نساء كثيرات جداً وجدن أنفسهن وحيداتٍ أمام مسؤوليات جمة، بعد فقدان أزواجهن أو آبائهن وأقاربهن، مع الحرب القاسية والقصف الكبير وموجات النزوح الضخمة نحو الشمال السوري.
ووسط ظروف قاسية حتى على الرجال، يُضطر الكثير منهنّ إلى العمل في شتّى المجالات بسبب غياب اهتمام المجتمع والجهات المسؤولة عن إدارة الشمال المحرر.
تقوم “أمّ محمد” كلّ يوم بنشر بضائعها على الرصيف بعد فتح “الكشك” الصغير الذي استأجرته بالقرب من إحدى الحدائق في مدينة إدلب، لعلّها تستطيع كسب قوت يومها وإعالة أولادها الثلاثة.
وبالرغم من كونها غير سعيدةً ببيع اﻷلبسة المستعملة (البالة) على قارعة الطريق، إلا أنها تؤكد على عدم وجود خيارات أمامها.
تقول “أم محمد” التي تبدو عليها علامات الشحوب، في حديثها لـ”حلب اليوم“، إن وفاة زوجها في معتقلات سلطة اﻷسد، وانشغال أهله وذويه عنها وعن أولادها بسبب صعوبة ظروفهم وسفر معظمهم لخارج البلاد، تركها وحيدةً وحائرةً في خضم ظروف قاسية.
ويوجد في الشمال السوري مخيمات أنشئت خصيصاً للأرامل منذ منتصف عام 2012، قرب الحدود التركية، وتؤوي تلك المخيمات النساء فاقدات المعيل، ويتم تأمين وجبات يومية لهن في 24 تجمعاً.
وبحسب بيانات “حكومة الإنقاذ” العاملة في محافظة إدلب وريف حلب الغربي فقد بلغ عدد العائلات في هذه المخيمات 2495 عائلة، من أصل أكثر من مئتي ألف عائلة تعيش في أكثر من 1127 مخيماً في مناطق إدلب.
لكنّ الباحثة الاجتماعية “وضحة العثمان” قالت لـ”حلب اليوم” إنها ترى تجربة مخيمات اﻷرامل سلبيةً جداً، معتبرةً أنه كان من الواجب ترك هؤلاء النساء في حياة طبيعية وعدم فصلهن عن محيطهنّ الاجتماعي، وهو ما يحملهن ضغوطاً وأعباءً نفسية، باﻹضافة إلى أن تلك المخيمات تضمّ نساءً من خلفيات وبيئات متعددة وغير متجانسة.
كما أشارت إلى مشكلة عيش اﻷطفال الصغار ضمن تجمع معزول وهو ما قد يولّد عقداً نفسية واجتماعية لديهم، فضلاً عن مشكلة الاضطرار لانفصال اﻷطفال عن أمهاتهن عندما يكبرون.
تقول “سامية . ع” الفتاة العشرينية إنها ترفض حياة المخيمات وتُفضل العمل في محل لبيع اﻷلبسة النسائية لكسب قوت يومها بعرق جبينها من أجل إعالة بنتيها الصغيرتين.
لكنّها تواجه ظروفاً صعبةً في بيت “على العضم” استأجرته على أطراف المدينة، تعاني فيه مع أطفالها من قسوة البرد وحرّ الصيف، وتشعر بشكل دائم بالخطر على نفسها وأطفالها.
وتوجد نساء اضطررن للعمل في مهن غير مناسبة على الرغم من وجود الزوج والمعيل، وذلك بسبب ضعف الدخل اليومي والرواتب وغلاء المعيشة.
وتشير “العثمان” إلى أن هذا الواقع مرتبطة بغياب الفرص الاقتصادية سواءً للرجال أو النساء، حيث أن هناك نسبة كبيرة من العائلات التي تُعال من قبل النساء.
ومنذ إصابته في قدمه أصبح “أبو محمود” غير قادرٍ على العمل بشكل كافٍ يعيل معه أفراد أسرته، فيما ترتفع اﻷسعار بشكل مستمر.
هذا الواقع دفعه للقبول بعمل زوجته في الخياطة ضمن منزلها، حيث تبيع اﻷقمشة وتخيط اﻷثواب للنساء، مما يمكنها من دعم زوجها في معركة الحياة الصعبة في الشمال السوري المحرر.
تختار “أم محمود” أقمشةً نسائيةً مميزة، وتُساعدها شبكة معارفها من النساء على ترويج بضاعتها، حيث ينحصر نشاطها ضمن نازحي قريتها الذين لجأوا من ريف إدلب الشرقي إلى بلدة صغيرة غربي حلب.
وتُشير معطيات “منسقوا استجابة سوريا” إلى ارتفاع مستمر في حدّ الفقر، ونزول عدد جديد من العائلات شهرياً إلى قاع العوز، مع تدهور الوضع الاقتصادي وغياب الحلول.
ورغم أن التسوّل ظاهرة غير صحية لكن الباحثة السورية ترى أن من النساء من تُضطر فعلاً إلى ذلك، حيث تزداد ظاهرة شحاذة النساء بالتوسع والانتشار في الشمال المحرر، وهو ما تتحمّل المنظمات جزءاً من المسؤولية عنه، فهناك “خطأ فادح” تشير إليه “العثمان” تمّ ارتكابه خلال السنوات الماضية، يتمثّل في تقديم اﻹغاثة فقط بدون خلق فرص عمل، مما جعل البعض يعتاد على التسوّل.
وفيما يُلقي مراقبون باللوم على حكومتي “اﻹنقاذ” و”السورية المؤقتة” في تحمّل جزء كبير من المعاناة، يعتبر البعض اﻵخر أن حجم المسؤولية أكبر بكثير من قدرة تلك “الحكومات”.
تقول الباحثة السورية إنه كان من المفترض أن يتم اتخاذ إجراءات واضحة لتأمين حياة تلك النساء، وإن لم يتم تقديم رواتب فعلى اﻷقل يمكن تقديم سكن ومأوى وفرص عمل تحول دون دمار شخصيات تلك النساء أو اضطرارهنّ لسلوك غير مرغوب، كما يجب إعداد خطة أكثر جدية وواقعية تساعد النساء على تأمين فرص العمل وعيش حياة كريمة ضمن محيطهن الاجتماعي وليس في مخيمات معزولة.