حلب اليوم | خاص
أفرجت هيئة تحرير الشام عن عدد من قادتها العسكريين، بعد اعتقالهم لأسابيع بتهمة العمالة لجهات خارجية، في خطوة أثارت جدلاً واسعاً، وعكست تخبطاً في قرارات الهيئة التي ادّعَت أنها اعتقلت شخصيات عدة بسبب ارتباطهم مع سلطة الأسد وروسيا والتحالف الدولي.
وُصفت الشخصيات التي أطلقت سراحها بـ”الرفيعة”، ومثّلت أعمدة لبناء الهيئة وجسوراً لعبور كل مخططاتها في السنوات الماضية، بعد أن كانت قد اعتقلتهم لشهور عدّة إثر تورطهم بـ”ملف العمالة”.
مصادر لقناة “حلب اليوم” قالت إن أبرز تلك الشخصيات هي: “أبو مسلم آفس – أبو خطاب الحسكاوي – أبو أسامة منير – أبو القعقاع فواز”، إطلاق سراح القادة بعد اعتقالهم، أدى إلى التشكيك برواية تحرير الشام الرئيسية وهي توجيه تهمة “العمالة” التي يكون مصيرها الهلاك والموت، وفق لما رواه المصدر المطلع لـ”حلب اليوم”، الذي أوضح أن الحادثة وضعت ملف اعتقال المتورطين وغيرهم أمام كثير من علامات اﻻستفهام التي لم تُفهم أبعادها بعد.
تؤكد مصادر حلب اليوم – التي تحفظنا عن ذكر اسمها لدواعي أمنية- أن تحرير الشام كذبت في الشهور الماضية في تفاصيل اعتقال الكثيرين، بتهمة العمالة، إذ قدمت روايات متضاربة حول هذا الملف، دون تقديم وعرض المتهمين لمحكمة مستقلة وشفافة.
أسود الوجه
المعروف عن “أبو مسلم آفس” بأنه يتمتع بشعبية كبيرة على الرغم من أنه ليس نظيف الكف، وفقاً لما وصفه “المصدر”، ما يرجح فرضية أن متزعم تحرير الشام “أبو محمد الجوﻻني”، كان يخشى عملية انقلابية ضده، وهو ما أكّدته الكثير من اﻻعترافات عن طريق التعذيب والشبح وغيره من وسائل انتزاع اﻻعترافات، على حد قول المصدر.
وأوضح المصدر -الذي يعمل مسؤولاً عسكرياً منذ ما يزيد عن سنتين في تحرير الشام- ليس كل من اعترف خضع للضغوط والممارسات ذاتها، وهذا الأمر أثار حفيظة العسكريين ضمن صفوف الهيئة، الذين انقسموا إلى ثلاث تيارات، «التيار الأول» توقف على الحياد، و«الثاني» أيد أبو محمد الجوﻻني وطالبه بالقصاص، أمّا «الثالث» فانتفض بعد التسريبات التي انتشرت بأن اﻻعترافات انتزعت بالقوة واستنفرت ﻹخراج العناصر المحسوبة ضمن صفوفها.
تَبِع الخروج بساعات قليلة، زيارة مفاجأة لـ الجولاني إلى جميع الشخصيات الرفيعة التي كانت ضمن سجونه، وهو ما تم نشره عبر وسائل التواصل الاجتماعي على أنواعها، الأمر الذي رجح تبعية هذه العناصر لتشكيلات ضخمة وقدرتهم على التأثير المباشر بهيكلية حكومة الإنقاذ التي تعتبر الواجهة المدنية لـ “تحرير الشام”.
تلك الزيارة حملت في جعبة الجولاني سلسلة من المكافآت والهدايا العسكرية القيّمة، ومنها وفقاً لرواية المصدر؛ “مسدس وآلاف الدولارات الأمريكية”، بالإضافة إلى إلقاء الذنب على جهاز الأمن العام بحجة (تسرع وأخطاء)، كما وتوعّد بمحاسبتهم.
