خاص| ياسر العلاوي
كثر الحديث عن إعادة السوريين إلى بلادهم رغم أنها غير آمنة وذلك بعد سنوات من التهجير والنزوح واللجوء تسببت بها سلطة الأسد وممارستها شتى أنواع القتل والتعذيب ولاحقا الإفقار بحق السوريين.
وبعد أكثر من ثلاثة عشر عاماً ومع تنامي بؤر صراع في مناطق أخرى من العالم، أصبح المجتمع الدولي ينظر إلى سوريا على أنها صراع قديم “انتهت مرحلته الحرجة” أرسى قواعد اشتباك ومحاصصة على النفوذ والسيطرة بين ثلاث قوى رئيسية، هي سلطة الأسد وحلفائها (الساحل والجنوب ووسط سوريا) وقوات سوريا الديمقراطية وحلفائها (شمال وشمال شرقي سوريا) والجيش الوطني وحلفائه شمالي سوريا (شمال غربي سوريا)، مع الأخذ بعين الاعتبار وجود هيئة تحرير الشام في إدلب.
الرابطة السورية لكرامة المواطن “كرامة” أجرت استطلاعاً حول العودة إلى سوريا والانهيار الاجتماعي الاقتصادي شمل 3000 مواطن يعيشون في مناطق سلطة الأسد والإدارة الذاتية (مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية).
تقرير المنظمة الذي بني على نتائج الاستطلاع بيّن أن أكثر من نصف سكان سوريا -التعداد قبل الثورة- مازالوا يعيشون ظروف النزوح والتهجير، إذ أن 5.5 مليون لاجئ خرجوا من سوريا ويسكن أغلبهم في تركيا ولبنان والأردن ومصر والاتحاد الأوروبي، كما أن 7.2 مليون سوري آخرين نزحوا داخل البلاد.
وخلص الاستطلاع إلى أن 75% من السوريين في مناطق سيطرة سلطة الأسد يواجهون تهديدات أمنية مثل حالات الاعتقالات التعسفية والتجنيد الإجباري والعنف المرتبط بالنزاع.
المحامي محمد جوجة عضو فريق المناصرة في منظمة “كرامة” في حديث لموقع حلب اليوم قال “إن أهم الأسباب التي تمنع المهاجرين أو النازحين من العودة إلى سوريا هي الأسباب الأمنية المرتبطة بالخوف على النفس من الاعتقال والتعذيب التي مارسها النظام على فترات طويلة منذ عام 2011”.
وأضاف “إن استمرار الجرائم والانتهاكات بحق من يعارض سياسة النظام وعدم محاسبة مرتكبي الانتهاكات والجرائم المُثبتة، إضافة إلى عدم وجود رؤية وأفق للحل السياسي يؤمن بيئة آمنة وحل سياسي مستدام في سوريا كلها تعد عوائق تمنع عودة اللاجئين والنازحين إلى سوريا”.
الخبير الاقتصادي رضوان الدبس قال لموقع حلب اليوم “من الجانب الاقتصادي فإن أهم المعوقات أمام عودة اللاجئين والنازحين، عدم توفر البنية التحتية للخدمات الرئيسية مثل الكهرباء والماء والانترنت والاتصالات، وأيضاً عدم إعادة تأهيل المدارس والمستشفيات أوقف إلى حد كبير العملية التعليمية وتقديم الخدمات الطبية، أي بمعنى أدق عدم عودة الحياة الاقتصادية لشكلها الطبيعي”.
وبيّن الدبس أن القوانين والقرارات الاقتصادية المعمول بها في الوقت الحالي لا تشجع على العودة، كما أن السلسلة الاقتصادية متقطّعة في كثير من أجزائها لأسباب عديدة، مثلاً “انقطاع الكهرباء يتسبب عدم تشغيل المعامل في المدن الصناعية، وبهذا لن يكون هناك ناتج يصل إلى المحلات التجارية وبالتالي فإن الأسواق ستتعطل، وهذا يمكن إسقاطه على مجالات حيوية كالزراعة والنقل وباقي القطاعات الأخرى”.
استطلاع منظمة “كرامة” الذي شارك السوريون في مناطق سلطة الأسد فيه استدل أيضاً على أن 90% منهم يعيشون تحت خط الفقر ويعتمدون على المساعدات الإنسانية، وهو مؤشر على عدم دوران العجلة الاقتصادية وازدياد الهوّة بين الملّاك وأصحاب النفوذ من جهة والمواطنين من جهة أخرى.
وهنا يؤكد الخبير الاقتصادي رضوان الدبس على أنه “لا توجد مناطق آمنة اقتصادياً فإذا تحدثنا عن مناطق شمال غربي سوريا فإنها تشهد حركة تجارية لكنها غير منظّمة، هذه التجارة لا تخضع لقوانين أو مؤسسات معترف بها، كذلك مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية شرق الفرات فإنها لا تتمتع باعتراف ولا يمكن اعتبارها دولة قائمة”.
