أصدرت عدّة ألوية من حركة “أحرار الشام”، منذ أيام، بياناً بعزل القيادة السابقة، على وقع خلافات داخلية بسبب عدّة ملفات، من ضمنها موقفها من “هيئة تحرير الشام” وهجومها على “عفرين”، ما يفتح الباب أمام ما تصفه الحركة بـ”تصحيح المسار”، بعد سنوات من التشتّت والضعف.
وقالت الألوية والكتائب إنها مضطرة لعزل قائد الحركة “عامر الشيخ”، و”ستنزع الشرعية من القيادة الحالية التي لا تمثل أحرار الشام”، داعين بقية الفصائل والكتائب في الحركة للالتحاق بهم.
وعيّن الموقعون “يوسف الحموي” الملقب بـ “أبو سليمان” قائداً عاماً للحركة، بعد حل مجلس القيادة الحالي، والاتفاق على “تشكيل مجلس قيادة جديد وفق ميثاق الحركة، ومنطلقاتها”، من أجل “إعادة الحركة لمسارها القويم”.
هل حظي البيان باﻹجماع؟
في إفادته لموقع “حلب اليوم” قال “حسام سلامة” القيادي السابق في “جبهة تحرير سوريا” وحركة “أحرار الشام” إن “اﻷغلبية الساحقة من أبناء الحركة وافقوا على القرار اﻷخير، وإذا تكلمنا عن الفاعلية فإنهم يمثلون كل الحركة، دون مبالغة”.
ولفت “سلامة” إلى أهمية تعليق “غالب تجمعات الحركة في محافظة إدلب وألويتها” لعضويتها مؤخراً.
وكانت ألوية من الحركة في إدلب قد علّقت عضويتها على خلفية الهجوم الذي شنّته “هيئة تحرير الشام” على عفرين في شهر تشرين الأول الماضي، اﻷمر الذي شكّل إحدى أسباب التحرك اﻷخير.
واستدرك “سلامة” بأن “هناك أطرافاً وكتلاً في الساحل وبعض المناطق، لم توافق على ذلك وهي باﻷصل تقف مع القيادة الانقلابية”، لكن الغالبية من أبناء الحركة تقف مع البيان المذكور.
الجذور واﻷسباب
كانت الحركة قد تعرّضت لهزّة عنيفة منذ اغتيال قائدها السابق “أبو عبد الله الحموي” و47 من قادة الصف اﻷول والثاني، في التفجير الغامض الذي وقع شمال إدلب، عام 2014.
ثمّ انحسرت الحركة بشكل كبير بعد هجوم “جبهة فتح الشام” (هيئة تحرير الشام حالياً) عليها وطردها من إدلب وانتزاع سيطرتها على معبر باب الهوى.
كما أخرجت الهيئة من تبقى من أفراد الحركة بمنطقة سهل الغاب غربي حماة، عام 2019، باتجاه “عفرين” شمال حلب.
ومع ظهور “حسن صوفان” من الجناح العسكري، المعروف بقربه من “أبو محمد الجولاني”، وفرضه لقراره على قيادة الحركة السابقة المتمثلة بـ”علي جابر باشا”، ورفض الكثيرون داخل الحركة لـ”صوفان”، انتقلت “أحرار الشام” إلى مزيد من التشرذم والضعف.
وتسلّم “عامر الشيخ” الملقب بـ”أبو عبيدة”، قيادة “حركة أحرار الشام”، مطلع عام 2021، بعد حل الخلاف بين القيادة التي سبقته، وبين مجموعة من المعترضين بقيادة “صوفان” والنقيب عناد درويش “أبو المنذر”.
وفي ظل تصاعد الخلافات داخل الحركة، حيث كانت القيادة السابقة قد أعلنت أنها “برئية” من عدّة قياديين، وذلك عبر معرفاتها الرسمية، حدث الهجوم المفاجئ للهيئة على ريف حلب، وهو ما اعترضت عليه تكتلات “أحرار الشام” المتبقية في إدلب، وردّت بتعليق عضويتها احتجاجاً على ما جرى.
لكنّ القيادة السابقة المتمثلة بـ”عامر الشيخ” والجناح العسكري المقرب من “صوفان” ردّت بفصل أعضاء من مجلس قيادة الحركة، وكان ذلك بمثابة “الشعرة التي قصمت ظهر البعير”، وتولد عنها بيان باختيار قيادة جديدة بديلة عن التيار المقرب من “هيئة تحرير الشام” والمتّهم بالتبعية وفقدان القرار.
هل ستغيّر هذه الخطوة من مسار الحركة؟
يرى “سلامة” أن هذه الخطوة “كان لابد منها ﻹنقاذ الحركة فهي في زمن القيادة السابقة كانت أداة بيد البعض لم يبق لها أي وجود حقيقي أو قرار حقيقي”.
وحول أسباب التأخر في اتخاذ القرار لفت القياديّ السابق بالحركة إلى أنه حصل نتيجة عدة أمور، “فالصورة لم تكن واضحة لدى كلّ أبناء الحركة كما أن اتخاذ هكذا قرار لابدّ له من التريث، إذ إن اﻷمر له تبعات، فضلاً عن محاولة بعض اﻷطراف منع ذلك”.
ووقّع على البيان كل من لواء الإيمان (محافظة حماة) ولواء الخطاب (سهل الغاب)، وقوات النخبة في لواء العاديات (سهل الغاب)، ولواء الشام (دمشق)، وكتيبة الحمزة (إدلب).
وأوضح الموقعون أن هذا القرار جاء بعد “رفض النصيحة” و”قصر النظر الممتزج بالعناد والكبر”، وتهديد القيادة للمعترضين عليها والاستعانة بـ”أطراف وقوى أخرى، مستغلين اﻷحداث التي عصفت بالشمال”، في إشارة إلى الهجوم اﻷخير باتجاه ريف حلب.
وحول مستقبل الحركة يرى “سلامة” أنه من الصعب التنبّؤ به ولكن “هذه الخطوة هي الخطوة الصحيحة لاستنقاذ ما يمكن استنقاذه من الحركة”، فيما بدا واثقاً من أن “المستقبل سيكون أفضل بكثير من الوضع الذي كانت تسير إليه القيادة السابقة”.
ويتألف مجلس القيادة الجديد من “أحمد الدالاتي” الملقب بـ”أبي محمد الشامي”، والرائد “حسين العبيد” الملقب بـ”أبي صهيب”، و”باسل إبراهيم” الملقب بـ”أبي عبد الرحمن الغاب”، و”علاء الجودي” الملقب بـ”أبي عمر توبة”، و”أحمد جنيد” الملقب بـ”أبي بكر إدلب”، إلى جانب كل من “أبي سليمان الحموي” و”أبي عمر الساحل”.
وعلى العموم فإنه لا يمكن النظر إلى “أحرار الشام” بمعزل عن باقي الفصائل والتكتلات العسكرية بالشمال السوري، والتي تعاني من مشاكل متشابهة تتمثل في حالة التشرذم وفقدان القيادة والمرجعية الحاسمة والموحدة، فهل ستتمكن الحركة من تجاوز هذه العقبة؟