كاتيا الشوفي – تقرير
انعكست الحرب الدائرة في سوريا، على مدى السنوات الماضية، على مختلف الجوانب الحياتية والإنسانية، فبدا تأثيرها جلياً حتى في المحافظات التي لم تشهد دماراً كبيراً كبقية المناطق على امتداد البلاد.
ولم تسلم البنى الاجتماعية من تأثيراتٍ سلبيةٍ تمثلت بالقتل والتشريد، والسويداء على سبيل المثال لا الحصر، إحدى المحافظات التي طال الدمار نواة المجتمع والإنسان فيها، وأثّر بشكل مباشر على الكثير من المسلمات داخل المجتمع الجبلي.
بالمقابل وعلى الرغم من السلبيات الكثيرة التي عانت منها السويداء ولازالت، أفرزت الظروف الاستثنائية حالات بعضها ينم عن وعي كبير، وبعضها الآخر ظهر ضمن حاجات اجتماعية ملحّة.
فعلى سبيل المثال أصبح من الممكن على المتجول في أسواق مدينة السويداء أن يرى المرأة، وقد بدأت تمتهن الكثير من الأعمال التي كانت حكرا على الرجال كالعمل في المطاعم والمقاهي، وحتى العمل في مهن تتسم بالصعوبة، وتتطلب الكثير من الجهد والعناء.
“ربا حمد”، شابة من السويداء، تدرس بكلية الاقتصاد في جامعة دمشق، وتعمل في أحد المطاعم وسط المدينة (جرسونة) لتغطية نفقات دراستها الجامعية بعد وفاة والدها وهجرة شقيقها، حسب قولها.
وأفادت “حمد” لحلب اليوم، إنها “وجدت هذا العمل صعباً بداية الأمر، لاسيما أن العمل في المطاعم يعتبر إحدى المهن الخاصة بالرجال، إلا أنها اضطرت بسبب ظروف اقتصادية صعبة لخوض هذه التجربة”.
وعن المضايقات التي تتعرض لها في عملها قالت حمد: “يبدأ عملي الساعة التاسعة صباحاً، ويستمر لفترة ما بعد الظهر أي لحوالي الثالثة مساءً، وعانيت من بعض المضايقات والتلميحات اللفظيّة من قبل عدد من الرجال في البداية، إلّا أن هذه الأمور تلاشت كلياً بعد نحو عام من العمل”.
من جانبها “داليا مسعود”، باحثة اجتماعية من السويداء، اعتبرت أن ظروف الحرب تسببت بدخول المرأة لمجالاتٍ في العمل احتكرها الرجال طويلاً لأسبابٍ عدة على رأسها الضيق الاقتصادي، وهجرة الشبان في مجتمع كالسويداء، تتفوق فيه نسبة النساء على الذكور بطبيعة الحال.
وأضافت “مسعود”، إن “المرأة في السويداء كانت موجودةً، قبل الثورة، في حقل العمل بقوة، إلا أنها ومنذ عام 2011 أخذت مساحة أوسع في ميدان العمل، وبدا ذلك واضحا من خلال شخصية المرأة التي باتت أكثر قوة وأكثر نضجاً”.
وتحدثت “مسعود” عن دراسات أجرتها على عينة من النساء في مناطق بمدينة السويداء وريفها، وتشير إلى أن كل 7 نساء من أصل عشرة ترى أن العمل للمرأة بات ضرورةً اقتصاديةً واجتماعية، وبينت الدراسات أن كل خمس نساءٍ من عشرة يعتبرن أن العمل في مجالات كانت تقتصر على الذكور أمراً عادياً، وذلك لارتفاع نسبة الوعي ولنقص اليد العاملة، منذ سبعة أعوام.
وأما عن أكثر الأشياء الملفتة في هذه الدراسات قالت “مسعود”: “إن نظرة الرجال للمرأة العاملة تطورت بشكل كبير، حيث يفضل ثمانية من أصل عشر رجال أن تكون الزوجة عاملة، بينما لا يمانع أربعة من أصل عشر رجال أن تكون الزوجة “جرسونة” في مطعم مثلا”.
ومن الناحية القانونية أكد المحامي “عماد جمال الدين” “أنه لا يوجد أي بند يمنع المرأة في العمل وفقا للقانون السوري، على الرغم من وجود بعض البنود المتعلقة بوضع المرأة وطبيعته في بعض الأعمال التي يمكن أن تمتهنها وتوقيتها، فسابقا كان يحظر على المرأة العمل ليلا”.
وأضاف لحلب اليوم “بالمقابل لا يوجد أيضاً قوانينٌ خاصةٌ تحمي المرأة باعتبارها تخرج لميدان العمل في مجتمع يتسم بالذكورية أصلاً، وذلك نظراً لأن القوانين المتعلقة بالمرأة السورية لم تتغير منذ عقودٍ لتراعي تطور المجتمع ووضع المرأة فيه”.
وأوضح “جمال الدين”، أن السويداء تمنح للمرأة مساحةً واسعةً من الحرية في هذا المجال، نتيجة أن المجتمع الأهلي يوفر لها المناخ المناسب لتنمية دورها الاجتماعي والاقتصادي على حد سواء، إذ يعتبر مجتمع السويداء منفتحا بعض الشيء في هذا الأمر.
وبين العرف الاجتماعي ومتطلبات الحياة قطعت النساء في جبل العرب شوطاً كبيراً، وبدأت تأخذ دورها إلى جانب الرجل بشكل واضح وجلي، لابل تقاسمه العمل في أشد المهن تعقيداً.