أصدرت الشبكة السورية لحقوق الإنسان، اليوم الخميس 28 كانون الأول، تقريراً اتهم من خلاله “الهلال الأحمر السوري والأمانة السورية للتنمية”، بأنهم أدوات بيد سلطة الأسد في نهب المساعدات الإنسانية.
وجاء في التقرير أن رأس سلطة الأسد “بشار” سيطر منذ استلامه الحكم عام 2000 على العديد من المنظمات غير الحكومية الناشئة التي تتلقى دعماً دولياً مستداماً مثل الهلال الأحمر السوري، وذلك من خلال التحكم بتعيين الإداريين فيها وإبقاءها تحت سيطرته، لتكون مصدر دخل مادي مهم له.
وأوضح التقرير أنه بالتوازي مع سيطرته على هذه المنظمات أسست أسماء الأسد مبادرات ومشاريع مجتمعية عدّة، دمجتها لاحقاً تحت لواء منظمة “الأمانة السورية للتنمية”.
وأضاف التقرير أن سلطة الأسد استخدمت منظمتي الهلال الأحمر السوري والأمانة السورية للتنمية بهدف السيطرة على العمل الإغاثي، فقد أصبحتا بمثابة “قوة ناعمة” تساعد الأسد على تحقيق أهدافه، وبوابة للاستيلاء على أموال المانحين واحتكار الدعم الدولي، فقد فرضهما على وكالات الأمم المتحدة والدول المانحة ليكونا البوابة التي تتدفق من خلالها أموال المشاريع الإغاثية والتنموية.
وأوضح أن سلطة الأسد اعتمدت “الهلال الأحمر السوري، والأمانة السورية للتنمية” على وجه التحديد كواجهتين أساسيتين لتلقي أموال المساعدات.
وعلى إثر هذه الخطوات، يؤكد التقرير أن سلطة الاسد أجبرت وكالات الأمم المتحدة والحكومات المانحة في البداية على التعاون مع الهلال الأحمر السوري بشكل حصري ليكون الجهة المخولة باستقبال أموال المساعدات، إذ طالبت جميع الوكالات الدولية الإنسانية بتوقيع اتفاقيات ومذكرات تفاهم مع الهلال الأحمر السوري، تقتضي بعدم تنفيذ أي مشاريع أو القيام بأي زيارات ميدانية دون الحصول على إذن الهلال الأحمر أولاً، وفي وقت لاحق، انضمت الأمانة السورية للتنمية إلى الهلال لتكون وكالة أخرى لتلقي المساعدات.
وعن أسباب اختيار سلطة الأسد “منظمة الهلال الأحمر والأمانة السورية للتنمية”، بيّن التقرير أنها تعود لسببين؛ أولهما موثوقية حركة الصليب الأحمر والهلال الأحمر التي ينتمي لها الهلال الأحمر السوري، وثانيهما أن العقوبات المطبقة على سلطة الأسد ورموزه لا تشمل الهلال الأحمر الذي يتلقى دعماً مباشراً ومستداماً من أطراف دولية متعددة.
ووفقا للمنظمة فإن التقرير جاء عقب الأحداث التي خلفها زلزال شباط والتي كشفت عن عمليات نهب المساعدات الإنسانية من قبل سلطة الأسد، والتي وصلت إلى 90 بالمائة.
ولفت التقريرإلى أن سلطة الأسد بدأت بإلغاء الانتخابات في منظمة الهلال الأحمر مع بداية الحراك عام 2011، والاعتماد على تعيين الإداريين بشكل مباشر، وتزامن ذلك مع ضمان ولاء المتطوعين والموظفين في المنظمة وذلك عن طريق تجنيد المزيد من الموالين للأسد، مقابل إخماد صوت المعارضين في صفوف المنظمة باستخدام الوسائل القمعية المعروفة، ابتداءً مِن الفصل التعسفي، مروراً بالاعتقال والاحتجاز القسري وانتهاءً باستهداف سيارات الإسعاف التابعة للهلال بشكل مباشر وقتل المسعفين.
