تعاني سوريا ضعفا شديدا في الموارد التي قد ترفد الخزيتة العامة، فيما لا تزال الليرة السورية عند سعر صرف متدنّ، وسط حالة من الدمار الواسع وتوقف عجلة الإنتاج وتراجع كبير في حركة الاستيراد والتصدير، وشلل تام في قطاع السياحة.
وأمام هذا الواقع يلفت المراقبون إلى أهمية ما تملكه الدولة السورية من موارد متنوعة، وعلى رأسها الثروات الباطنية من النفط والغاز، والتي لا يزال السوريون محرومين من عوائدها منذ عقود.
ومنذ تسلم حافظ الأسد للحكم، بقيت عوائد النفط طيّ الكتمان، حيث تؤكد عدة تقارير أنها كانت تتعرض للنهب ويعود قسم كبير منها بشكل مباشر إلى خزينته الشخصية بدلا من خزينة الدولة، وهو الأمر الذي استمر في عهد الابن.
ومع توسع الحرب في سوريا، ونشوء قوات قسد في المنطقة الشرقية بدعم أمريكي، وقعت جلّ حقول النفط والغاز تحت سيطرتها، بينما منح الأسد المخلوع استثمار الفوسفات للروس.
وبسبب بقاء معظمه تحت سيطرة قسد، لا يزال السوريون مضطرين حتى اليوم لاستيراد النفط ومشتقاته من الخارج، حيث يتم تزويد المناطق الشمالية بالمنتجات الأوروبية عبر تركيا، فيما أكدت السعودية أنها سترسل لسوريا كفايتها من النفط خلال وقت قريب.
يقول الخبير الاقتصادي السوري أدهم قضيماتي، لحلب اليوم، إن النفط والغاز السوريين بوضعهما الحالي، يكفيان احتياجات البلاد أو معظمها، ما يُغني عن الاستيراد، وذلك “إذا ماتم توريده من قبل قسد لكامل سوريا وبإنتاجية حقيقية؛ خاصة أنه يمكن أن تكون هناك اتفاقيات للتوريد”.
ومنذ سقوط الأسد، تُجري الإدارة السورية الجديدة مباحثات مع قسد التي لا تزال تحظى بالدعم الأمريكي، فيما تتحدث مصادر متقاطعة من الجانبين عن إمكانية عقد اتفاق قد يفضي إلى دمج قسد بالدولة، لكن مصير سيطرتها على النفط والغاز وعوائدهما لا تزال مجهولة.
ويوجد في سوريا مخزون كبير من النفط والغاز في الساحل أيضا، وهو بحاجة إلى توقيع عقود مع شركات عالمية لاستخراجه ولكن بعد التوصل لتفاهمات مع الدول الإقليمية بسبب وجود حقوق لها أيضا في تلك الثروات.
وبالإضافة لذلك توجد مساحات زراعية جيدة، ومناخ معتدل يناسب العديد من الأصناف الزراعية، فضلا عن الثروة الحيوانية الجيدة، والقوة العاملة ونسب المواليد والشاب المرتفعة مما يجعل البلد ذات قوة بشرية جيدة، بالإضافة للسياحة والآثار.
بدوره يرى الخبير الاقتصادي السوري، فراس شعبو، في إفادته لموقع حلب اليوم، أن “سوريا هي أم الموارد“، حيث “لديها اكتفاء ذاتي من النفط والغاز والفوسفات والزراعة والصناعة والتجارة والسياحة، والموارد الضريبية”، لكنها بحاجة للاستغلال بشكل جيد.
واعتبر أن تعليق العقوبات الأمريكية سيكون مفيدا في المجالات المتعلقة بمحطات الطاقة وأيضا محطات تكرير النفط والمصافي مثل محطة بانياس، حيث كان هناك خلل كبير، بسبب المشكلة في جلب المواد وقطع الغيار، نظرا لإحجام الدول عن ذلك في السابق بسبب القرار الأمريكي.
