ارتفعت وتيرة عمليات الاغتيال مؤخراً في مناطق الشمال السوري، وخاصةً في ريفي حلب الشمالي والشرقي، وسط غضب شعبي نتيجة الفلتان الأمني، ومطالبات بضبط الأوضاع في المنطقة، والتي استهدفت ناشطين إعلاميين.
وكان آخر تلك العمليات، اغتيال الناشط الإعلامي، “محمد عبد اللطيف”، الملقب بـ “أبو غنوم” وزوجته، عبر إطلاق النار عليهما بالقرب من الفرن الآلي داخل مدينة الباب بريف حلب الشرقي، تبعها بـ 48 ساعة، اقتحام مسلحين مجهولين منزل المدعو، “راضي عبد الرحمن النجار“، الملقب بـ “أبو رحمو”، وقتله داخل منزله في مدينة مارع شمالي حلب.
العمليتان أدتا إلى عصيان مدني وإضراب عام في المنطقة، تخلله قطع طريق الراعي بمدينة الباب بالإطارات المشتعلة، احتجاجاً على سوء الأوضاع الأمنية، وعدم ضبطها من قبل السلطات المحلية.
وفي تصريح خاص لـ “حلب اليوم”، قال عضو مكتب العلاقات العامة في “الفيلق الثالث” التابع للجيش الوطني السوري، “هشام اسكيف”، إن هناك مناطق تتمتع باستقرار نسبي ناتج عن الجهود الأمنية بين مكونات الجيش الوطني.
وأرجع “اسكيف” سبب سوء الأوضاع الأمنية إلى جود خلايا لـ “تنظيم الدولة” وقوات سوريا الديمقراطية “قسد” ونظام الأسد، لافتاً إلى أنها تسعى لإفشال الجهود الرامية للحفاظ على أمن المنطقة، وإغراقها بالفوضى من خلال عمليات اغتيال يُنفذونها بين الفينة والأخرى في مناطق معينة اتخذوها مراكزاً لهم، ما جعل المنطقة غير مستقرة بالأمن.
وأوضح أن “الفيلق الثالث” عمل في الآونة الأخيرة على القضاء على تلك الخلايا في المنطقة، وساعد في ذلك التنسيق الأمني بين مكونات الجيش الوطني، معتبراً أن هناك أطراف يهمها “زعزعة الاستقرار في المنطقة وتخريب نموذج الثورة السورية الذي يتم العمل على بنائه في المنطقة”.
القبض على المتهمين بعملية اغتيال “أبو غنوم”
أكدت مصادر محلية لـ “حلب اليوم”، أن الشرطة العسكرية ومن خلال متابعتها لأكثر من 200 كاميرا مراقبة، تمكنت من رصد شخصين يستقلان دراجة نارية يتعبان لأمنية “فرقة الحمزة” التابعة للجيش الوطني، حيث كانا يلاحقان “أبو غنوم”، وزوجته بنفس يوم مقتله في مدينة الباب شرقي حلب.
وبحسب المصادر، فإن قوة من الشرطة العسكرية والمدنية و”الفيلق الثالث” في الجيش الوطني، اقتحمت مكان تواجد المتهمين بعملية الاغتيال، حيث اعتقل الشخص الأول وأصيب الآخر خلال اعتقاله، وتم نقله إلى مستشفى مدينة الباب تحت حراسة مشددة، فيما تم نقل الأول إلى مركز أمنية إعزاز، لمتابعة التحقيقات معه.
السيطرة على مقرات “فرقة الحمزة” في الباب
وعقب تنفيذ الهجوم، تمكنت الشرطة العسكرية في مدينة الباب بريف حلب الشرقي من اعتقال المدعو، “أحمد المغير”، الملقب بـ “بو سلطان الديري”، المتهم بتدبير اغتيال الناشط الإعلامي، “أبو غنوم”، حسبما أكدت مصادر خاصة لـ “حلب اليوم”.
وبعد عملية الاعتقال، شن “الفيلق الثالث” في الجيش الوطني السوري هجوماً على مقرات “فرقة الحمزة” في مدينة الباب ومحطيها، وسط اشتباكات اندلعت بين الطرفين، انتهت بسيطرة الفيلق على جميع مقرات الفرقة في المنطقة.
وفي السياق، أصدرت الفرقة بياناً بخصوص اعتقال عناصر يتبعون لها متهمين باغتيال الناشط الإعلامي، “أبو غنوم”، معربةً عن أسفها أن المتهمين يتبعون لأحد ألويتها.
وأضاف البيان: “نحن نتبرأ من كل من يثبت تورطه في هذه الجريمة النكراء من عناصر اللواء وقيادته ونتحمل مسؤولية وجودهم في صفوفنا”.
إدانات لـ “فرقة الحمزة” حول عملية الاغتيال
من جهته، أصدر “الشارع الثوري في مدينة الباب” بياناً، حمّل من خلاله قائد “فرقة الحمزة”، “سيف أبو بكر”، الملقب بـ “أبو جلال”، المسؤولية الكاملة عن اغتيال “أبو غنوم” وزوجته.
وأكد “الشارع الثوري في الباب” أن “منفذي العملية الذين يتبعون لمجموعة المدعو أبو سلطان”، يتلقى أوامره بشكلِ مباشر من قائد الفرقة، “سيف أبو بكر”، مطالباً وبشكل قطعي إخراج الفرقة من مدينة الباب بشكلٍ كامل ومحاسبة قادة الفرقة المتورطين بجرائم بحق الأبرياء.
الدوافع والأسباب وراء عمليات الاغتيال
وفيما يخص التفجيرات والاغتيالات في الشمال السوري، رأى مدير مركز رصد للدراسات، “عبد الله الأسعد”، أن هذا النوع من العمليات يتم بشكل منظم وفق أجندة يومية وباهتمام عالِ المستوى، مشيراً إلى أن ارتفاع وانخفاض وتيرة تلك العمليات يعود إلى الظروف الميدانية والسياسية واختلاف تبادل المصالح بين القوى المتواجدة على الأرض منها نظام الأسد و”قسد” و”تنظيم الدولة”، إضافة إلى “هيئة تحرير الشام”.
وأوضح “الأسعد” في تصريح لـ “حلب اليوم”، أن الهدف من هذه العمليات هو عدم الاستقرار في المنطقة، لافتاً إلى وجود نوع آخر من العمليات وتكون بدافع الانتقام من قبل بعض عناصر الفصائل العسكرية، واصفاً إياها بـ “الحالات الفردية”.
وحول الدوافع، بين “الأسعد” أن تلك العمليات هدفها إكراه الناس في المنطقة وعدم استقرارها، فضلاً عن لفت الأنظار حول ما يجري في الشمال السوري من تفجيرات واغتيالات.
وعند السؤال عن طرق آلية ضبط الوضع الأمني في الشمال السوري، أفاد، “الأسعد”، بأن الوضع لا يمكن أن يُضبط بشكلٍ نهائي، إلا في حال وجود مركزية واحدة تتبع لقيادة الجيش الوطني السوري، من بينها دمج جميع القوى العاملة في المنطقة، وتبعيتها إلى الجيش الوطني.
هذا وما زالت تشهد مناطق ريفي حلب الشمالي والشرقي بين الفينة والأخرى، تفجيرات عبر عبوات ناسفة وسيارات ودراجات نارية مفخخة، وعمليات اغتيال، تُسفر معظمها عن سقوط قتلى وجرحى من المدنيين، فضلاً عن احتجاجات شعبية تُطالب بضبط الوضع الأمني في المنطقة.