عمر حاج حسين
“بمجرد تجوالك داخل المدينة تشعرك أنك انتقلت من بلد إلى بلد آخر”.. بهذه العبارة تختصر السيدة “آلاء.أ” التي عادت إلى منزلها في شهر آب الماضي في مدينة داريا غرب العاصمة السورية “دمشق”، بعد أن تم ترحيلها من ولاية غازي عنتاب التركية هي وابنتها “زينب”.
تُخطف عيناك أينما مشيت داخل المدينة وفقاً للسيدة “آلاء” إلى كلمة واحدة أواثنتين مكتوبة فوق أي لوح أو جدار من ركام أوأنقاض بناء اسمنتي وتتضمن إحدى الكلمتين “خطر – لا تقترب”، وهنا تدرك حتماً أن بداخل هذا الركام متفجرات أو أشياء مؤذية قد تؤدي للهلاك.
تبعد مدينة “داريا” مسافة 5 دقائق إلى مركز العاصمة، إذ تبعد قرابة 8 كيلومترات فقط من الجهة الغربية عن ساحة الأمويين وسط دمشق، وعلى الرغم من قربها الذي يعطي الاهتمام بها خدمياً طابع استقرار البلاد الذي تعمل على إظهاره سلطة الأسد منذ سنوات لعكس مستوى الأمان في البلاد، لكن سلطة الأسد تتعمد على هجر المنطقة خدمياً وفقاً للسيدة “آلاء”.
يُعزز ماروته السيدة آلاء التي التقينا بها داخل منزلها الذي تحوّل أجزاء منه إلى دمار إثر القصف، لقاءنا مع السيد “خالد.ع” الذي افتتح حديثه مع قناة حلب اليوم، بذكر آية قرآنية وهي قوله تعالى: (إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا)، ويُكمل هذا هو حال مدينة داريا، التي كانت من أوائل المناطق التي خرجت عن سيطرة سلطة الأسد وصرخت بوجهه مطالبة بالحرية وتغيير النظام المجرم الحاكم.
يقول السيد “خالد” إن المنطقة ذاقت جميع أنواع الويلات على يد آلة نظام الأسد العسكرية من قصف وتدمير حتى دخلوها في عام 2016 على كومة من الدمار والجثث ومنذ ذلك الحين بدأت مرحلة جديدة من المعاناة، لم تقم السلطات الحاكمة بإعادة إعمار أو تأهيل أي من الخدمات التي تعد أبسط حقوق المواطنين الموجودين هناك.
تنعدم خدمات المياه والكهرباء، وتغيب جميع ورشات الصيانة للطرقات والبنية التحتية للمدينة، بحسب “خالد”، ويشير إلى أن سلطة الأسد لم تكتف بذلك فقط، بل قامت بإطلاق عناصر موالين لها الذين يُعرفون في الحي (الشبيحة) ليقوموا بتعفيش وسرقة ما تصل إليه أيديهم.
وزاد حديثه على أن هؤلاء الموالون يستغلون عادةً عدم عودة عدد كبير من سكان الحي بسبب عدم استقرار الوضع الأمني، وخاصّة أن الحي اليوم لا يوجد بداخله سوى 30 بالمئة من إجمالي السكان فقط والذي قُدر قبل اندلاع الثورة السورية بـ255 ألف نسمة.
وبحسب إحصائيات المجلس المحلي للمدينة عام 2016، لم يتبق من سكان داريا بعد التهجير الذي فرضته سلطة الأسد وجماعات إيران الموالية له، سوى 12 ألف نسمة فقط.
واختتم “خالد” حديثه مع قناة حلب اليوم متسائلاً عن المدة الزمنية التي من الممكن أن تبقي حال داريا على ما هو عليه وإلى متى ستبقى سلطة الأسد وعلى رأسها سفاح قاتل باع الأوطان بما فيها لمحتلين أجانب كثمن للبقاء على كرسيه.
ويعود تاريخ داريا إلى ما قبل ميلاد المسيح عليه الصلاة والسلام، وتدل الآثار التاريخية على ذلك، حيث عثر على تمثال لإله الحب عند اليونان (آيروس)، وهو موجود في المتحف الوطني.
ويرتبط وجود المدينة بوجود دمشق التي هي أقدم عاصمة في التاريخ، أما اسم “داريا” فهو كلمة سريانية تعني البيوت الكثيرة، وهي مشتقة من كلمة دار، والنسبة إليها داراني.
لم تكتفِ سلطة الأسد بمعاقبة سكان المدينة بتدمير أحيائها وتهجير سكانها قط، يروي المسن “سالم.ع” البالغ من العمر (62 عاماً)لـ حلب اليوم أنه مع سماح سلطة الأسد لأهالي مدينة “داريا” بالعودة بعد منتصف عام 2018، بدأت عمليات بيع العقارات، لكن بأسعار أقل من القيمة الحقيقية والتي وصل بعضها إلى ربع ثمنها الحقيقي، وخاصّة مع صدور قانون رقم 10 الذي يسمح لسلطة الأسد الاستحواذ على أملاك المهاجرين الذين فروا من الحي إثر بطش الأسد.
وعلى إثرها، وصف الناشط الإعلامي المهجر من دمشق “فراس عز الدين” أن مدينة داريا تحديداً تتعرض لـ”غزو” من قبل ضباط ومسؤوليين لسلطة الأسد، إذ تشهد المنطقة منذ أكثر من عامين حركة بيع وشراء كبيرة والتي تتلخص عبر وسطاء مرتبطين بجهات أمنية.
وأشار إلى أن المشترين هم ضباط ومسؤولون لدى النظام كونهم يعلمون مصير المنطقة واحتمالات عودة سكانها الذين هجروا منها الذين صرخوا ضد إجرام الأسد، وعادةً ما تتم عمليات الشراء عبر سماسرة يتفقون مع مزورين لتسيير عمليات بيع وشراء وهمية، خاصة للعقارات التي هُجّر أصحابها من المدينة.
وفي نيسان/ أبريل 2023، نشرت وحدة التحقيقات الاستقصائية (سراج) تحقيقاً يكشف عن قيام شبكات أمنية سورية بعمليات تزوير في السجل العقاري لملكيات بيوت يعيش أصحابها خارج سوريا في واحدة من أكبر عمليات سرقة العقارات