إعدامات بالجملة
مصادر أخرى تسكن إدلب -فضلت عدم ذكر اسمها لدواعي أمنية- قالت لـ”حلب اليوم” إن حملة تبييض السجون من القيادات المتهمة بالعمالة جاءت بأوامر صادرة من الجولاني تحديداً، سبقتها بأشهر قليلة فقط وتحديداً مطلع تموز/يوليو، تنفيذ حكم الإعدام على بعض الشخصيات المعتقلة وذلك داخل سجن سري في بلدة قاح القريبة من الحدود التركية.
وقدّر المصدر أعداد المعدومين بـ 8 شخصيات عرف من بينهم المدعو “أبو إسلام الرقاوي” والذي كان يشغل مسؤولاً أمنياً في جهاز الأمن العام التابع لتحرير الشام، فيما أشار إلى أنه في السابع من تموز الماضي وصل رتلاً عسكرياً إلى بلدة قاح شمال إدلب، وكان يقل هؤلاء المعتقلين من الخلايا من دون معرفة أي تفاصيل عن هويتهم أو جنسيتهم بهدف تنفيذ حكم الإعدام عليهم.
وذكر المصدر ذاته أن السيارات التي وصلت إلى بلدة “قاح” كانت تتنوع بين “بيك آب وسنتافيه”، حيث خرجت من داخل سجن إدلب، وحملت بداخلها تلك الشخصيات وهي مكبلة الأيدي والأرجل ومغطاة بقماش أسود، ليتم تنفيذ حكم الإعدام عقب وصولهم إلى “قاح” ثم رميهم داخل مقبع حجري في محيط البلدة.
وعلى هذا الجانب، وصف الصحفي “فرات الشامي” المراقب للحركات الجهادية في منطقة الشرق الأوسط، أن الوضع اﻷمني ضمن صفوف تحرير الشام بـ”الهش”. واعتبر أن الجوﻻني ﻻ يزال قادراً على معالجة الموضوع، منوها إلى أن الجولاني يوصف بين معارضيه وغيره بـ”الثعلب”.
حجب الأخبار
في مطلع كانون الثاني الماضي، نشرت صفحات إعلامية مقربة “رديفة” من تحرير الشام صورةً جمعت العسكريين المذكورين بعد الإفراج عنهم مع قائد هيئة تحرير الشام أبو محمد الجولاني، ومسؤول الجناح العسكري أبو الحسن الحموي.
هذا الإعلام الرديف لـ”الهيئة”، هو ذاته من نشر في وقتٍ سابق أثناء اعتقالهم من قبل جهاز أمن تحرير الشام، وقال إنهم متهمون بـ”العمالة والتعامل مع غرفة عمليات دولية”، وهو ما أكّده أيضاً بيان رسمي صادر عن جهاز أمن الهيئة.
ولم يكتفِ الإعلام الرديف بنشر هذه العبارات فقط، بل نشر بعد أسابيع قليلة سلسلة من التطورات “المحجوبة” لسكان الشمال السوري والتي جاءت بعد الاعترافات، وتضمنت أن قضية القحطاني الذي وصفه بـ”العميل” بأنه مُجنّد من قبل غرفة عمليات دولية ورسم خطة لإنهاء الثورة والجهاد، بعد وعود للقحطاني بالمناصب واستلام المشهد في المناطق المحررة.
حملت السلسلة التي عرضها الإعلام المذكور أخبارا أن القحطاني جنّد لصالحه أشخاص عدّة في الشقين الأمني والعسكري، وهم من تم اعتقالهم أبرزهم: “أبو عمر تلحديا، وأبو صبحي تلحديا، وأبو مسلم آفس (المفرج عنه حديثاً)”.
وردت هذه الاتهامات والتطورات التي عرضها الإعلام الرديف في مقطع فيديو مدته 16 دقيقة، نُشر على قناة “تلغرام” ( تتهم بالتبعية للمكتب الإعلامي في الهيئة)، إﻻ أن الفيديو تم حجبه عن المتابعين، بعد إطلاق سراح المتهمين.