ووثق التقرير ما لا يقل عن 54 حالة اعتقال لمتطوعين في الهلال الأحمر، بينهم 3 سيدات، لا يزالون قيد الاعتقال/ الاحتجاز أو الاختفاء القسري ومقتل ما لا يقل عن 5 ضحايا بسبب التعذيب في مراكز الاحتجاز التابعة لقوات الأسد وذلك منذ آذار/ 2011 حتى تشرين الأول/ 2023.
وسجل التقرير مقتل 73 متطوعاً في الهلال الأحمر بينهم 7 سيدات على يد أطراف النِّزاع والقوى المسيطرة في سوريا، وذلك منذ آذار/ 2011 حتى تشرين الأول/ 2023.
وعن الاستراتيجيات التي اتبعتها سلطة الأسد في سبيل السيطرة على الهلال الأحمر كانت ضمان ولاءات الإداريين والموظفين على حد سواء من خلال سياسات التوظيف الفاسدة القائمة على المحسوبيات. وقد برزت المحسوبيات والممارسات التمييزية كواحدة من مظاهر الفساد الأكثر انتشاراً في الهلال الأحمر الذي بات أداة بيد سلطة الأسد لمكافأة الموالين له بتقديم المساعدات لهم حتى إن كانوا غير مستحقين لها، ولمعاقبة معارضيه عبر حرمانهم من المساعدات بغض النظر عن حاجتهم لها.
وبحسب التقرير فإن الهلال الأحمر السوري تواطأ مع سلطة الاسد عبر نشر على صفحته الرسمية تقارير سنوية ونصف سنوية عن المشاريع التي نفذها الهلال خلال فترة زمنية معينة، لكن هذه التقارير تفتقر بشكل واضح للمهنية المؤسساتية، والشفافية، وتكتفي بذكر عدد من المشاريع التي تم تنفيذها مقترنةً مع أعداد المستفيدين دون ذكر أي تفاصيل أو أدلة حول تلك المشاريع.
ماذا عن الأمانة العامة للتنمية؟
يقول التقرير إن أسماء الأسد حرصت منذ تولى زوجها السُّلطة عام 2000 على أن تبرز شخصيتها كفرد فاعل في سلطة الأسد، وأسّست العديد مِن المشاريع والمبادرات التي اندمجت جميعها تحت مظلة مُنظمة واحدة أطلق عليها الأمانة السورية للتنمية والتي حصلت في نيسان عام 2007 على الترخيص القانوني.
وأوضحت أنه منذ ذلك الوقت أدرجت الأمانة السورية في قوائم وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل وتم الترويج لها على أنها تدعم المبادرات المحلية، وتُعزِّز المواطنة النشطة وريادة الأعمال، وتدعو إلى مشاركة المجتمع المدني في صنع القرار ومسائل التنمية.
وأضاف التقرير أن الأمانة بسطت سيطرتها على أسواق حلب القديمة، وكذلك على التكية السليمانية التي تعتبر مركزاً للحرفيين في العاصمة دمشق، كما تحتكر الأمانة السورية للتنمية العديد من القطاعات الأخرى أهمها القطاع التنموي فبفضل صلاحياتها الحصرية تتلقى المنظمة القسم الأكبر من الأموال الدولية المخصصة لإعادة الإعمار أو التعافي المبكر، وتحتكر الإغاثة وتقديم الدعم القانوني للنازحين داخلياً عبر برنامج الاستجابة القانونية الأولية.
وذكر التقرير أن الأمانة السورية للتنمية تُعرِّف نفسها على أنَّها مؤسسة غير ربحية، إلاَّ أنَّ الوقائع التي تدحض هذا التعريف كثيرة للغاية، فقد استخدمت الأمانة كوسيلة للتربح المادي تحت غطاء العمل المدني والمساعدة الإنسانية. وحقَّقت الشركات المرتبطة بالأمانة أرباحاً طائلة على مدار سنوات مِن خلال العديد مِن الوسائل منها الفوز بمناقصات لمشاريع طرحتها الأمم المتحدة، وإدارة المشاريع الربحية. ولا تقدم الأمانة السورية للتنمية أي بيانات تتعلق بأرباحها أو مصادر دخلها، في غياب واضح للشفافية.
وعن أبرز مظاهر الفساد المنتشرة في الأمانة السورية للتنمية قال التقرير؛ إن الأمانة شكلت وجهاً مدنياً سلطوياً لسلطة الأسد، حيث عملت من البداية على تلميع صورته، بل والمساهمة أيضاً في التغطية على جرائمه.
