غادر “ميشال عون” القصر الرئاسي في “بعبدا” يوم أمس الأحد، وسط استمرار ﻷزمة تشكيل الحكومة، وما يتّصل بها من فشل اقتصادي وسياسي، وخطر انهيار شامل يحيط بالبلاد.
وكان “عون” قد تولّى الرئاسة في عام 2016، بعد التحالف مع “حزب الله” والسياسي المسيحي الماروني “سمير جعجع”، في اتفاق أعاد حينها “سعد الحريري” رئيساً للوزراء، لكنّ اﻷخير ترك منصبه فيما بعد ليبقى شاغراً حتى اليوم.
ووقعت أحداث مهمة خلال سنوات رئاسة “عون” الستة، أبرزها انفجار مرفأ “بيروت” الذي اتهم به “حزب الله”، فيما حرص الرئيس على عدم ترك منصبه قبل إنجاز مهمتي ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل، والبدء بإعادة السوريين.
وتحكم البلاد حكومة انتقالية منذ أكثر من ثلاث سنوات، وكان “عون” قد كلّف رئيس الوزراء منذ ستة أشهر بتشكيل حكومة، لكنّ جهوده لم تُفلح.
ويتّهم منتقدو الرئيس المسيحي بتمكين الفساد في البلاد، ومساعدة “حزب الله” على كسب مزيد من النفوذ داخل الدولة، وسط حالة من الانهيار المالي غير المسبوقة.
وكان عون قد وصل إلى الرئاسة عبر بوابة الحرب الأهلية التي اندلعت بين عامي 1975و1990، حيث شغل منصب قائد الجيش اللبناني ورئيس إحدى حكومتين متنافستين، قبل أن ينفيه حافظ اﻷسد من لبنان.
وعاد إلى “بيروت” بعد 15 عاماً قضاها في المنفى، بعد انسحاب قوات نظام اﻷسد، وذلك عقب اغتيال رئيس الوزراء الأسبق “رفيق الحريري” عام 2005.
لكنّه سرعان ما بدّل تحالفاته في عام 2006، حيث شكل التيار الوطني الحر الذي انضم فيه إلى “حزب الله” وقدّم من خلاله دعماً مسيحياً مهما للميليشيا المسلحة، والتي بات يعتبرها المدافع عن لبنان و”الرادع” لأي هجمات إسرائيلية.
البلاد في حالة فوضى وحزب الله هو المتحكم
قال “عون” في تصريحات لـ”رويترز” يوم السبت قبل الماضي، إن بلاده قد تنزلق إلى “فوضى دستورية” بسبب عدم القدرة على انتخاب رئيس جديد خلفاً له، قبل أن يصدر قراراً مفاجئاً، قبيل مغادرته للسلطة، بإقالة رئيس حكومة تصريف الأعمال الحالي.
وطيلة ست سنوات من ولايته لم تفلح أربع محاولات في البرلمان لإنجاح انتخاب رئيس في ظل الانقسام الكبير للمجلس في التوافق على مرشّح لخلافة “عون”.
واستطاع “حزب الله” حليف الرئيس اﻷبرز، والذي كان عدوّ اﻷمس، زيادة سطوته وفرض إرادته في التعطيل السياسي والانتخابي، وتنفيذ أجندات إيران، وتحويل الحدود مع سوريا إلى نقاط تهريب معلنة، لا يجرؤ الجيش على إغلاقها.
وشهدت البلاد بأجهزة أمنها وإعلامها تشديداً كبيراً ضدّ السوريين الفارين من حكم اﻷسد، فيما أخذت السلطات اللبنانية دور أمن النظام، في ملاحقة السوريين وسجن وتعذيب كلّ من له علاقة بأي نشاط معادٍ له على أراضيها.
ووفقاً لتقرير “رويترز” ترتبط رئاسة “عون” ارتباطاً وثيقاً في أذهان الكثير من اللبنانيين بأسوأ أيام بلادهم منذ الحرب الأهلية التي دارت رحاها بين عامي 1975 و1990، وذلك في ظل وجود أزمة مالية بدأت في عام 2019 وانفجار مرفأ “بيروت” الذي تسبب في سقوط قتلى عام 2020.
ورغم وجود مؤشرات قوية على علاقة حزب الله بالانفجار، إلا أن السلطات اللبنانية التي يحكمها “عون” أغفلت الملف، حاله حال ملف اغتيال “الحريري”.
وفي الأيام التي أعقبت الانفجار، قال “عون” إنه تلقى تقريراً عن حوالي 2700 طن من “نترات الأمونيوم” المخزنة في مرفأ بيروت قبل أسابيع من انفجارها مما أودى بحياة نحو 220 شخصاً.
ويقول خصوم “جبران باسيل” صهر “عون” إن لديه طموحات لشغل منصب الرئيس، رغم أن الولايات المتحدة كانت قد أدرجت “باسيل” على قائمة العقوبات عام 2020 بتهمة الفساد.
وقال “عون”: “من المؤكد أن له الحق في الترشح إلى الرئاسة”، وإن العقوبات الأمريكية لن تمنعه من ذلك، مضيفاً: “نحن نمحوها بمجرد انتخابه”.
وعُرف “باسيل” بمحاباته الكبيرة لـ”حزب الله”، وتحالفه معه، في توافق تام مع توجّه حماه “عون” الذي أشاد مجدّداً بدور “حزب الله”، قبل مغادرته السلطة بيوم واحد، واعتبر أنه كان “رادعاً” ﻹسرائيل وساعد في مواصلة مفاوضات ترسيم الحدود لـ”صالح لبنان”.
ورغم أنه أقرّ بأن “المبادرة التي اتخذها حزب الله لم تكن منسقة (مع الدولة)”، ولكنه ادعى أنها “كانت مفيدة”، مضيفاً: “لو لم يُسمح لنا باستخراج النفط والغاز من مياهنا لما كنا لنسمح لإسرائيل باستخراج الغاز”.
ولا يعتزم “عون” بعد تخطيه الثمانين ترك الحياة السياسية، بدعوى أنه يريد مواصلة “محاربة الفساد”، ﻷن “المنظومة الحالية لا تستطيع أن تصلح البلد”.
ويستمر “حزب الله” في تنفيذ أجندات إيران بالبلاد والمنطقة، فيما سيكون له – من المؤكد – الدور اﻷبرز في اختيار الرئيس القادم.