لا تزال قضية اغتيال الناشط الإعلامي “محمد أبو غنوم” وزوجته الحامل، في مدينة الباب بريف حلب الشرقي، تلقى جدلاً وتفاعلاً بعد مضى قرابة شهر على وقوعها، فيما يطالب النشطاء بالكشف عن مرتكبي الجريمة والقصاص منهم.
وكانت “فرقة الحمزة” التابعة لـ “الجيش الوطني السوري”، قد أقرت بتبعية عناصر الخلية المتهمة بالاغتيال لكوادرها، معربةً عن أسفها لذلك ومعلنة تبرئها من كل من يثبت تورطه في هذه الجريمة.
وبثّّ “الفيلق الثالث” التابع لـ”الجيش الوطني”، اعترافات الخلية المسؤولة عن عملية الاغتيال منذ نحو شهر، حيث ظهر أحد عناصرها المدعو “أنور سلمان”، وشرح تفاصيل مراقبته للناشط، وقال إنه يعمل لصالح فرقة “الحمزة” (الحمزات)، في قطاع “الباب” تحت إمرة “أبو سلطان”، وأكد أنه تلقى تعليمات مباشرة من شخص يدعى “أبو هيثم” بمراقبة الناشط “محمد أبو غنوم”.
وفي ردّه على سؤال من “حلب اليوم” حول ما وصلت إليه التحقيقات قال “سراج الدين عمر” المتحدث باسم “الفيلق الثالث” إن “الشخص الرئيسي في القضية وهو المدعو أبو سلطان ما يزال محتجزاً لدى الشرطة العسكرية”.
وأكد أن الشرطة العسكرية “هي التي تحقق معه وتجمع المعلومات”، مؤكداً أن كلّ ما يتوفّر لدى الفيلق من تفاصيل “أعلنها للرأي العام منذ البداية”.
الشارع يسأل
أعلن نشطاء من الحراك الثوري في مدينة الباب، في بيان، نهاية الشهر الماضي، أنهم يطالبون بالكشف عن مصير التحقيقات التي بدأت منذ شهر، داعين لعدم نسيان القضية.
وقال “معتز ناصر” الناشط الثوري بمدينة “الباب” لـ”حلب اليوم” إن “الغموض في التحقيقات لا يزال سيد الموقف”، بعد مضي أكثر من شهر على اغتيال الناشط وأسرته.
وأضاف أنه “رغم انكشاف الخلية الإرهابية التي قامت بالجريمة، وتبعيتها المباشرة لأمنية فرقة الحمزة وقيادتها، ونشر اعترافات أولية للمنفذين، لكن حتى اليوم لم تقم المؤسسات المعنية بمكاشفة الناس بحيثيات القضية، ولم تنشر اعترافات متزعم هذه الخلية الإرهابية المدعو أبو سلطان رغم توقيفه منذ حوالي شهر”.
وفي إجابته على سؤال حول مبررات التأخير من وجهة نظره، اعتبر “ناصر” أن “المبرر الوحيد الذي يظنه الشارع هو تورط جهات كبيرة بجريمة الاغتيال الإرهابية، والرغبة من هذه الجهات بتطويق القضية، وتمييعها، واختصارها ببعض الصغار كأكباش محرقة”.
كما أشار إلى أن الشارع لم يلمس جدية في التعاطي مع القضية من قبل “غالب الجهات الرسمية”، وهو ما “يدفع للاعتقاد بأنها مشاركة بالجريمة ومتواطئة مع المجرمين بشكل أو بآخر”، متسائلاً: “وإلا فما سبب هذا السكوت المريب، وعدم مصارحة الشارع الثوري بالحقائق؟!”.
كيف بدأت القضية؟
قتل مسلحون مجهولو الهوية الناشط عبر إطلاق الرصاص عليه وهو يستقل دراجته مع زوجته في مدينة “الباب” التي شهدت إضراباً عاماً، حداداً على مقتله.
وكان قد تعرض في وقت سابق خلال شهر أيلول الماضي لاعتداء من قبل عنصر تابع لـ”فرقة الحمزة”، خلال مشاركته باحتجاج شعبي أمام مركز للشرطة العسكرية، على خلفية حادثة مداهمة منزل مساعد في شعبة مكافحة المخدرات في المدينة والمطالبة بمحاسبة المتورطين في القضية.
وأعلنت القوى الأمنية التابعة لـ”الفيلق الثالث”، في العاشر من تشرين اﻷول أنها تمكنت من التعرف على المتهمين بتنفيذ عملية الاغتيال حيث تبين أنهم يتبعون لـ”فرقة الحمزة”.
وسرعان ما تطوّرت القضية حيث اندلعت اشتباكات عنيفة بين مكونات “الجيش الوطني”، بعد محاولة “الفيلق الثالث” اعتقال عناصر خلية الاغتيال، لتتدخل “هيئة تحرير الشام” إلى جانب “فرقة الحمزة”، وتسيطر على أجزاء واسعة من ريف حلب شملت مدينة “عفرين” و”جنديرس” و”كفرجنة”، في اشتباكات أوقعت ضحايا من المدنيين، قبل أن تتدخل القوات التركية وتجبرها على الانسحاب.
وكانت والدة الناشط قد ناشدت في مقطع مصوّر، نهاية الشهر الماضي، بمحاسبة الخلية المسؤولة عن اغتيال ولدها متعجّبةً من حضور قيادة “الحمزة” لبيت العزاء بعد قتله، كما تساءلت عن “الذنب الذي اقترفه ولدها حتى يقتل هو وزوجته وطفلهما، الذي لم يولد بعد”.
وتعهدت بأنّها “لن تتنازل عن قضية محاسبة الفاعلين والقصاص منهم”، مؤكدةً أنّ ولدها كان يسعى إلى “فضح المجرمين”.
وختاماً فإن الناشطين والشارع بريف حلب لا يعتبرون القضية متعلّقة بشخص الناشط المتوفى بقدر ماهي تمسّ الحراك الثوري بالمنطقة، حيث يتعّرض العديد من الناشطين لمضايقات وتهديدات بل ومحاولات اغتيال، وتبقى معظمها “ضدّ مجهول”.