كشفت وكالة “أسوشيتد برس” عن ترحيل اﻷمن العام اللبناني لنحو 200 من اللاجئين السوريين، وتسليمهم إلى نظام اﻷسد، بعد إنقاذهم من الغرق، قرب الشواطئ اللبنانية، مطلع الشهر الجاري.
وكان قارب صغير يحمل أكثر من 230 مهاجراً معظمهم من السوريين، قد انقلب في ليلة رأس السنة، بعد إبحاره من الساحل الشمالي للبنان، حيث يحاول عدد متزايد من اللاجئين السوريين والفلسطينيين، وأيضاً اللبنانيين مغادرة البلاد إلى أوروبا.
وتمكنت أطقم الإنقاذ من البحرية اللبنانية وقوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، من إنقاذ جميع الركاب باستثناء اثنين هما امرأة سورية وطفل، وفقاً للتقرير.
وبعد إعادتهم إلى الشاطئ في “طرابلس” نقل الجيش نحو 200 سوري ممن تم إنقاذهم في شاحنات، وألقى بهم على الجانب السوري من معبر حدودي غير رسمي في “وادي خالد”، وهي منطقة نائية في شمال شرق لبنان، وفقاً لما قاله بعض الناجين ومراقبي حقوق الإنسان.
ولم يتضح بعد من أمر بالترحيل، كما لم يستجب المسؤولون في الجيش والأمن العام، وهو الجهاز المسؤول عادة عن إدارة قضايا الهجرة؛ لطلبات متكررة من الوكالة للتعليق.
وبمجرد وصولهم إلى الجانب الآخر من الحدود، اعترض رجال يرتدون زي قوات النظام الناجين من القارب وقاموا بحجزهم في ظروف مزرية، ﻹجبار أفراد عائلتهم على دفع المال مقابل إطلاق سراحهم وإعادتهم إلى لبنان من قبل المهربين.
وقال “ياسين ياسين” البالغ من العمر 32 عاماً، وهو لاجئ سوري يعيش في لبنان منذ عام 2012: “كانت مسألة بيع وشراء للبشر”، مؤكداً أنه دفع 600 دولاراً لتقسيمها بين قوات النظام والمهربين، من أجل إعادة شقيقه إلى لبنان.
من جانبه؛ قال “محمود الديوب”، أحد الناجين من القوارب، وهو لاجئ يبلغ من العمر 43 عاماً من حمص السورية، إنه سمع خاطفيهم وهم يتفاوضون على سعر كل محتجز، مضيفاً بالقول: “لا أعرف ما إذا كانت قوات النظام أم المهربين”.
وأوضح أن 30 شخصاً كانوا هناك يحيطون بهم بالبنادق دون أن يعرفوا ما الذي يحدث، قائلاً إن “كل ما كنت أهتم به هو عدم نقلي إلى سوريا، لأنه إذا تم نقلي إلى سوريا، فقد لا أعود”.
ويقول مراقبو حقوق الإنسان إن قضية الناجين من القوارب هي منعطف جديد مقلق في جهود لبنان المستمرة لإعادة اللاجئين السوريين إلى ديارهم، وإن الحادث “يمثل تصعيداً واضحاً في عمليات الترحيل بينما يتصاعد الخطاب المناهض للاجئين”.
يستضيف لبنان حوالي 815،000 من اللاجئين السوريين المسجلين، وربما مئات الآلاف غير المسجلين، وهو أعلى عدد من اللاجئين بالنسبة للفرد الواحد في العالم.
وأشارت تقارير منظمات حقوق الإنسان إلى حالات إعادة اللاجئين المحتجزين قسراً والتعذيب، وهو ما نفته السلطات اللبنانية.
وحتى وقت قريب؛ كانت عمليات الترحيل تشمل في الغالب أعداداً صغيرة من الأشخاص وتم تنفيذها بموجب إجراءات رسمية، مما أعطى الأمم المتحدة وجماعات حقوق الإنسان فرصة للتدخل ووقفها في بعض الحالات.
وقال “محمد سبلوح”، محامي حقوق الإنسان اللبناني، إن ما حدث للناجين من القوارب هو “انتهاك لحقوق الإنسان والقوانين اللبنانية والمعاهدات الدولية”.
أما “ليزا أبو خالد”، المتحدثة باسم المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في لبنان، فقد أوضحت أن المفوضية “تتابع مع السلطات المعنية” بشأن القضية، داعيةً إلى أن تتاح الفرصة لجميع الأفراد الذين يتم إنقاذهم في البحر والذين قد يخشون العودة إلى بلدانهم الأصلية لطلب الحماية.
من جهته أكد “جيمي جبور”، عضو مجلس النواب عن منطقة “عكار الشمالية” أن دوريات الجيش عندما تعترض اللاجئين السوريين عبر الحدود فإنها غالباً ما تعتقلهم وتلقي بهم في المنطقة العازلة على الحدود، بدلاً من الشروع في إجراءات الترحيل الرسمية.
وبعد ذلك يدفع المرحلون ببساطة للمهربين لإحضارهم مرة أخرى، وفقاً لرواية “جبور” الذي يرى أنه “ليس من مهمة الجيش خلق فرص عمل للمهربين، فمهمة الجيش هي تسليمهم إلى الأمن العام.. ومن المفترض أن يسلمهم الأمن العام إلى السلطات السورية”.
ذكرت امرأة سورية من إدلب دخلت حديثاً إلى لبنان، و”تحدثت شريطة عدم الكشف عن هويتها خوفاً من الانتقام”، أنها أمضت ليلتين محتجزةً على الحدود قبل أن يدفع أقاربها 300 دولار لإعادتها إلى لبنان، مؤكدةً أنها “تفضل أن تلقي بنفسها في البحر وتموت” على أن تعود إلى سوريا مع وجود النظام.
وكشفت “ياسمين ليليان دياب”، مديرة معهد دراسات الهجرة في الجامعة اللبنانية الأمريكية، عن “طفرة” في عدد قوارب المهاجرين التي تغادر لبنان في أواخر عام 2022.
وأخبر البعض فريق المعهد من الباحثين أنهم غادروا بسبب الخطاب العدواني المتزايد ضد اللاجئين، كما كانوا يخشون من عمليات الترحيل.
يُذكر أن السلطات اللبنانية أوقفت إعادة اللاجئين السوريين بالتنسيق مع نظام اﻷسد، منذ شهر تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، وذلك على المستوى الرسمي، فيما تحاول إعادة إطلاق العملية.