وأضاف الدبس “أن مناطق سيطرة سلطة الأسد هي المناطق الوحيدة التي يعترف بها المجتمع الدولي على أنها خاضعة لحكومة، إلا أن الممارسات الاقتصادية سيئة للغاية وفيها فشل اقتصادي من حيث الديون المتراكمة والعملة المنهارة وعدم وجود عمليات إنتاج وتصدير وممارسات أخرى تضر بالحياة الاقتصادية، ومن هنا يمكن القول إنه لا توجد منطقة آمنة ومنتعشة اقتصادياً، وهذا ما يفسر نسبة الفقر المرتفعة في عموم مناطق سوريا، خاصة في مناطق النظام الذي لم يستطع إصلاح سياساته الاقتصادية حتى الآن”.
في مسار آخر بيّن الاستطلاع تصرفات سلطة الأسد التي صدّرت نفسها كمنتصرة في الحرب المستمرة منذ عام 2012 مع محيطها العربي والإقليمي، وأيضاً استهدفت بعض الشخصيات في الدول العظمى بهدف كسب الحصة الأكبر في أي تسوية في سوريا، ودائماً كانت سلطة الأسد تظهر نفسها كضحية رغم تأكيد هيئات دولية مثل الأمم المتحدة وما يتبع لها من منظمات في جميع المجالات، ودول عظمى على رأسها الولايات المتحدة على أن الأسد هو المتسبب في الوضع السوري الحالي، وأن سلطته ارتكبت انتهاكات جسيمة بحق السوريين، كما أن الأمم المتحدة إلى جانب أمريكا أكدت أن سلطة الأسد مسؤولة عن استخدام السلاح الكيماوي عشرات المرات ضد المناوئين لها في سوريا، ومع هذا فإن دولاً إقليمية اتخذت مجال التطبيع مع الأسد طريقاً للوصل إلى حل، لكن حتى الآن لا بوادر تلوح في الأفق حول ذلك.
محمد جوجة أكد في هذا الصدد على أنه “لا يمكن القول إن هناك تطبيع من المجتمع الدولي، بل أن المجتمع الدولي ربط التطبيع بإنفاذ الحل السياسي بموجب القرار ٢٢٥٤، هناك بعض الدول ذهبت إلى التدرج في التطبيع مع النظام انطلاقاً من رؤيتها الخاصة لطريقة الحل وشكله في سوريا، بالطبع هذه مقاربة خاطئة ورؤية تعتبر بعيدة عن الواقع لكن بنفس الوقت لا يمكن اعتبارها قبولاً بتصرفات الأسد ونظامه”.
ومع نشوب بؤر صراع جديدة (حرب روسيا على أوكرانيا والحرب في غزة)، تراجع الملف السوري كثيراً من حيث الاهتمام الدولي وفي إطار المقارنة بين ما حدث في سوريا على مدى 13 عاماً وما يحدث في فلسطين “غزة” وتباين تعامل المجتمع الدولي وتعاطيه مع الأحداث في البلدين قال جوجة “في الواقع المهم هو إرادة الشعب السوري وإصراره على تحقيق العدالة ومحاسبة المسؤولين عن الجرائم المرتكبة، فبدون المحاسبة وتحقيق العدالة لا يمكن الحديث عن بيئة آمنة وسلام مستدام في سوريا”.
وأكد على أن “العدالة لم تجد طريقها حتى الآن في سوريا وما قبل حرب غزة لم تكن الإجراءات التي اتخذت كافية لمحاسبة الأسد ونظامه عن الجرائم المرتكبة، وإنما كانت خجولة وليست إجراءات رادعة لأسباب عديدة منها القانونية ومنها السياسية، لذلك لا يمكن القول إن الحرب على غزة ستكون سبباً في تغاضي المجتمع الدولي عن جرائم الأسد ونظامه”.
ويرى الخبير الاقتصادي رضوان الدبس أن الموضوع الاقتصادي ليس هو المشكلة الوحيدة أمام السوريين، وأن الاقتصاد هو جزء من الحياة السياسية للدولة وهنا نستطيع القول إن النظام لم يحقق ما وعد به من توفير بيئة آمنة للاجئين والنازحين خاصة مع استمرار عمليات الاعتقال وغيرها من الأعمال الأمنية، هذا يؤثر بشكل أو بآخر على الناحية الاقتصادية”.
حتى الآن لا يرَ السوريون الذين غادروا سوريا بعد عام 2011 نحو مجتمعات أخرى مختلفة مثل تركيا والاتحاد الأوروبي، لا يرون ما يشجع على العودة بسبب الظروف الأمنية المتردية والتراجع الاقتصادي الكبير، واختلاف مناطق السيطرة العسكرية، ظروف تؤجل عودتهم إلى سوريا الآن وحتى في المستقبل المنظور.