وأكّد التقرير أن الأمانة السورية للتنمية عملت على حشد المسيرات المؤيدة للأسد في أكثر مِن مناسبة، وقادت العديد من المبادرات الدعائية والترويجية لسلطة الأسد، كما قامت أسماء الأسد بتمرير رسائل سياسية داعمة لسلطة الأسد في العديد من خطاباتها في المنظمة وخارجها، تحدثت فيها عن المؤامرات الخارجية، وعن قيادة زوجها الصامدة في وجه المؤامرات.
يشير التقرير إلى أن الأمانة تشرف على العديد من المشاريع الداعمة لقوات الأسد والمبادرات التي تشيد وتمجد ببطولاته، وتحاول الأمانة كسر العزلة الدولية المفروضة على الأسد في الخارج، فتشارك في المعارض في الإمارات العربية المتحدة وترسل نماذج من الصناعات اليدوية إلى إيطاليا وتحاول الانخراط في النشاطات الثقافية هنا وهناك، مع الحرص على ربط الثقافة والتاريخ والمجتمع السوري بصورة السيدة الأولى وزوجها.
وعرض التقرير ثلاث ممارسات في الأمانة السورية للتنمية تثبت غرق المنظمة في الفساد والمحسوبيات، أولها أن الأمانة تساهم بشكل واضح في دمج الأموال المخصصة للمساعدات الإنسانية في اقتصاد الحرب، عن طريق تخصيص جزء كبير من المساعدات لدعم المجهود الحربي.
وثانيها أن الأمانة تعمل بمثابة أداة لمكافأة الموالين وعقاب المعارضين عبر حرمانهم من المساعدات الدولية المتبقية التي لم تتم سرقتها، إذ تكرس المساعدات القادمة من الأمم المتحدة وغيرها من المانحين، لامتصاص الغضب الشعبي من الأحوال الاقتصادية المتردية في البيئة الحاضنة لسلطة الأسد، وتعمل من خلال هذه المساعدات على سد الفجوة التي باتت تتسع أكثر فأكثر بين سلطة الأسد والحاضنة الموالية له، وذلك عن طريق تركيز تحويل المساعدات للموالين بغض النظر عن الحاجة والاستحقاق.
واستنتج التقرير في ختامه أن سلطة الأسد استغلت الأموال المقدمة من الدول المانحة للمساعدات الإنسانية في احتكارات اقتصادية ساهمت في بناء ثروات شخصية لرؤوس السلطة، كما استفاد بشكل غير مباشر من التحويلات المالية التي كان يقدمها المانحون للفوز بمناقصات الأمم المتحدة للمشاريع الإنسانية المقامة في مناطق سيطرة الأسد.
وطالب التقرير الدول المانحة بالتأكد من وصول المساعدات إلى محتاجيها بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية وذلك عبر فرض آليات رقابة فعالة على المشاريع التي تمولها، والتواصل بشكل مستقل وحيادي مع المجتمعات المستفيدة من المساعدات للتأكد من وصولها لهم. كما طالبها بالتأكد من أن الشركاء المنفذين للمشاريع الإنسانية في سوريا غير خاضعين للعقوبات، وغير مرتبطين بشخصيات خاضعة للعقوبات أو متهمة بارتكاب انتهاكات جسيمة.
كما وأوصى المجتمع الدولي بإدانة هيمنة سلطة الأسد على المساعدات الإنسانية وفرض عقوبات عليه لانتهاكه قواعد القانون الدولي الإنساني، وتحويله منظمة بمكانة الهلال الأحمر إلى أداة تتحكم بها الأجهزة الأمنية وتخدم هدف إطالة عمرها.
كما طالب الأمم المتحدة برفض الالتزام بالوكالات الحصرية التي يحددها الأسد لإيصال المساعدات (الهلال والأمانة)، ورفض تحكم أجهزة الأمن بأنواع المشاريع التي يتم تنفيذها وهوية المستفيدين من هذه المشاريع، وغير ذلك من أنواع الابتزاز الذي تمارسه سلطة الأسد على وكالات الأمم المتحدة بهدف تسخير المساعدات لصالحه.