خلّف الفشل الذريع لهيئة تحرير الشام باعتقال القيادي “جهاد عيسى الشيخ” الملقب “أبو أحمد زكور” في مدينة إعزاز شمالي حلب، ليلة أمس الثلاثاء 19 كانون الأول، سلسلة فضائح كانت قد طوتها السنوات الماضية، على رأسها ملفات الاغتيالات والمهاجرين، وباتت قضايا الفساد تتكشف وتظهر على الملأ كـ”سقوط حبات المسبحة”.
وعلى إثر ما يحمل “زكور” في جعبته من ملفات فساد تجاه “الجولاني”، من شأنها أن تُهدّد مشروع الأخير للحكم والهيمنة على منطقة إدلب، والتي سُرب بعض منها عبر تسجيلات نشرها “زكور” عقب ساعات من تحريره من قبضة “تحرير الشام” على يد القوات التركية عند مدخل مدينة عفرين، وصف زكور بـ”الصندوق الأسود” للجولاني.
بعض التسجيلات التي سرّبها الناشطون لزكور، اعتبرها المتابعون بأنها أكبر انتكاسة لتحرير الشام وزعيمها “أبو محمد الجولاني”، كما أنها لم يسبق أن سجلت هكذا انتكاسة في تاريخ الثورة السورية على مدار الـ13 عاماً، بعد كل ماقدمه الشعب السوري من تضحيات ودماء وعذابات.
ولأن “زكور” بات ندّاً للجولاني وأحد المنشقين عنه وأكثرهم تاثيراً عليه، عجّل الجولاني بإنهاء قضية “زكور”، وتجرأ بعد ثلاثة أيام فقط من إعلان انشقاقه، بالدخول مناطق الجيش الوطني السوري واعتقاله من مقره الواقع في محيط مدينة إعزاز، والتي خلّفت إصابات بين صفوف الهيئة وعناصر موالون لـ”زكور”.
لماذا يخاف الجولاني من زكور؟
القيادي المنشق عن هيئة تحرير الشام” المدعو “أيو يحيى الشامي”، نشر على حسابه في منصة “تلغرام” جملة أسباب دفعت الجولاني للتحرك سريعا لالقاء القبض على زكور أو قتله.
وذكر الشامي أبرزها أن مخاوف الجولاني من زكور تكمن في أن “زكور” يستطيع بناء تكتل ودعوة وتأمين منشقين عن الهيئة، إذا فتح هذا الباب وكان آمناً بنسبة معقولة، كما أنه يبقى مثالاً حياً لقيادي من الصف الأول انشق ونجا، “سيسن السنة ويتبعها الكثيرون”.
وأوضح أيضاً أن “زكور” يستطيع بانشقاقه تخريب كل ما حققه الجولاني في شمال حلب، باعتباره على إطلاع وخبرة مسبقة في ملف تمدد الجولاني في المنطقة.
ولفت إلى أن “زكور” باعتباره مهندس صعود الجولاني، فهو يعتبر مستودع معلومات خطيرة، فإذا نشرها بطريقة هادئة ودقيقة يتضرر “الجولاني” على كافة المستويات الدولية والمحلية وداخل الهيئة ذاتها.
وتطرق الشامي أيضاً لارتباطات زكور الوثيقة مع العشائر السورية، والتي اعتبرها بأنها يمكنها أن تحرك مكوناً اجتماعياً مؤثراً في كل مناطق الثورة السورية، وأنه بإمكان زكور إزالة الهيبة والهالة الإجرامية التي صنعها الجولاني وأتباعه.
من قاد حملة الجولاني على زكور؟
يروي مصدر عسكري مطلع -رفض كشف إسمه- لحلب اليوم، أن حملة هيئة تحرير الشام لاعتقال “أبو أحمد زكور” قادها ابن عم “أبو محمد الجولاني” والذي يدعى “ويس الشرع” أو ما يعرف بـ”وسيم الشرع” والذي يعتبر المسؤول الأمني لتحرير الشام بالتعاون مع “أبو أحمد حدود” للمنطقة الشمالية لحلب (درع الفرات – غصن الزيتون)، اللذان تسلما الملف عقب عزل “أبو أحمد زكور”.
وأوضح أن حملة “الشرع” على القيادي المنشق “زكور” شارك فيها أيضاً ثلاثة قياديين آخرين وهم “أبو بكر مهين، وأبو بلال قدس، وأبو عدي سرايا”، لافتاً أن تعداد العناصر التي تجيشت لاعتقال “زكور” يُقدر عددهم بـ”250″ عنصر.
تفاصيل الحملة على زكور
شهدت ليلة الثلاثاء الماضية، اشتباكات عنيفة بمختلف الأسلحة الخفيفة والمتوسطة على أطراف مدينة اعزاز شمالي حلب، تبين أنها بين مجموعات تتبع لـ”هيئة تحرير الشام”، وقوات منشقة عنها بقيادة القيادي “أبو أحمد زكور” الذي فرّ قبل أيام لمنطقة اعزاز قبل ظهور الخلاف علانية بينه وبين الهيئة.
