانضم إليهم عشرات الآلاف من اللبنانيين إثر موجات النزوح.
أما حلاق فتؤكد أن هناك أزمة حاليا، فلا اللبنانيون ولا السوريون يحصلون على الإغاثة اللازمة، “فمثلا هناك داخل لبنان كثير من الأشخاص ينامون حاليا في الشوارع وأغلبهم من النازحين السوريين”.
و”تقدم منظمات الإغاثة في لبنان بعض الأشياء الأساسية جدا مثل الماء وبعض المواد الغذائية، وحتى مسألة المأوى لم تُحلّ حتى الآن والناس نائمون بالشوارع في لبنان”.
وتؤكد حلاق أن منظومة المساعدات الإنسانية داخل سوريا فاسدة أساسا، و”الناس حتى قبل العدوان الإسرائيلي لا يصلهم في سوريا إلا الفتات من المساعدات الإنسانية؛ بسبب السرقة والتحييد والاستغلال الممارس من قبل سلطة الأسد”.
ومع وجود هؤلاء النازحين، فإن “مسألة الأزمة الإنسانية صارت أكبر من السابق، ومع الأسف فإن الشبكة لا تتوقع أن يكون هناك أي تحرك باتجاههم، ولا تتوقع أن يحصلوا على المساعدة المناسبة لاحتياجاتهم”.