أصدرت حكومة الإنقاذ في إدلب شمال غربي سوريا، قرارًا بإحداث إدارة الأمن العام التابعة لوزارة الداخلية، ضمن سلسلة من اﻹجراءات التي تبعت الاحتجاجات الشعبية بالمنطقة، فيما تبقى المطالب اﻷساسية حول تبييض السجون معلّقة.
يأتي هذا القرار عقب المظاهرات الشعبية في إدلب والتي طالبت بحل جهاز الأمن العام وإطلاق سراح السجناء، وإسقاط الجولاني وإنهاء التحكم بالمعابر.
يرى الكاتب والصحفي السوري عقيل حسين في إفادته لقناة حلب اليوم، أن اﻷسباب الحقيقية للقرار واضحة وهي الضغوط الشعبية التي مورست ضد الهيئة وترافقت مع ضغوط داخلية بعد الكشف عن الجرائم والانتهاكات التي ارتكبها جهاز اﻷمن العام أثناء التحقيق مع عسكريي الهيئة الذين تم توقيفهم بتهمة العمالة، أما عن المرشح لقيادة الجهاز الجديد فقد رجّح أنه لن يخرج عن واحدة من الشخصيات النافذة في الهيئة لكونه موقعا مهما وحساسا جداً.
وتعمل الهيئة وحكومة اﻹنقاذ على تجنب الصدام مع الشارع، ومن ضمن خطواتها تلك غض النظر عن شهادات القيادة التي كان من المفترض حجز وتغريم كل من لم يستخرجها مع بداية الشهر الحالي، كما تجنبت التصادم مع المحتجين، وأطلقت سراح العديد من المعتقلين.
هل سيُنهي القرار جحيم سجون الهيئة؟
لم يوضح القرار ما مصير فرع الـ107 التابع للأمنية المركزية في مدينة إدلب والذي بات مصدر خوف للسكان المحليين، حيث تمارس عمليات التعذيب الممنهج، وانتزاع الاعترافات تحت الضرب، والاعتقال العشوائي للمناوئين لحكم الهيئة.
أما في سجن العقاب الذي يضم حوالي 14 معتقلاً ضمنه؛ فيعاني المعتقلون من معارضي الهيئة الأمراضَ التنفسية والجلدية بسبب صعوبة التنفس، والرطوبة العالية على الجدران فضلاً عن الحر والبرد.
وتم تحويل مداجن مهجورة في ريف إدلب الجنوبي وعلى أطراف جبل الزاوية إلى سجن مع مجموعة من المغارات التي تم تجهيزها جيداً للتعذيب و”الشبح” والضرب بـ”الكرباج” و”الدولاب” وغير ذلك من وسائل التعذيب.
ويقبع في “العقاب” ثوار وقياديون سابقون في الجيش الحر، إضافة إلى مستقلين معارضين لفكر “القاعدة” والتهم دائما “العمالة للخارج”.
وهناك الكثير من السجون الخاضعة للهيئة منها المعروف ومنها السريّ، لكن العقاب والـ107 هما الأكثر شهرة، وتعتمد الهيئة على جهاز اﻷمن العام في فرض سطوتها حتى على القياديين المنافسين للجولاني، وكان الجهاز قد اعتقل شخصيات محورية مؤخراً، ما أدى لخطر حدوث انشقاقات داخل صفوف الهيئة.
وحول ما إذا كان القرار الجديد سيغير شيئاً من هذا الواقع قال حسين لحلب اليوم، إن اﻷمر يتوقف على مدى جدية الهيئة في هذه اﻹصلاحات؛ هل هي شكلية أم أن الهيئة اتعظت من التجربة والانفجار الشعبي ضدها بحيث تعيد ترتيب كل اﻷرواق بما يلبي رغبات وتطلعات السوريين بمناطق سيطرتها؟.
ولم يوضح القرار مصير جهاز اﻷمن العام الذي يتمتع بسطوة مطلقة على مناطق سيطرة هيئة تحرير الشام، إلا أنه يعني ضمناً وضعه في إطار النظام الداخلي للوزارة والحكومة.
يقول الشاب “محمد .أ” لحلب اليوم، إنه واثق من وجود أخيه المفقود من أسابيع في سجون الهيئة، مضيفاً أن أسلوبهم المعتاد هو إخفاء معارضيهم قسرياً، ثم إنكار معرفتهم به.
وأوضح أن العائلة تعيش أياماً قاسية بسبب خوفهم الشديد على ولدهم من التعذيب، بل خطر الموت تحت التعذيب، بسبب معارضته العلنية للهيئة وانتقاداته العلنية لقيادييها، وهم متأكدون من أنه محتجز لدى الـ107، رغم إنكارهم ذلك.
تحوّل هذا الفرع إلى أداة ﻹسكات السوريين في إدلب، مع عناصر مدربين وملثمين ومُختارين بعناية من ذوي اﻷجسام الضخمة، كما يحرصون على استعراض قوّتهم بشكل مستمر، كما حصل مؤخراً يوم الجمعة الماضية حيث خرج استعراض لأمنيي الهيئة من الـ107 عند دوار الساعة، بالتزامن مع المظاهرات الشعبية الغاضبة.
هل ستتم تلبية المطالب فعلاً؟
قالت الحكومة إن قرار إحداث إدارة الأمن العام التابعة لوزارة الداخلية هو من ضمن مخرجات “جلسة قيادة المحرر مع النخب الثورية والمجتمع المدني بتاريخ 12/ 3/ 2024″، والتي اجتمع فيها الجولاني مع شخصيات عامة من الشمال السوري لمحاولة تهدئة الشارع.
من جانبه أكد حسين لحلب اليوم أنه على اطلاع بمخرجات الاجتماع وتفاصيله، موضحاً أن وقف الانتهاكات في السجون “يتطلب إصلاحا شاملا في السلطة بمناطق سيطرة الهيئة، وتلبية المطالب التي تقدم بها الثوار الذين خرجوا في الاحتجاجات وتقدموا بها خلال جلسات الحوار”.
وأضاف أن “الهيئة تتفاعل حتى اﻵن بشكل جيد مع هذه المطالب لكننا نتمنى أن تكون جدية في ذلك بما يضمن استقرار المنطقة وعدم دخولها في توترات جديدة”.
ويعني قرار إحداث إدارة الأمن العام، تحويله من جهاز مخابراتي أمني، إلى جهاز منضبط بقوانين وزارة الداخلية، وذلك نظرياً، وهو واحد من عدة وعود إصلاحية تضمنت العفو العام ولكن بشروط واستثناءات، وإلغاء رسوم عن الأبنية وإعفاء جزء منها وفق شروط، ودعوة لانتخابات مجلس الشورى العام، وتشكيل ديوان المظالم والمحاسبة.
وحول ما إذا كان ذلك سيضع حداً للانتهاكات في السجون، قال الكاتب والصحفي السوري المطلع على شؤون الجماعات الجهادية، إن هذا يتوقف على جدية هيئة تحرير الشام في أن تفي بوعودها التي أعلنت عنها حول اﻹصلاحات مع التوقع بتراجع مستوى الانتهاكات من قبل أمنيي الهيئة على اﻷقل في الفترة الحالية، مضيفاً: “وإن كنا نتمنى أن تتوقف تماما ويتحول عملها إلى عمل احترافي حقيقي لخدمة أهالي المنطقة وأمنهم”.
وأعرب عن أمله في أن لا تكون غاية الهيئة امتصاص ثورة الغضب ثم العودة إلى مسيرتها السابقة و”أن تكون استوعبت أن السوريين لا يرضون أبداً بحكم الحديد والنار”.