حدّد الرئيس التركي في خطابه، أمس اﻷربعاء، معالم المنطقة التي سينطلق فيها الجزء البري من العملية العسكرية الجوية الواسعة، الجارية في العراق وسوريا، ضد كلّ من حزب العمال الكردستاني PKK وقوات “قسد”.
وأوضح “رجب طيب أردوغان” أن العملية ستكون على حدود بلاده مع سوريا، وداخلها، وستبدأ من مدينة “عين العرب” (كوباني) الحدودية، وتمتد نحو العمق حتى مدينتي “تل رفعت” و”منبج”، شرقي حلب.
وفي حال تمّت السيطرة على “عين العرب” والمثلث المذكور فستكون العملية عبارة عن حلقة وصل بين منطقتي “نبع السلام” شمال شرقي سوريا، و”درع الفرات” و”غصن الزيتون” وصولاً إلى إدلب، مما يجعلها تحمل أهمية خاصة قد تتوّج بها تركيا جهوداً استمرت لسنوات.
جبهة ضدّ الجيش التركي في العراق
منذ تسعينيات القرن الماضي حتى اليوم، خاضت القوات التركية عشرة عمليات عسكرية ضدّ حزب العمال الكردستاني PKK وقوات “قسد”، في سوريا والعراق، بدأت قبيل نهاية القرن الماضي، فضلاً عن عمليات متفرقة في منطقة “ديار بكر” شرقي تركيا.
وقد أطلقت أنقرة في مارس/ آذار 1995 عملية “الفولاذ” التي استمرت لثلاثة أشهر في شمال العراق بمشاركة نحو 35 ألف جندي، استهدفت من خلالها PKK بعد بدءه هجوماً على جنوب شرق تركيا من قواعد في شمال العراق.
وفي مايو/ أيار من عام 1997، أطلق الجيش التركي عملية “المطرقة” التي استمرت لنحو الشهر، قام فيها 30 ألف جندي بعمليات في شمال العراق، بالتعاون مع “الحزب الديمقراطي الكردستاني” بزعامة “مسعود برزاني”.
وبعد ذلك بأشهر بدأت القوات التركية في نهاية سبتمبر/ أيلول من العام نفسه بالعملية “فجر”، والتي دامت لنحو شهرين، شنّ فيها آلاف من جنود القوات التركية، هجوماً على معسكرات “حزب العمال الكردستاني” في شمال العراق، بدعم من قوة جوية.
وتوقّفت بعد ذلك العمليات العسكرية التركية لنحو تسعة أعوام، ثمّ تجددت نهاية شهر فبراير/ شباط من عام 2008، حيث بدأت العملية “شمس”، ضد قواعد في شمال العراق، استخدمها PKK منطلقاً للهجمات على تركيا، وكان قوامها نحو ثمانية آلاف جندي.
الولايات المتحدة خلقت جبهة جديدة ضدّ الجيش التركي في سوريا
سبّب الدعم اﻷمريكي لـ”قسد” ومساعدتها على إقامة كيان في شمال شرقي سوريا غضب اﻷتراك الذين وجدوا أنفسهم مضطرين مجدداً لخوض معارك ضد ذراع سورية نشأت تبعاً لـPKK في المنطقة.
ودخل أول جندي تركي للأراضي السورية في فبراير/ شباط من عام 2015، ضمن عملية “شاه الفرات”، حيث نقل الجنود ضريح “سليمان شاه”، الذي تعتبره أنقرة تابعاً للسيادة التركية، إلى موقع خاضع لسيطرتها قرب الحدود، مع إجلاء 38 حارساً كانوا مهددين من قبل تنظيم “الدولة”.
وفي أغسطس/ آب من صيف عام 2016 انطلقت عملية “درع الفرات” التي تمكنت من خلالها قوات تركية خاصة و1500 مقاتل من فصائل “الجيش السوري الحر” من طرد عناصر تنظيم “الدولة” و”قسد” من المنطقة الحدودية.
واستطاعت القوات التركية حينها السيطرة على المنطقة الواقعة بين “عفرين” و”منبج” بعد طرد “قسد” إلى شرقي نهر الفرات، وإخراج عناصر تنظيم “الدولة” من “جرابلس” و”دابق” و”الباب” على الحدود.
واستأنف الجيش التركي نشاطه شمال سوريا في يناير/ كانون الثاني من عام 2018، حيث أطلق عملية “غصن الزيتون” التي سيطر من خلالها على “عفرين”، بالاعتماد على قوة قوامها 25 ألف مقاتل من “الجيش الوطني السوري”.
وتوسّعت بذلك المنطقة الحدودية الآمنة الخالية من وجود “قسد” وتنظيم “الدولة”، حيث باتت “عفرين” شمال حلب متصلة مع مدينة “الباب” شرقيها، لكنّ جزءاً واسعاً من الحدود بقي مقلقاً بالنسبة ﻷنقرة.
وأطلق الجيش التركي نهاية أكتوبر/ تشرين الأول من عام 2019 عملية “نبع السلام” في شمال شرقي سوريا، حيث تمت السيطرة على منطقة جديدة ممتدة بين ريفي حلب والرقة، وتأسست “منطقة عازلة” بعرض 30 كيلومتراً.
العملية العسكرية العاشرة
دعت أنقرة فيما سبق اﻷمم المتحدة لدعم مشروعها للمنطقة اﻵمنة في “نبع السلام” من أجل إعادة اللاجئين السوريين إليها.
لكنّ تلك المنطقة بقيت معزولة قرب الحدود في شمال شرقي سوريا، ومنفصلةً عن “درع الفرات” حيث على الراغبين بالتوجه إليها من السوريين عبور مناطق سيطرة النظام و”قسد” وهو أمر مستحيل.
وستتيح السيطرة على “عين العرب” الواقعة على الحدود مع تركيا، إقامة وصل بين مدينتي “الباب” شرقي حلب و”تل أبيض” شمالي الرقة، مما يعني تعزيز “المنطقة اﻵمنة”، وإبعاد خطر “قسد” تماماً عن تركيا، باستثناء أقصى شمال شرق سوريا في ريف الحسكة.
وبدأت سلسلة عمليات “المخلب” في شمال العراق منذ نهاية أيار من عام 2019، حيث تحدّث “أردوغان” حينها عن “مفهوم أمني جديد في مكافحة الإرهاب”.
ومنذ أيام قليلة في العشرين من تشرين الثاني الجاري بدأت عملية “المخلب – السيف” التي اشتملت على شن ضربات جوية في شمال سوريا وشمال العراق، ردّاً على هجوم بقنبلة في “إسطنبول”.
وأكد الرئيس التركي أن تلك العملية لن تقتصر على الضربات الجوية، وأن عملاً برياً سيبدأ في الوقت الذي تراه بلاده مناسباً.
ويبدو أن تركيا استطاعت هذه المرة الحصول على ضوء أخضر أمريكي – روسي لعدم عرقلة عنليتها المرتقبة، حيث فتحت موسكو وواشنطن مجاليهما الجويين في سوريا أمام مقاتلات الـF-16 لضرب مواقع “قسد”.
وشنّت الطائرات التركية، أمس اﻷول الثلاثاء، غارات في محافظة “دير الزور” وهي المرة اﻷولى منذ بداية الحرب في سوريا، في مؤشر على تصاعد دور أنقرة.
وتبقى اﻷحداث الساخنة في شمال سوريا مفتوحةً على احتمالاتٍ شتى مع كثرة التداخل بين الجهات المسؤولة عن الملفات بالغة الحساسية والتعقيد في هذه المنطقة.