كشفت رابطة معتقلي ومفقودي سجن “صيدنايا” (ADMSP)، عن “الهرمية العسكرية وتسلسل القيادة” والأوامر وتوزع المسؤوليات داخل السجن أحد “أكثر الأماكن سرية في سوريا”، وتفاصيل عن طريقة تحصينه وحراسته.
ويورد تقرير الرابطة تفاصيل التسلسل القيادي في السجن لأول مرة، كاشفاً المسؤولين عن ارتكاب عمليات التعذيب والقتل الواسعة والممنهجة للمعتقلين في صيدنايا والتي ترقى إلى جرائم إبادة وجرائم ضد الإنسانية.
كما يصف مخطط السجن ودفاعاته وهيكله الإداري بالتفصيل وعلاقته مع باقي أجهزة ومؤسسات “الدولة”، ويوضح كيف تم تحصينه عمداً لصد الهجمات الخارجية المحتملة وقمع المعتقلين داخله.
للاطلاع على التقرير كاملاً اضغط هنا
ويتضمّن تقرير الرابطة تفاصيل جديدة مروّعة حول المعاملة القاسية للمعتقلين في السجن، ويقدر أن أكثر من 30 ألف معتقل إما أُعدموا، أو قضوا نتيجة التعذيب، أو نقص الرعاية الطبية أو الجوع بين عامي 2011 و2018 في سجن صيدنايا.
كما يسلط التقرير الضوء على كيفية إنشاء “غرف الملح” والتي كانت بمثابة مكان لحفظ جثث الضحايا ريثما يتم نقلها إلى مشفى تشرين العسكري، ويُعتقد أن النظام قد أعدم ما لا يقل عن 500 معتقل إضافي بين عامي 2018 و2021، وفقًا لشهادات ناجين وثقتهم الرابطة.
وأكد “دياب سريّة”، المؤسس المشارك في الرابطة والمعتقل السابق في سجن “صيدنايا”: “لقد أراد النظام أن يكون هذا المكان ثقبًا أسود يبتلع كل من يقترب إليه ولا معلومات تخرج منه مع إفلات تام من العقاب وعدم وجود عدالة تلوح في الأفق، يهدف بحثنا إلى القول بأنه معسكر موت فيه تسلسل واضح للقيادة والأوامر والأعمال الداخلية”.
وأضاف: “على مدى سنوات، وقعت جرائم مروّعة، بما في ذلك الاختفاء القسري والتعذيب المنهجي والقتل داخل هذا السجن الذي أصبح رمزًا لواحدة من أكثر الفترات الدموية في تاريخ البلاد، نأمل أن تقدم المعلومات في هذا التقرير صورة أوضح عن القادة والمسؤولين عن إصدار الأوامر لهذه الجرائم وكذلك توضيح علاقة السجن بباقي أجهزة ومؤسسات (الدولة)”.
ويكشف التقرير كيف يتم حماية السجن على ثلاثة مستويات أمنية مع مئات الحراس المتمركزين في مواقع مختلفة عبر السجن؛ حيث أن الجدران الخارجية يحميها موظفو سجن الشرطة العسكرية المعروفون باسم الشركة الخارجية والفرقة الثالثة لقوات النظام هم خط الدفاع الأول للحماية من التهديدات الخارجية ومنع الهرب من السجون.
ويقوم حوالي 40-50 فردًا من اللواء 21 التابع للفرقة الثالثة بتأمين محيط السجن بين الجدران الداخلية والخارجية، وتتولى وحدات منفصلة مسؤولية تأمين الجزء الداخلي من السجن وكذلك مراقبة وتأديب المحتجزين.
كما يحيط بالسجن حقلا ألغام، أحدهما داخلي يتكون من ألغام مضادة للأفراد والآخر حقل خارجي يتكون من ألغام مضادة للدبابات، حتى أن هناك وحدة مهمتها تحديدًا مراقبة جميع الاتصالات الأرضية واللاسلكية الواردة والصادرة إلى السجن والمنطقة المحيطة به، بالإضافة إلى جميع الاتصالات اللاسلكية القريبة.
ويقع على قمة تلة في منطقة جبلية شمال دمشق، تبلغ مساحتها الإجمالية حوالي 1.4 كيلومتر مربع، أي ما يعادل 184 ملعبًا لكرة القدم، وهي مساحة أكبر بثماني مرات من المساحة الإجمالية لجميع ملاعب كرة القدم ذات الحجم القياسي الدولي في سوريا.
وقال “شادي هارون” وهو مدير برامج في الرابطة وأحد الناجين من السجن إنه “معسكر للموت شهد على جرائم بشعة ضد الإنسانية بما في ذلك القتل الجماعي للمعتقلين والتعذيب وغيره من المعاملات القاسية واللاإنسانية، بالنسبة للمعتقلين، كان كل يوم في حياتهم يوم معاناة وعذاب على أيدي الحراس الساديين، حيث التجويع وتجريدهم من ملابسهم، والحرمان من الرعاية الصحية، كانوا يتوقعون الموت في أي لحظة”.
استندت جميع روايات عن سجن صيدنايا إلى شهادات معتقلين سابقين “محظوظين بما يكفي للنجاة من هناك” وهذا التقرير الأول من نوعه الذي يستند إلى 31 مقابلة، معظمها مع موظفين سابقين في الجيش والأجهزة الأمنية بالإضافة إلى ستة عاملين سابقين ممن شغلوا مناصب بارزة في سجن صيدنايا.
كما يسلط التقرير الضوء على الهيكل التنظيمي للسجن وعلاقته بالأجهزة الأمنية والمحاكم ووزارة الدفاع ومؤسسات الدولة الأخرى ويوضح دور السلطات التي ترتكب جرائم بحق المعتقلين وصلاتها بالفرع 227 والفرع 293 بالإضافة إلى غطاء الشرعية القانونية الذي تمنحه محكمة الميدان العسكري ومحكمة الإرهاب لهذه الإجراءات.
ويظهر التقرير الدور الذي يلعبه مستشفى تشرين العسكري في التخلص من جثث المعتقلين عقب إعداماتهم، حيث تنقل جثث الأشخاص الذين تم إعدامهم في “شاحنات حفظ اللحوم” المبردة لدفنها في مقابر جماعية، أما جثث المعتقلين الذين تعرضوا للتعذيب حتى الموت أو توفوا بسبب المرض أو الجوع في زنزانات السجن فيتم تجميعها والاحتفاظ بها لمدة تصل إلى 48 ساعة في “غرف الملح”، ثم يتم نقلها إلى مستشفى تشرين العسكري لفحصها وإصدار شهادة وفاة وإرسال الجثث للدفن في المقابر الجماعية في “نجها والقطيفة” وغيرها من الأماكن.
يذكر أن الرابطة هي مجموعة “تسعى لكشف الحقيقة وتحقيق العدالة للمعتقلين على خلفية رأيهم أو نشاطهم السياسي، وتعمل على الكشف عن مصير المفقودين والمختفين قسراً في سوريا بشكل عام وسجن صيدنايا بشكل خاص”.