وبحسب مصادر مطلعة، فإن مجموعات عسكرية من قوات “النخبة” التابعة للهيئة، وصلت مساء الثلاثاء إلى مدينة اعزاز شمالي حلب، بمساعدة مجموعات من الجيش الوطني السوري التي تتعاون معها شمالي حلب، بهدف اعتقال “أبو أحمد زكور”، ما أسفر عن اندلاع اشتباكات انتهت باعتقال “زكور” وتوجههم إلى منطقة إدلب.
وأوضحت المصادر أن حاجز مدخل مدينة عفرين شمالي حلب، أوقف سيارات تحرير الشام وأقدموا على فك سراح “زكور” من قبضة الجهاز الأمني وتسليمه للجيش التركي، والذي بدوره نقله إلى منطقة “حور كلس” على الحدود السورية – التركية والتي تعتبر المربع الأمني لفصائل الشمال السوري.
خفايا وجرائم بحق الجولاني
حملت التسجيلات الصوتية التي نشرها “زكور” – التي نُشرت على مواقع التواصل الاجتماعي- جرائم “أبو محمد الجولاني وقيادات رفيعة في تحرير الشام”، من بينها ضلوع الجولاني بالتعاون مع أبو فراس السوري وقيادي آخر يدعى “أبو داوود’ في تفجير معبر “أطمة” شمالي إدلب، أثناء تبديل مجموعات الجيش السوري الحر، بالإضافة إلى تفجيرات سيارات مفخخة أخرى في مدينة الأتارب والفوج 46 غربي حلب، أثناء قتالهم مع مجموعات عسكرية من حركة نور الدين الزنكي.
وتوعّد أبو أحمد زكور خلال التسجيلات بكسر شوكة الجولاني شمال سوريا، وفضح جرائمه ومحاربته إعلامياً وعسكرياً وعشائرياً، وخلال التسجيلات أكّد زكور على أنه هو الشخص الوحيد الذي مهد الطريق أمام الجولاني ليكون زعيماً على هيئة تحرير الشام.
فرار زكور
منذ مطلع شهر كانون الأول الجاري، كثّفت هيئة تحرير الشام من حملة اعتقالاتها في أرياف إدلب، إذ داهمت منازلاً عدّة اعتقلت من خلالها عناصر يعملون في صفوفها، بينهم قادة عسكريين بتهمة التخابر مع التحالف الدولي وروسيا وسلطة الأسد، بيد أن تحرير الشام تحفظت على نشر أسمائهم أو التحدث عنهم.
وترافقت تلك المداهمات بفرار المدعو “أبو أحمد زكور” من منطقة إدلب إلى منطقة إعزاز ملتجأً صوب أبناء عشيرته، هرباً من قبضة جهاز الأمن التابع لتحرير الشام، خوفاً من مصير مشابه لرفيق دربه #أبو ماريا القحطاني”.
وعزّزت هذه الأنباء وقتئذٍ شهادات محلية من أهالي بلدة رأس الحصن شمالي إدلب، الذي أكّدوا أن مسلحين ملثمين يتبعون لهيئة تحرير الشام داهموا ليلة 12 كانون الأول الحالي، مزرعة أبو أحمد زكور، بالإضافة إلى مقرات مجموعات تتبع له في عدة مناطق أبرزها باتبو بريف حلب الغربي، وعقربات بريف إدلب الشمالي، بهدف اعتقاله.
وأكّد أيضاً وقتها هذه الأنباء ما نشره حساب أبو يحيى الشامي على منصة تلغرام والذي يشتهر بمتابعة أخبار تحرير الشام، أن مجموعات من تحرير الشام اقتحمت منزل أبو أحمد زكور بقيادة الأمني “وسام الشامي” المقرب من الجولاني، والذي يعمل عليه الأخير ليكون بديل عن “زكور”.
وأوضح الشامي حينها في منشوره أن قضية مداهمة منزل زكور ليست بهدف اعتقاله، بل قتله مباشرةً، مؤكداً صدور قرار في أروقة تحرير الشام بقتل زكور، بهدف طي جميع التكتلات التي تعارضه.
من هو أبو أحمد زكور؟
اسمه الكامل “جهاد عيسى الشيخ” ويُطلق عليه لقب “أبو أحمد زكور”، ويعد من أبرز القياديين في “هيئة تحرير الشام” وسابقتها “جبهة النصرة”، ولعب أدواراً مختلفة منذ تأسيسها عام 2012 على الأقل.
يشغل الشيخ منصبا قياديا في “هيئة تحرير الشام” بصفته عضواً في مجلس الشورى، وأميراً على قطاع حلب، والمشرف على المحفظة الاقتصادية للهيئة في الخارج وأذرعها المالية.
وتنوعت أدوار الشيخ بين عدة مناصب، منها منصب الأمير الأمني في “هيئة تحرير الشام” الذي تسلمه في آذار 2022، ومدير العلاقات العامة والتواصل مع القادة العسكريين والذي شغله في تشرين الأول 2022، بالإضافة إلى منصبه كمسؤول مالي للهيئة الذي تسلمه في شباط 2019، وفقاً لبيان صادر عن الخزانة الأمريكية.