مرّ أكثر من 50 شهراً على حالة التهدئة وتجميد الأعمال القتالية في مناطق السيطرة للقُوَى المحلية في سوريا، فيما لا تزال القُوَى الأجنبية الأربع التي تمتلك مواقع عسكرية لها على الأراضي السورية تحتفظ بهذه المواقع وتعززها.
وبحسب تقرير أعده مركز جسور للدراسات فإن تلك القوى تزيد من تعداد جنودها وفقاً لحاجتها وقدرتها، وجميع هذه القوى ترى أن أسباب تدخُّلها ووجودها العسكري ما تزال قائمة خاصةً مع استمرار أنشطة التنظيمات والميليشيات المصنَّفة بالإرهابية لدى بعض أو جميع هذه القُوى، وعلى رأسها تنظيم الدولة وحزب العمال الكردستاني والميليشيات الإيرانية.
وقد أفرز هذا الواقع حالة تهدئة قسرية على جميع الأطراف المحلية، وسلبها القدر الأكبر من قدرتها على التغيير أو اتخاذ القرار العسكري خارج مناطق سيطرتها.
وفي المجمل فإن روسيا ماتزال تحتفظ بجميع مواقعها في سوريا، كما أنّها انتشرت خلال الأشهر الأولى من عام 2024 في نقاط جديدة، ولأول مرة في محافظة القنيطرة المُطِلّة على منطقة الجولان، مما يمنح روسيا أداة قوة وضغط في أي مفاوضات لها مع إسرائيل.
كما لا تزال تمتلك توزُّعاً عسكرياً ذا قيمة إستراتيجية عالية بالنسبة لها فهو يركز بشكل كبير على الساحل السوري المُطِلّ على البحر المتوسط وفي معظم المنشآت والمراكز الإستراتيجية التابعة لسلطة الأسد، إضافة إلى شمال شرق البلاد الذي تتركز فيه معظم حقول النفط والغاز السورية، وتتمركز ضِمن جزء منه مواقع قوات التحالف الدولي مما يمنح روسيا أداة ضغط على الولايات المتحدة متاحة للاستخدام في أيّ وقت، وفقا للتقرير.
أمّا إيران فتسعى بوضوح للحفاظ على انتشارها العسكري الكثيف الذي يوجد في جميع مناطق سيطرة سلطة الأسد، فضلاً عن تَوْسِعته كلما سنحت الفرصة والظروف لتأمين الغطاء اللازم لأنشطتها الأمنية والاجتماعية والأيديولوجيّة داخل المجتمع المحلي ولتحصيل العدد والحصة الأكبر من أدوات الضغط على مختلف القوى الدولية الأخرى التي تنتشر على الأراضي السورية.
وتهدف إيران لضمان استمرار سيطرتها على الطريق البري الحيوي الذي يصل إلى لبنان، ويمنحها القدرة على تنسيق أعمال وأنشطة الميليشيات التابعة لها في جميع الدول التي يمر بها هذا الطريق وتعزيز هذه الميليشيات ودعمها عند الحاجة.
ومع الضربة القاصمة التي تلقتها ميليشيا حزب الله مؤخرا، والتحضير لاجتياح بري إسرائيلي، باتت كل جهود إيران التي بذلتها طيلة عقود مضت في مهب الريح.
وبالنسبة لتركيا فهي تركز على الانتشار العسكري في المناطق القريبة من الشريط الحدودي من إدلب حتى الحسكة مروراً بريفَيْ حلب والرقة، والذي تغلب عليه الطبيعة الأمنية، بما يعكس أهداف تركيا في سوريا المتمثلة بالدفاع عن أمنها القومي ضد نشوء كيان انفصالي على حدودها الجنوبية، وتأمين الحدود من هجمات وعمليات تسلل عناصر حزب العمال الكردستاني من جهة ومن موجات لجوء كبيرة عَبْر منع اندلاع مزيد من العمليات القتالية من جهة أخرى.
ولا تزال قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية متمسكة بانتشارها العسكري في سوريا، ويُلاحَظ قلة عدد مواقعها مقارَنةً مع بقية الفاعلين، لكنها تعتمد على القواعد العسكرية وليس النقاط الصغيرة، وبالتالي فإن وجودها العسكري نوعيّ وليس كمّيّ، ويركز على منطقة تُحقِّق لها أهدافاً إستراتيجية مثل مراقبة أنشطة خلايا تنظيم الدولة، والميليشيات الإيرانية بين العراق وسوريا، وضمان المشاركة في تطبيق حصار اقتصادي على سلطة الأسد عَبْر حرمانه من استخراج النفط وبيعه، والسماح فقط بإمداده بكميات بالحد الأدنى لضمان توفير احتياجات السكان الأساسية في مناطقها، بحسب جسور.
ولاحَظ التقرير زيادة التحالف الدولي لمواقعه بمقدار موقعين اثنين في محافظة الرقة بعد الانسحاب من المحافظة منذ تشرين الأول/ أكتوبر 2019 مما يعكس الرغبة في إعادة الحضور في هذه المنطقة وموازنته مع الوجود الروسي فيها وتعزيز البِنْية العسكرية والأمنية اللازمة لزيادة أنشطة المراقبة والملاحقة لخلايا تنظيم الدولة فيها.
بالمحصلة فإنّ الانتشار العسكري لجميع القُوَى الأجنبية في سوريا، بما فيها إيران لم يشهد أي تغيُّر جذريّ في مهامه أو قيمته أو حجمه أو غاياته ومع غياب أي مؤشرات تدلّ على حصول مثل هذا التغيُّر في المستقبل القريب، مما يعني استمرار حالة التهدئة وتجميد حدود السيطرة وخطوط التماسّ بين القُوَى المحلية.