مع سقوط سلطة الأسد وبدء مرحلة جديدة من إعادة بناء الدولة، تواجه الجامعات السورية تحديات كبيرة وفرصاً واعدة لإعادة إحياء قطاع التعليم العالي، القطاع الذي تأثر بشكل بالغ خلال سنوات الثورة، يعاني اليوم من تبعات الانقطاع الطويل للطلاب وتدمير البنية التحتية التعليمية.
بدأت الجامعات في مختلف المحافظات السورية تنفيذ خطط لإعادة هيكلة المناهج وتطوير البيئة الأكاديمية بما يتناسب مع متطلبات المرحلة الجديدة، وهناك جهود مكثفة تعمل عليها وزارة التعليم العالي والبحث العلمي في الحكومة السورية الجديدة بالتنسيق بين الجامعات ومتابعتها وإجراء التغييرات اللازمة مع اتخاذ القرارات التي تصب بصالح الطلاب.
وفي مقابلة حصرية مع حلب اليوم، أوضح وزير التعليم العالي والبحث العلمي في الحكومة السورية الجديدة عبد المنعم عبد الحافظ، أنه: “منذ تأسيس حكومة الإنقاذ اهتمت الحكومة ببناء الإنسان ونشر التعليم لكي يبقى منارة وحضارة للجميع، ووزارة التعليم العالي والبحث العلمي باشرت عملها بعد التحرير بزيارة الجامعات ومتابعتها وإرسال لجان لمتابعة استمرارها”
وتحدث عن وضع الجامعات في المناطق المحرر سابقاً منها جامعتيّ حلب الحرة وإدلب، بالإضافة إلى الجامعات الخاصة، قائلاً: “جامعتا حلب وإدلب هم جامعتان اُهْتُمّ بهما من وزارة التعليم العالي لاستمرار التعليم خلال الثورة، وستُعْتَمَدَان وهما من المكونات الأساسية في مجلس التعليم العالي، وفيما يتعلق بالجامعات الخاصة فهناك قرار بشروط وأُسس اعتماد، ويجب أن تكون لدى الجامعات مقومات وتطبيق للشروط لكي تُرَخَّص، وسيطبق القرار على الجامعات الخاصة في المناطق المحررة سابقاً، وعلى الجامعات الخاصة في مناطق نظام الأسد سابقاً”.
وأصدرت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي في وقت سابق قراراً ينص على السماح لطلاب الدراسات العليا والمرحلة الجامعية المنقطعين؛ بسبب الثورة منذ عام 2011 وحتى تاريخ إصدار القرار على العودة إلى قيدهم السابق في الجامعات الحكومية والعامة، على أن تُسْتَقْبَل الطلبات خلال شهر واحد بدءاً من تاريخ 5/1/2025 حتى 6/2/2025.
وقال بسام الرحال الذي انقطع عن الدراسة منذ عام 2011، إن سقوط النظام فتح أمامه فرصة لاستئناف دراسته في كليّة الحقوق، بعد أن اضطر لتركها في عام 2012؛ بسبب انخراطه في الثورة السوريّة، خشية الاعتقال والملاحقات الأمنية.
وأضاف الرحال: “كنت في السنة الثالثة بكليّة الحقوق عندما تركت الدراسة، وبعد تهجيرنا من حمص إلى الشمال السوري عام 2018، حاولت الحصول على كشف علامات من جامعة حلب للتسجيل في جامعة حلب الحرة في اعزاز، لكن التكاليف كانت مرتفعة، حيث طلب مني أحد السماسرة 900 دولار لإتمام الإجراءات، وهو مبلغ لم أتمكن من دفعه”.
وتابع: “على مدار السنوات الماضية، لم أتمكن من استكمال دراستي، ولكن الآن وبعد صدور القرار الخاص بالطلاب المنقطعين، سأتمكن قريباً من العودة إلى جامعتي لإكمال تعليمي وتحقيق حلمي الذي كان يبدو بعيد المنال”.
لاقى هذا القرار ترحيباً واسعاً بين الأوساط الطلابية والأكاديمية، حيث يُنظر إليه كخطوة إيجابية نحو إعادة بناء قطاع التعليم العالي في سوريا، وتمكين الطلاب من استكمال دراستهم والمساهمة في نهضة البلاد، ولكن هذا القرار أثار استياء البعض الآخر من الطلاب المنقطعين من جهة المدة الزمنية المحددة لتنفيذ القرار، حيث يرون أن مدة تنفيذ القرار قصيرة وغير كافيّة لمتابعة شؤون الجامعات في ظل التغيّرات الحاصلة بعد تحرير سوريا، في وقتٍ يحاول فيه الجميع العودة إلى مناطقهم والاستقرار، ومنهم الذي ما زال خارج البلاد.
فيما أوضح وزير التعليم العالي، أن المدة الزمنية للقرار قابلة للتمديد، وحُدد خلال مدة زمنية قصيرة لحث الطلاب على الاستجابة ومتابعة التعليم في بداية الفصل الدراسي الثاني، وأشار الوزير إلى أنه أُطْلِق روابط إلكترونية خاصة لاستقبال طلبات هؤلاء الطلاب، ويجري دراسة حالاتهم بشكل مفصل لمعرفة أسباب الانقطاع، لا سيما تلك المرتبطة بالظروف الأمنية أو الأحداث التي شهدتها البلاد، وأن الوزارة أيضا نشرت رابطاً إلكترونياً آخر للكوادر التدريسية للعودة أيضاً واستمرارهم.
بين تحديات الماضي وآمال المستقبل، تقف الجامعات السورية أمام فرصة تاريخية لإعادة بناء منظومة تعليمية حديثة قادرة على دعم نهضة البلاد، ومع استمرار الجهود لإعادة دمج الطلاب المنقطعين وتطوير البنية التحتية، قد يشكل قطاع التعليم العالي نقطة انطلاق نحو مستقبل أكثر إشراقًا لسوريا، ومع هذه القرارات، تأمل الحكومة السورية في استيعاب الطلاب المنقطعين وتوفير بيئة تعليمية مناسبة تسهم في إعادة بناء المجتمع السوري وتعزيز التنمية المستدامة.
هبة الله سليمان