إغلاق الملف
في الـ26 من يناير/كانون الثاني، والذي صادف يوم الجمعة، أعلنت هيئة تحرير الشام عن انتهاء التحقيقات الخاصة بما أسمته بـ (دعوى الخلية الأمنية)، أو ما يعرف محلياً بـ”ملف العملاء” داخل الهيئة لصالح جهات خارجية، وكان من نتائج التحقيقات، الإفراج الفوري عن الموقوفين الذين لم ترتقِ الأدلة لإدانتهم أو ثبوت التهمة الموجهة إليهم مع أداء حقهم الشخصي، وحفظ الدعوى بحق بعض الموقوفين مع عدم كفاية الأدلة المقدمة ضدهم، وإدانة عدد من الموقوفين وإحالتهم إلى القضاء لمتابعة الإجراءات القانونية أصولا، وفقاً لبيان رسمي.
ومنذ شهر تموز الفائت، قادت تحرير الشام، حملت اعتقالات ﻷشخاص داخل صفوفها، اتهمتهم، بالتخابر مع الـ CIA وروسيا، وتوسعت التحقيقات المكثفة لتشمل قياديين في مناصب حساسة، وصلت إلى قيادات في الصف اﻷول.
وارتفعت أعداد المقبوض عليهم لما يزيد عن 300 عنصر وقيادي في المفاصل العسكرية والإدارية والإعلامية داخل الهيئة و”حكومة الإنقاذ”.
وكان جهاز الأمن العام أعلن في الـ 24 من حزيران الفائت اعتقال خلية تتبع لميليشيا “حزب الله” كانت تنشط في مناطق سيطرة المعارضة.
الأيام حبلى بالجديد
رأى الشامي أثناء حواره مع “حلب اليوم” أن ملف العمالة داخل صفوف “تحرير الشام” وإن أغلق صورياً إﻻ أنه أتى بضغط خارجي، فهناك إجماع داخل تحرير الشام، على اﻷقل من العناصر التي تعترض على سياسات الجوﻻني أن اﻷخير يحاول الحصول على ورقة اعتماد خارجية.
واستدلّ الشامي بتعزيز مارواه، بقصّة “أبو أحمد زكور” القيادي المنشق من الصف اﻷول، والذي كشف في تسجيلات صوتية تورط الجوﻻني وتحرير الشام في ملف العمالة، وهو ما ردّت عليه الأخيرة بمحاولة اعتقاله وتوجيه الاتهامات المشابهة له، منوّهاً إلى أن هذه الأزمة تحديداً لم تُحسم بعد بين الطرفين، وإنما تراجعت حدّتها بناء على اتفاق لم يكشف عنه بعد.
بعد فشل اعتقاله.."أبو أحمد زكور" يفضح تحرير الشام ويتوعدها pic.twitter.com/3fJswXUWpA
— Halab Today TV قناة حلب اليوم (@HalabTodayTV) December 20, 2023
وبعبارة “اﻷيام حبلى بالجديد” وصف “الشامي” الأيام القادمة على تحرير الشام التي تمر بمرحلة مفصلية، على حد قوله، لافتاً إلى أن مجريات أي عمل عسكري في حال حدوثه بإدلب، فهو الذي سيُقرر حقيقة العملاء داخل صفوف الهيئة.
خلاصة الكلام، يُجمع من تحدثنا إليهم في هذا التقرير أن تحرير الشام تعيش منذ قرابة 8 شهور أو ما يزيد عن ذلك بقليل، مرحلة خطيرة وتخبط في الصفوف وهو ما دفع الجولاني للهروب من المكاشفة، في ظل تداول ناشطون أنباء عن وجود شخصيات مهمة في الهيئة متهمة بالعمالة، وهو ما قد يسفر عن سحب الثقة العامة على كافة المستويات سواء المدنية والعسكرية التي تعيش في هذه الرقعة الجغرافية، في حال ثبوت الأنباء.