تزايد الحديث في اﻵونة اﻷخيرة عن إمكانية فتح المعابر على خطوط التماس بين مناطق سيطرة النظام والشمال السوري المحرّر، وسط حالة من الجدل المتجدّد في اﻷوساط الشعبية والمُعارضة، وصمت تام من قبل الجهات المعنية.
وتحدث عمليات التبادل بين الشمال ومناطق النظام بشكل متكرّر وشبه يومي – وفقاً لما أفاد به مصدر ميداني لحلب اليوم – لكنّها لا تخرج عن نطاق “التهريب”، والذي يبيح انتقال اﻷشخاص وأحياناً بعض البضائع المحدودة، ولقاء مبالغ كبيرة.
ويجري الحديث عن معبرين رئيسيين قد يتمّ افتتاحهما، اﻷول قرب مدينة “سراقب” شرقي إدلب، والثاني قرب بلدة “أبو الزندين” جنوب شرق مدينة “الباب” في ريف حلب، فضلاً عن أماكن أخرى محتملة في ريف حلب الغربي.
ويرى الدكتور “عبد الحكيم المصري” وزير المالية والاقتصاد في الحكومة السورية المؤقتة، في إفادته لـ”حلب اليوم” أن هذه الخطوة “خطيرة جداً” معتبراً أن النظام هو المستفيد الوحيد و”نحن الخاسرون بكافة المطعيات”.
أما الباحث السوري “فراس شعبو” فقد رآى أن “اﻷمر في المجمل جيّد” وهو “مفيد لكلي الطرفين”، وذلك “من الناحية الاقتصادية وبغض النظر عن الدلالات السياسية”.
مزاج شعبي رافض
لعلّ المخاوف التي تحدّث عنها الوزير كانت دافعاً رئيسياً لمظاهرات غاضبة خرجت في الشمال السوري، خلال شهر آذار/ مارس من العام الماضي، رفضاً ﻷنباء حول نيّة “هيئة تحرير الشام” حينها فتح معبر “سراقب”.
وفيما لم تؤكّد أيُّ من حكومتي “اﻹنقاذ” أو “السورية المؤقتة” أو الفصائل العاملة بالشمال، ما يتمّ تداوله مؤخراً حول قرب فتح المعابر، فإنهما لم تنفياه في المقابل، ولم تعبّرا عن أي موقف تجاه المسألة، في موقف يتكرّر اليوم بالطريقة نفسها.
ووصل الغضب بالمحتجين في 2021، إلى وصف تلك الخطوة (التي لا تزال معالمها غير واضحة حتى اﻵن) بأنها “خيانة للثورة ولدماء الشهداء” رافضين أي نقاش في المسألة، بينما يُعاد الجدال اليوم وسط ظروف أكثر قسوة من ذلك الحين.
ويرى “شعبو” أن فتح المعابر هو أولاً “حاجة إنسانية” حيث توجد عائلات عالقة في الطرفين، كما أن “الجميع سيستفيد بكلّ تأكيد”، مستدركاً بالقول أن “المستفيد اﻷكبر هو النظام الذي سيصدّر الفائض لديه إلى الشمال وفي المقابل قد يتم تصدير بعض الصناعات الخفيفة نحو النظام”، لكنّ الشمال سيستفيد في النهاية، وسيكون اﻷمر إيجابياً بالنسبة للسكان المحليين.
ولفت “شعبو” في حديثه لـ”حلب اليوم” إلى أن “التهريب” بين الشمال ومناطق النظام لم يتوقّف، بل هو مستمر بكثافة، مضيفاً بالقول: “فيلكن اﻷمر رسمياً، بشكل أكثر جدّية”.
ويعيش الشمال السوري حالة من الانغلاق الاقتصادي مع انحسار ملايين الناس في مساحة ضيقة، تمّ تهجيرهم إليها، واعتمادهم بشكل أساسيّ على الاستيراد من تركيا، فيما توجد حركة تصدير ضعيفة، مع أوضاع اقتصادية صعبة للغاية.
وتشير أرقام وإحصاءات المنظمات المعنية بملف سوريا، إلى أن منطقة الشمال الغربي تتجه نحو العوز المتزايد، وتشهد ارتفاعاً مطرداً في معدلات الفقر، مما يجعلها بحاجة للبحث عن مُتنفّس.
وحول هذا الواقع يرى الباحث السوري أنه من غير المناسب أن يبقى الشمال السوري “منغلقاً على نفسه”، حيث “تبحث الدول عادةً ﻹنعاش اقتصادها عن أسواق للاستيراد والتصدير”، ومع غياب أو ضعف القدرات الاقتصادية فلا بدّ للشمال من الانفتاح على مناطق “قسد” والنظام، و”من الصعب أن نبقى مغلقين على أنفسنا ونحن في حاجة لزراعة وتجارة وخدمات”.
وأضاف أن ما تتّسم به سوريا هو أنها “فسيفساء متكاملة”، حيث تتميّز كل منطقة بأشياء معينة، ولا بد أن لهذه المناطق أن تتكامل حتى تستطيع العيش اقتصادياً.
أما الوزير المصري فهو يرى أنه “لافائدة اقتصاديةً من هذا النظام”، بل توجد لها انعكاسات سلبية لناحية المخدرات وانتشار العملات المزوّرة وغير ذلك، كما أنه سيرسل المواد التي لا يحتاجها ويأخذ المواد التي يحتاجها وهي “كثيرة”؛ المواد الغذائية الموجودة في الشمال والتي يتم استيرادها بلا قيود “سيستفيد منها وترتفع أسعارها هنا في الشمال لاعتماد للمنطقة على الاستيراد”.
