في الوقت الذي تُجرى فيه محادثات مكثفة بين بيروت ودمشق حول ملف السجناء السوريين في لبنان، تتفاقم أزمة إنسانية صامتة داخل السجون اللبنانية، ولا سيما في سجن رومية المركزي، حيث تتحول ظروف الاحتجاز إلى “قنبلة موقوتة” صحية، بحسب ما كشفه نزلاء وتقارير حقوقية.
من ناحية دبلوماسية، أكد نائب رئيس الحكومة اللبنانية، طارق متري، أن بلاده تعمل على “نقل أكبر عدد ممكن” من السجناء السوريين إلى سوريا، بالتزامن مع إعداد إطار قانوني يمنح العملية غطاءً تشريعيًا. وأوضح متري أن هذا التوجه خضع لنقاشات مطولة في مجلس الوزراء وعرض على خبراء قانونيين، رغم تسجيل اعتراضات تعكس “حساسية الملف”.
وأشار متري إلى أن القيادة السورية الجديدة تبدي انفتاحًا على التعاون، معتبرًا أن المرحلة الحالية تتيح بناء علاقة متوازنة بين البلدين، في إطار جهود مشتركة مستمرة منذ سقوط نظام الأسد، حيث يُقدّر عدد السجناء السوريين في لبنان بنحو 2300 شخص، وتعمل لجان مشتركة على تدقيق أوضاعهم.
الكارثة الصحية: وفيات وأمراض في ظل اكتظاظ غير آدمي
بينما تدور تلك المحادثات السياسية على مستوى عال، يرسم الواقع داخل سجن رومية – الأكبر في لبنان – صورة قاتمة، فقد سُجلت 44 حالة وفاة بين النزلاء خلال عام 2025 فقط، معظمها نتيجة سوء الرعاية الصحية وغياب العلاج، وفقًا لنزيل تحدث لـ “حلب اليوم”.
وتتصاعد المخاوف من تفش وبائي حقيقي، مع تسجيل 12 إصابة بمرض السل الخطير، بالإضافة إلى عشرات الإصابات بأمراض جلدية في ظروف صحية بالغة السوء، وتفاقم هذه الأوضاع بسبب اكتظاظ مهول، حيث يقبع نحو 4000 سجين في مبنى مصمم أصلاً لاستيعاب 1200 شخص فقط، أي بأكثر من ثلاثة أضعاف طاقته الاستيعابية.
ولا تقتصر المعاناة على الجانب الصحي، إذ تشير مقاطع فيديو حصلت عليها قناة “حلب اليوم” إلى تدهور شامل في الظروف المعيشية، مع نقص حاد في الغذاء وجودته، حيث وصفه بعض السجناء بأنه “غير صالح حتى للحيوانات”، وسط انتشار الحشرات وانعدام النظافة.
الأزمة القانونية لا تقل خطورة، حيث تشير تقديرات منظمات حقوقية إلى أن نحو 80% من السجناء السوريين لم تُعرض قضاياهم بعد على القضاء، مما يعني أنهم قابعون في احتجاز احترازي مطول، قد يمتد لعشر سنوات في بعض الحالات، وغالبًا ما تتم محاكمتهم أمام المحاكم العسكرية اللبنانية بتهم مرتبطة بدعم الثورة السورية.
مسار دبلوماسي واعد.. وعقبات عملية قائمة
على الصعيد الرسمي، يبدو أن هناك إرادة من الجانبين لتحقيق تقدم، فبعد زيارة تاريخية لرئيس الحكومة اللبنانية نواف سلام إلى دمشق في نيسان الماضي، ولقائه الرئيس السوري أحمد الشرع، جرى التركيز على ملف السجناء كبند رئيسي، كما أعلنت دمشق عن اتفاق مبدئي لتسليم السجناء السوريين غير المدانين بجرائم قتل.
وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني وصف سابقًا المرحلة بـ “الفرصة التاريخية” لتحويل العلاقة من حالة أمنية متوترة إلى شراكة سياسية واقتصادية.
ومع ذلك، يبقى الطريق إلى حل كامل وشامل محفوفًا بالعقبات، بعد عقود من العلاقة المضطربة، ويبدو أن ملف السجناء، برغم تعقيداته الإنسانية والقانونية، أصبح المدخل العملي الرئيسي لتخفيف الاحتقان وبناء جسور الثقة بين بيروت ودمشق، وفق مراقبين، حول توجد العديد من القضايا العالقة بين البلدين.






