في تحول دبلوماسي بارز، يتوجه وزير الخارجية والمغتربين السوري، أسعد الشيباني، اليوم الأحد إلى العاصمة الصينية بكين في أول زيارة رسمية له، تلبية لدعوة من الحكومة الصينية، حيث تأتي هذه الزيارة ضمن مساعي “الدبلوماسية الجديدة” الرامية إلى إعادة إدراج سوريا في الخارطة الدولية وجذب الاستثمارات الضرورية لمرحلة إعادة الإعمار، لا سيما من دولة تمتلك ثقلاً اقتصادياً وسياسياً مثل الصين.
ووفقًا لما أعلنته إدارة الإعلام في وزارة الخارجية السورية ونقلته وكالة “سانا” الرسمية، سيجري الوزير الشيباني خلال زيارته سلسلة من المباحثات مع عدد من المسؤولين الصينيين رفيعي المستوى، وتهدف هذه المباحثات إلى “بحث مجالات التعاون الاقتصادي وإسهام الصين في إعادة إعمار سوريا”، كما سبق للشيباني أن أوضح في تصريحات سابقة.
هذه الزيارة ليست منعزلة، بل هي حلقة في سلسلة من التحركات الدبلوماسية النشطة التي قادتها دمشق مؤخراً. فقد سبق للشيباني أن زار المملكة المتحدة، حيث أعيد افتتاح السفارة السورية في لندن بعد إغلاق دام 14 عاماً، كما رافق الرئيس أحمد الشرع في زيارة رسمية إلى واشنطن التقى خلالها بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب. كما شملت جولاته الدبلوماسية روسيا ولبنان ودول الخليج، في إطار سياسة وصفها الكاتب والمحلل السياسي السوري أحمد مظهر سعدو، في إفادته لحلب اليوم، بأنها محاولة لخلق التوازن والانفتاح على جميع الأطراف دون الاصطفاف لحساب محور واحد.
لماذا الصين الآن؟
تُعتبر الصين شريكاً اقتصادياً واستراتيجياً محتملاً بالغ الأهمية لسوريا في مرحلتها الراهنة، ويُعلق الكاتب والمحلل السياسي السوري، على أهمية هذا التوجه بالقول: “الصين دولة مهمة عالمياً وهي من الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن… ومن ثم فإن التوجه نحوها بات ضرورة ملحة لكسب ودها وإيقاف عملية ممارسة الفيتو من قبلها ضد مصالح الشعب السوري”.
بالإضافة إلى الثقل السياسي، فإن الحاجة للشراكة الاقتصادية هي الدافع الرئيسي، فقد كشف مسؤولون سوريون عن وجود خطط لـ”خمسة إلى ستة مشاريع استثمارية مع الصين، بقيمة إجمالية تقدر بمئات الملايين من الدولارات”. وصرح الشيباني سابقاً أن دمشق “بحاجة إلى شراكات إستراتيجية حقيقية -ولا سيما مع الصين- في مرحلة البناء وإعادة الإعمار”.
وتُقدّر التقارير الصادرة عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي والبنك الدولي حجم الدمار الهائل الذي خلفته سنوات الحرب، حيث بلغت الأضرار المادية المباشرة أكثر من 118 مليار دولار، بينما تجاوزت الخسائر الاقتصادية الإجمالية حاجز 900 مليار دولار. وتشكل البنية السكنية وقطاعات النقل والطاقة ما يقارب 80% من هذا الدمار.
ويشير سعدو إلى أهمية حالة التوازن في العلاقات الدولية لدى الدبلوماسية السورية، حتى تستطيع سوريا الجديدة أن تتشابك بعلاقات منفتحة على العالم أجمع دون الاصطفاف مع محور بعينه دون الآخر، وكي تكون السياسة الخارجية السورية أكثر ديناميكية وأكثر قدرة على امتلاك هامش المناورة في السياسة التي تقوم على الاحترام المتبادل بين الدول دون تابعية.
استثمارات ضخمة وشراكات دولية
لم تنتظر سوريا انتهاء جميع العقبات لتبدأ في عملية إعادة البناء، حيث تشير التقارير إلى توقيع اتفاقيات استثمارية ضخمة خلال العام الجاري 2025، بلغت قيمتها الإجمالية 14 مليار دولار، ويبدو أن الحكومة السورية تضع خططاً طموحة وواضحة للمرحلة القادمة، فقد صرّح الوزير الشيباني بأن عام 2026 سيُعلن رسمياً “عام التنمية في سوريا”، معرباً عن ثقته بأن العقوبات الدولية على البلاد “لن تستمر بعد ذلك”، مؤكداً أن هذا “هدف استراتيجي وليس مجرد توقع”.
وتمثل زيارة الوزير أسعد الشيباني إلى بكين أكثر من مجرد زيارة بروتوكولية روتينية؛ فهي إشارة قوية على عزم سوريا الخروج من عزلتها الدولية عبر بوابة الشرق الاقتصادية العملاقة.
وفي وقت تُقدّر فيه الحاجة لأكثر من 500 مليار دولار لإعادة الإعمار، تبرز الصين كشريك لا غنى عنه بفضل قدراتها المالية والتقنية الهائلة ووزنها في الأمم المتحدة، وإذا نجحت هذه الدبلوماسية الجديدة في نسج تحالفات اقتصادية حقيقية، فقد تُشكل هذه الزيارة التاريخية نقطة تحول محورية في مسيرة التعافي السوري الطويلة.
لما تبدو الصين أقل اندفاعا؟
بدا موقف الصين تجاه التغيرات في سوريا أكثر تحفظا وأقل اندفاعا من كافة الدول بما فيها روسيا، ويرى سعدو أن ذلك يعود إلى عدم وجود قوات أو قواعد عسكرية صينية داخل سوريا، فهي ليست منخرطة كما كانت روسيا في المسألة السورية لكنها مستعدة للتعاون مع سوريا الجديدة.. وهو ما أدى إلى دعوة وزير الخارجية السوري لزيارة الصين.
ولا يستبعد الكاتب السوري أن تتم دعوة الرئيس السوري أحمد الشرع أيضا للدخول من بوابة بكين.قريبا، نحو عالم أكثر انفتاحا ونحو الاستفادة من تجربة الصين المهمة جدا في إطار النهضة التنموية والعمرانية التي تحتاجها سوريا اليوم وهي مقبلة على عام التنمية ومن ثم مرحلة إعادة الإعمار بعد أن هدم المجرم بشار الأسد ونظامه أكثر من 65 بالمئة من البنية التحتية في سوريا التي باتت تحتاح إلى ماينوف عن 500 مليار دولار في الحد الأدنى من أجل إعادة إعمار ماهدمته أدوات الطغيان الفاشيستي الأسدي.