وكانت الحكومة الجديدة قد أوقفت العمل بمجموعة من القرارات التي كان النظام المخلوع يؤمن من خلالها القطع الأجنبي على حساب المواطنين، مثل القرارات التي تتعلق بالحوالات وسعر التصريف والاستيراد والتصدير، و“البدل العسكري” وجوازات السفر.
ومع توقف عمل الموانئ والمعابر وغياب مصادر الدخل التي تؤمن القطع الأجنبي كالسياحة، أو تصدير البضائع، تبرز الحاجة إلى عوائد حقول النفط والغاز في المنطقة الشرقية التي تسيطر عليها قسد.
ويؤكد قضيماتي أن سيطرة الحكومة السورية على تلك الحقول، من شأنها أن تتيح الاستثمار والاستكشاف بشكل أكبر، خاصة إذا تم الاعتراف بشكل كامل بالحكومة، وبالتالي دخول شركات أجنبية، مع العمل على إنشاء شركات محلية خلال السنوات القادمة.
وحول حجم تلك الثروات الطبيعية، يؤكد الخبير الاقتصادي السوري أن التقديرات تشير لإنتاج 10 ملايين متر مكعب من الغاز يوميا، بينما حاجة سوريا تفوق 18 مليون متر مكعب، أما عن النفط فنتحدث عن أكثر من 200 ألف برميل نفطي في جميع أنحاء البلاد، والتقديرات تشير أيضا لوجود احتياطي يقدر بنحو 2.5 مليون برميل نفط.
ولكن كل هذه التقديرات “تبقى مطلعة وليست حقيقية، لغياب البيانات الرسمية من قبل حكومة نزيهة ومعترف بها، تصدر مثل هذه التقارير”.
ومنذ عام 2017، سيطرت قسد على عدة مناطق شمالي سوريا بدعم من الولايات المتحدة بحجة محاربة تنظيم الدولة، لكنها استحوذت على معظم آبار ومصافي النفط الرئيسة.
ومنذ ذلك الحين كان النظام السابق يستورد ما بين 100 ألف و120 ألف برميل يوميًا، من إيران وهذه الكميات أقل من حاجة السوق المحلية التي تقدر بنحو 200 ألف برميل يوميًا، وكان يجري ذلك بموجب خطوط ائتمانية راكمت ديونا كبيرة على الخزينة.
كما اعتمد النظام بشكل كبير على شراء النفط من قسد، حيث تستهلك الأخيرة المشتقات النفطية في مناطق سيطرتها وتبيع منه لكافة المناطق السورية، بالإضافة لإقليم كردستان في العراق.
ومن المفترض – وفقا لمراقبين – أن تكفي الكميات المنتجة من تلك الحقول لمعظم احتياجات سوريا، لكن التصدير لكردستان ساهم في قلة المعروض، بينما تستثمر قسد أقل من نصف الآبار والحقول النفطية في مناطق سيطرتها.
أما بخصوص الفوسفات؛ فيرى قضيماتي أنه يجب أن نأخذ بعين الاعتبار الاتفاقيات الموقعة مع روسيا إلى جانب استثمارها للغاز في البحر المتوسط، حيث منحها النظام المخلوع العديد من المزايا مقابل حمايته ومنعه من السقوط.
ويعتمد استخراج الفوسفات على “إبرام اتفاقيات جديدة أو إعادة هيلكة الاتفاقيات القديمة لتعزيز حصة سوريا واستفادتها من ثرواتها، بدلا من الاتفاقيات المجحفة القديمة”.
والحال نفسه بالنسبة لقضية الدعم الأمريكي لسيطرة قسد على الحقول، إذ “يمكن أن نتحدث أيضا عن توافقات واتفاقيات بين الحكومة الحالية وأمريكا لحل مشكلة شمال شرق سوريا وبدون ذلك لا يمكن أن تحل هذه المسألة”.
وكانت مصفاة بانياس النفطية في الساحل، وهي أكبر مصافي البلاد، قد علّقت عملها منذ الشهر الماضي، بعد نفاذ الكميات بسبب توقف سلاسل النفط الإيراني.