وأيّد “شعبو” الوزيرَ “المصري” في هذه النقطة، مؤكداً أن “النظام سيستفيد كنظام؛ تحديداُ التجار والميليشيات”، ولكنّ والمعارضة أيضاً “ستستفيد كمعارضة”، وهو “شيء سيساهم في تخفيف العبء عن المجتمع السوري في مناطق النظام أو المعارضة” على حدّ سواء.
ورغم اعتراضه على الخطوة فقد رآى “المصري” أن هناك بعض المواد التي لا يمكن تصديرها نحو تركيا كاﻹنتاج الزراعي؛ وفي حال تمّ إرسالها لمناطق النظام فسيستفيد الفلاحون في مقابل ارتفاع السعر على المستهلك، كما أن النظام “سيأخذ المواد التي لا يستطيع استيرادها بسبب قلة العملة الصعبة لديه، ويرسل أحذية وألبسة من الأفضل أن يتم إنتاجها هنا بدلاً من أخذها منه”.
ماذا عن المخدرات؟
تعجّ مناطق سيطرة النظام بالمخدرات ومصانع “الكبتاغون” وتنشط ميليشيات إيران في إرسالها بشكل كثيف نحو دول العالم، وخصوصاً الخليج العربي عبر اﻷردن.
وتجد السلطات اﻷردنية نفسها عاجزةً بكلّ مقدراتها من جيش وحرس حدود وأجهزة وطائرات استطلاع حديثة وتكنولوجيا أمريكية؛ عن وضع حدّ لهذه العمليات، مما دفع الملك اﻷردني للخروج بنفسه في تصريحات طلب فيها من إيران أن تتعاون مع بلاده ﻹنهاء هذه الحالة.
ولفت “المصري” إلى أن اﻷردن ليس الوحيد الذي عانى من النظام، فهو الآن يرسل مخدرات لدول متقدمة مثل: إيطاليا والسعودية والكويت واﻹمارات التي “تملك وسائل كبيرة للرقابة والتفتيش لا نملكها في الشمال السوري”، متسائلاً كيف سيكون الوضع في حال تمّ فتح المعابر.
ويؤيّد “شعبو” الوزير في هذه النقطة، معتبراً أنها ناحية سلبية، مبدياً تخوّفه من خطر دخول المخدرات بسبب عدم وجود سلطة أمنية لمنع هذه “التجارة المربحة جداً”، مع النظر إلى أن النظام اتخذها وسيلةً للربح المالي و”مع اﻷسف فهناك مع تعاون معه في هذا اﻷمر بمناطق الشمال”.
كما لفت إلى خطر تهريب العملات المزوّرة، حيث من الممكن أن تجري عملية “تهريب للأموال” مع عدم وجود ضابط في الشمال السوري الذي يحوي كمية كبيرة من الدولار.
أما “المصري” فقد أشار إلى عملية “تهريب للأموال” أكثر خطورة من الفئات المزوّرة وهي “الدولار المجمّد” الذي يعدّ اكتشافه “أصعب من الدولار المزوّر وهو أخطر منه حيث لا يمكن اكتشافه إلا من قبل المؤسسات المالية الرسمية”.
ويُقصد بـ”الدولار المجمد” تلك الأموال التي قد تكون مسروقة من بنوك أو غير ذلك، حيث يتمّ تعميم أرقامها ﻹيقاف التعامل بها، وقد تنتشر في مناطق تعيش حالة من فراغ السلطة.
ماهي التبعات السياسية لفتح المعابر؟
يرى متابعون للشأن السوري أن هذه العملية قد تكون خطوة أولى نحو التطبيع مع النظام، ويعتبرون أنها تأتي بإيعاز من تركيا كجزء من عمليات التطبيع وإعادة التواصل، فيما يرفض آخرون ذلك ويعتبرونها إجراءً اقتصادياً بحتاً.
وتبقى كلّ التحليلات في إطار التكهّنات مع غياب أي موقف توضيحي من قبل السلطات الحاكمة للشمال السوري، لكنّ الوزير بالحكومة المؤقتة يوضح أن “التعامل مع النظام ممنوع بسبب قانون قيصر وبالتالي للموضوع انعكاسات ما لم يتم استثناء الشمال من القانون اﻷمريكي”.
ويؤكّد بالقول: “لسنا في حاجة مواد إستراتيجية ﻷخذها من النظام بل على العكس قد يسحب من المنطقة مواداً معينة ويتسبب بأزمة فيها، حيث يعاني من نقص في القمح والعلف والسكر والشعير والزيت من الممكن أن يسحبها من أسواقنا”.
واختتم بأن “الحل اﻷسلم” هو “دعم اﻹنتاج في الشمال المحرر” حيث توجد 8 مناطق صناعية؛ “أولاً ننتج نحن، ثانياً نُشغّل اليد العاملة وهو أفضل من جلب إنتاج النظام” الذي “سيسرسل المواد التي لا يحتاحها وبالمقابل سنقوم بتأمين المواد اللازمة له”.
وفي النهاية تبقى كافة ملفات واتفاقات سوريا عموماً والشمال خصوصاً في حالة من التعثّر والهشاشة، ما لم يتمّ التوصّل لحل سياسي جذري ينهي كافة المشكلات العالقة.